قبل إجراء إحصاء السكنى والسكان في المملكة برسم سنة 2024، تكهن العديدون بإمكانية تزايد أعداد المغاربة وبلوغهم سقف 40 مليون نسمة، لكن النتائج الرسمية للمندوبية السامية للتخطيط أظهرت أن عدد الساكنة بلغ ما مجموعه 36.828.330 نسمة، وبذلك عرفت ساكنة المملكة منذ الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014 زيادة تبلغ 2.980.088 نسمة، أي بزيادة نسبتها 8.80%، حيث وصل رقم ساكنة الوسط الحضري 23,110,108 شخص، فيما بلغت ساكنة العالم القروي حوالي 13,718,222 فرد، وهو ما يثير مخاوف وتساؤلات حول التباطؤ المسجل في النمو الديمغرافي بالمغرب.
إحصاء 2024: عدد سكان المغرب يصل إلى 36.8 مليون نسمة بزيادة 8.8%
♦ أهمية النمو الديمغرافي
تبرز بشرى المرابطي، الأخصائية النفسية والباحثة في علم النفس الاجتماعي، أن المعطيات التي جاء بها الإحصاء الأخير للسكان والسكنى في المغرب تبقى صعبة ومقلقة جدا على مستوى الهرم السكاني للبلاد ومستقبلها، مشددة على أن قوة أي دولة تكمن في عدد سكانها الناشطين والقادرين على المساهمة في ازدهارها وتسيدها للعالم، باعتبارهم يمثلون القوة المنتجة لها.
وأضافت أن الصين تعد أفضل مثال في تأثير معدلات النمو الديمغرافي على تموقعها في صدارة بلدان العالم بمختلف المجالات، مشيرة إلى أن كثافتها السكانية ساهمت في تحقيقها لنمو اقتصادي عالي، وامتلاك جيش عسكري قوي، وتسجيل تفوق تكنولوجي، مبرزة أن الولايات المتحدة الأمريكية استفادت من هذا العامل أيضا، فيما عدد من الدول الأوروبية تعاني من ارتفاع الشيخوخة وتراجع النمو الديمغرافي بها.
التقسيم الترابي الجديد.. هل ينجح في إنهاء المشاكل البنيوية لمقاطعات البيضاء وعلى رأسها الحي الحسني؟
وشددت على أن التزايد البطيئ في ساكنة المغرب، يبقى مقلق وصادم ويتطلب وضع سياسات جديدة ومنسجمة مع هذا الواقع من أجل استباق مواجهة أي إشكالية ممكن وقوعها بسبب ذلك مستقبلا، لاسيما في ظل وجود نمو سكاني ما بين 2014 و2024 لا يتجاوز 0.85 % بالمدن، مقابل 1.25 % بالوسط القروي، معبرة عن تخوفها من تراجع هذه النسبة خلال 10 سنوات القادمة لما دون الصفر.
♦ المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية
أرجعت بشرى المرابطي الأسباب في ضعف النمو الديمغرافي إلى ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة والسكن ومحدودية الدخل لدى شريحة كبيرة من المواطنين، مشيرة إلى أن هذه المؤشرات المرتبطة بما هو اقتصادي واجتماعي تحد من تطلعات المواطنين لبناء أسرة أو الإنجاب.
وأضافت أنه كان على المندوبية السامية للتخطيط في إحصائها أن تحرص على معرفة أسباب عدول المواطنين على فكرة الزواج وعدم الإنجاب أو الاكتفاء بولد واحد، مبرزة أن استمارة استجواب الساكنة المستخدمة في هذه العملية كان من المفروض أن تضم هذه التساؤلات، التي كانت الإيجاب عنها ستمكن الخبراء والحكومة من تحليل الواقع بكيفية أكثر دقة.
المغرب يتذيل ترتيب مؤشر التنمية البشرية بشمال إفريقيا.. أين يكمن الخلل وما هو الحل؟
وأشارت إلى أنه من خلال دراساتها والأبحاث التي اطلعت عليها، ومنها تقارير المندوبية السامية للتخطيط، يظهر أنه لا وجود لفكرة العزوف عن الزواج لدى المغاربة، باعتبار أن رغبة تكوين أسرة حاضرة بقوة في التنشئة الاجتماعية والقيم الناظمة والحاكمة للمجتمع، والتي تنمو كأهداف لدى أي فرد منذ صغره، مشيرة إلى أن هذا المسعى قد يصطدم أحيانا بالظروف المادية المحضة التي تحول دون تحقيقه.
وتابعت أن المرأة غريزيا لديها الرغبة في الإنجاب، حيث أن غريزة الأمومة جزء أساسي في تكوينها، ما يدفعها للبحث بأن يكون لها أبناء، لافتة إلى أن ذلك لا يتعارض مع غايات الرجل المغربي الذي يسعى بدوره لكي يكون له امتداد لاسمه العائلي ويضمن بذلك استمرار نسله.
ولفتت إلى أن الجهات الثلاث للأقاليم الصحراوية، أي جهة العيون الساقية الحمراء، وجهة الداخلة وادي الذهب، وجهة كلميم واد نون، وصل فيها معدل النمو الديمغرافي إلى 4.88 % خلال العشر سنوات الأخيرة، في حين أن الرقم وصل في مدن الشمال والوسط إلى 0.85 %، مرجعة ذلك إلى انخفاض معدلات المعيشة في الصحراء؛ على عكس باقي مناطق الوسط الحضري بالمغرب، وذلك بسبب وجود تفاوتات ملحوظة في القيمة الشرائية للسلع والخدمات.
وأكدت الأخصائية النفسية والباحثة في علم النفس الاجتماعي،على أن الفاعل أو العامل الرئيسي في تسجيل تباطؤ بتزايد أعداد السكان ببلادنا يرتبط بما هو اقتصادي بدرجة أولى، لاسيما ما بعد فترة “كورونا” التي شهدت ارتفاعا في الأسعار وتزايد معدلات البطالة بسبب إفلاس مجموعة من الشركات والمقاولات، وكذا تواصل سنوات الجفاف، والتي أدت لفقدان مئات الآلاف لمناصب شغلهم ومورد رزقهم.
مندوبية التخطيط تؤكد تفاقم البطالة إلى 13.6 %.. فهل تبخرت وعود أخنوش بإحداث مليون منصب شغل؟
وأردفت أن إرجاع هذه الإشكالية إلى اتساع قاعدة المدن مقارنة مع البوادي، لا يعد أن يكون رغبة في إخفاء السبب الحقيقي المتمثل فيما هو اقتصادي، مشددة على أن الإنسان المغربي هو نفسة سواءً كان في المدينة أو القرية، وذلك فيما يتعلق بالثقافة الحاكمة والسائدة لدى مختلف الأوساط والشرائح المغربية باختلاف أعراقهم.
♦ التحولات الثقافية والبنيوية
تشير بشرى المرابطي إلى أنه لا علاقة بين التغير الذي وقع في النمو الديمغرافي بالمغرب والتحولات العامة التي شهدتها بلادنا المتعلقة بالقيم الاجتماعية ومكانة الفرد وحقوق النساء وطبيعة الأسرة والعلاقات بين أفرادها، مشيرة إلى أن الإسلام يوصي الإنسان مثلا بكثرة الإنجاب، والمنطق الاجتماعي ينشئ الفرد على الرغبة في تكوين أسرة، وعلى أن الأبناء خير الضمانات والرأسمال بالنسبة للإنسان.
وأوضحت أن موجة الغلاء التي تشهدها بلادنا، وحاجة الأبناء لمصاريف كثيرة سواء من مأكل أو ملبس أو تمدرس هي أسباب رئيسية في تراجع هذا النمو السكاني، حيث أصبح اليوم أمرًا معتادا لجوء الآباء إلى المؤسسات التعليمية الخصوصية لتلقي أبنائهم تعليما جيدا، ونظرا أيضا لكون توقيت المدرسة العمومية التي فقدت دورها وبريقها يزال لا يتلاءم مع زمن الوظيفة بالإدارات العامة أو الشركات الخاصة.
واعتبرت المرابطي أن هذه النتيجة لا تدل على وجود تغير في الثقافة والبنية الاجتماعية في المغرب، مبرزة أن العامل الاقتصادي كانت له الهيمنة في الأسباب الكامنة وراء تباطؤ النمو السكاني بهذا الشكل في بلادنا، حيث أن الشباب المغربي لهم رغبة عارمة في النشاط الجنسي والامتداد عبر الأبناء، في مقابل أن النساء يعلمن أن حقوق أبنائهن لا يمكن أن تتأتى إلى في ظل الأسرة التي يعترف بها القانون.
وشددت على أن المغرب لحدود الساعة لم يشهد أي تغيير ثقافي أو بنيوي اجتماعي كبير، مضيفة أنه من جانب ثاني يوجد تغيير اقتصادي ومادي عميق جدا، مبرزة أن ذلك يفرض على الحكومة إعادة النظر في سياستها الاقتصادية ومراجعة الضرائب والرفع من الأجور والتخفيض من أسعار المواد الغذائية والمحروقات، وتوفير السكن بأثمنة مناسبة، وتوفير العيش الكريمة لكافة المواطنين، تفاديا للوقوع في إشكاليات عويصة تتعلق بارتفاع معدلات الشيخوخة وتقلص الفئة النشيطة من الساكنة.