كشف تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2024 عن تراجع المغرب في مؤشر مدركات الفساد إلى المرتبة 99 عالميًا من بين 180 دولة، بعدما كان يحتل المركز 97 في سنة 2023، حيث حصل على 37 نقطة من أصل 100، مسجلًا تراجعًا بدرجة واحدة مقارنة بالسنة الماضية.
ويعكس هذا التراجع استمرار الصعوبات التي تواجهها المملكة في تعزيز النزاهة ومحاربة الفساد، رغم الإصلاحات القانونية والمؤسسية التي تبنتها الحكومة، مثل تطوير الإطار القانوني لمحاربة الفساد وتبسيط الإجراءات الإدارية؛ حيث أنه رغم إعلان الحكومة تحقيق 76% من أهداف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، إلا أن مؤشرات الشفافية لا تزال تسجل اتجاهًا تنازليًا منذ تحقيق المغرب أفضل أداء له عام 2018 حين احتل المرتبة 73 عالميًا.
ويطرح هذا التراجع تساؤلات حول فعالية الإجراءات المتخذة، ومدى انعكاسها على تحسين ثقة المواطنين والمستثمرين، فضلًا عن تأثيره على التنمية الاقتصادية في البلاد، كما يأتي التقرير في سياق استمرار الجدل حول قضايا الإثراء غير المشروع، وضعف ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتأخر تفعيل بعض القوانين المتعلقة بالنزاهة والشفافية.
♦ دلالات وأسباب استمرار التراجع
اعتبر محمد رشيد الشريعي، رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، أن هذا التقرير يبين أن الفساد يؤثر بشكل كبير على التنمية، ويضعف قدرة الدولة على تحقيق التنمية المستدامة.
وأبرز الشريعي في تصريح لجريدة “شفاف”، أنه بالنظر إلى التباطؤ الذي تشهده الدولة المغربية في معالجة هذه الآفة، ومن خلال المتابعة الميدانية للتطورات المرتبطة بالفساد، يتضح جليًا أنه لا توجد إرادة حقيقية لوضع حد لهذه الظاهرة.
وأردف أن من الأدلة على ما سبق؛ هو أن قانون الإثراء غير المشروع ظل حبيس الأدراج ولم يُفعّل على أرض الواقع، لافتا إلى أنه يظهر بوضوح غياب الإرادة السياسية الحقيقية، في مقابل وجود خطاب شعبوي تتبناه الدولة المغربية حول محاربة الفساد.
وتابع رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، أنه لو كانت هناك إرادة فعلية، لتم وضع قوانين صارمة تحد من انتشار هذه الظاهرة التي تنخر اقتصاد البلاد وتؤثر سلبًا على صورة البلاد أمام المنظمات الدولية المعنية بمراقبة الفساد.
وأشار إلى أن عدم وجود قوانين زجرية يشجع على استمرار الفساد، ويؤكد غياب النية الصادقة لمكافحته، موضحا أن التعامل الانتقائي مع قضايا الفساد يفاقم المشكلة، إذ إن بعض الملفات يُسلط عليها الضوء بينما تُترك ملفات أخرى رغم خطورتها على رفوف المحاكم لسنوات طويلة.
♦ مكافحة الظاهرة
شدد محمد رشيد الشريعي على أن قانون الإثراء غير المشروع يجب أن يُفعّل في أقرب وقت، مبرزا أن الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، كانت من بين المنظمات الحقوقية التي طالبت منذ سنوات بذلك.
وقال الشريعي إنه إذ لم يتم سنّ قوانين صارمة ورادعة، فإن مؤشر الفساد سيستمر في الارتفاع، مما ينعكس سلبًا على سمعة ومكانة البلاد دوليا فيما يتعلق بمختلف المجالات وكافة المستويات.
وأردف أنه بالعودة إلى النموذج التنموي الجديد، لا شك أن الفساد يشكّل عائقًا رئيسيًا أمام تحقيق أهدافه، مبرزا أنه لا يمكن الحديث عن تنمية مستدامة في ظل مؤسسات تعاني مع ومن الفساد، سواء في القضاء أو الأمن أو الضرائب أو الإدارات الترابية.
وأوضح أن الواقع أن الفساد ليس مقتصرًا على فئة معينة، بل يمتد ليشمل مختلف المؤسسات، حيث يتم التعامل مع بعض المسؤولين الكبار بأسلوب متساهل، في حين تُطبَّق العقوبات بصرامة على مسؤولين آخرين.
ولفت إلى أن غياب المساواة أمام القانون يضعف ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، ولذلك من الضروري تبني مقاربة شاملة لمحاربة الفساد، ترتكز على تفعيل القوانين الزجرية ومحاسبة جميع المتورطين دون انتقائية.
وأكد على أنه ينبغي تسريع وتيرة معالجة ملفات الفساد، لأن البطء في البتّ فيها يُفقد الثقة في جدية محاربته، مشيرا إلى أنه على سبيل المثال ملف “كازينو السعدي” بمراكش الذي استغرق 17 عامًا قبل صدور الحكم النهائي، يُعد نموذجًا صارخًا لبطء الإجراءات القضائية في قضايا الفساد.
ونادى بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في قضايا الفساد، مهما كان منصبه أو مكانته، وبإشراك منظمات المجتمع المدني في جهود مكافحة الفساد، والاستماع إلى مقترحاتها وتوصياتها.
وأشار إلى أنه بالنسبة لدور المؤسسات الرقابية والدستورية، كالقضاء والأمن والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، فإن دورها سيظل ضعيفًا في غياب قوانين صارمة تُجرّم الفساد بوضوح وتفرض عقوبات رادعة.
ونبه إلى أنه إذا لم يتم تنزيل هذه القوانين، فإن دور هذه المؤسسات سيبقى محدودًا وغير فعال، داعيا لضرورة أن تتحمل الدولة مسؤوليتها التاريخية في إخراج قوانين فعالة لمحاربة الفساد، لأن غياب هذه القوانين يجعل الحديث عن مكافحة الفساد مجرد شعارات فارغة لا أثر لها على أرض الواقع.