في تحول غير مسبوق بمسار النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، أكد مجلس الأمن، خلال جلسة مغلقة أول أمس الإثنين؛ إعادة صياغة جوهرية لمهمة المبعوث الشخصي للأمين العام، ستافان دي ميستورا، بجعلها مقتصرة على تفعيل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، باعتباره الحل الوحيد المقبول أمميًا لتسوية النزاع، وهذا التحول المدعوم من طرف قوتين دائمتين هما الولايات المتحدة وفرنسا، يأتي في سياق زخم دبلوماسي يتنامى لصالح المقترح المغربي، ويضع نهاية فعلية لخيار الاستفتاء الذي ظل يراوح مكانه لثلاثة عقود، وسط تعزيز متزايد لدور “المينورسو” في دعم هذا الخيار الواقعي بدل التحضير لهدف لم يعد قائما.
وغير أن هذا التطور يفتح الباب على مصراعيه لأسئلة جوهرية حول الأطراف المعنية بهذا المسار الجديد، إذ بات دي ميستورا مطالبا بإعادة النظر في مفهوم “التمثيلية الصحراوية”، خاصة في ظل انهيار احتكار جبهة “البوليساريو” لهذا الدور، وتنامي حضور حركات بديلة وممثلين منتخبين من داخل الأقاليم الجنوبية، وهو ما يطرح تساؤلات حول إن كان سيقود هذا التحول إلى إعادة تشكيل المشهد التفاوضي على أسس أكثر واقعية وتعددية، وكذا موقع الجزائر، التي وُضعت أمام مسؤولياتها السياسية والإنسانية، من هذا المسار الجديد، وكذا دور هذا الزخم في الإغلاق النهائي لهذا الملف مع اقتراب إحياء الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء.
قرار مجلس الأمن حول الصحراء المغربية.. هكذا كرس القرار انتصار الدبلوماسية المغربية وعرى فشل الجزائر
♦ تفويض أممي للتنفيذ الحاسم
أبرز إدريس قصوري، الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، أنه في ظل هذا المنعطف التاريخي، لم تعد قضية الصحراء المغربية تندرج ضمن مسارات التفاوض الماراثونية المعتادة، بل انتقلت بشكل صريح إلى مرحلة الحسم والتنفيذ.
وقال قصوري في تصريح لجريدة “شفاف”، إنه أصبح من الضروري إدراك أن التفويض الممنوح اليوم للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا ليس تفويضًا للوساطة أو لإدارة حوارات مستنزفة، بل هو تفويض تنفيذي، هدفه الرئيسي تسريع تنفيذ الحل السياسي المتمثل في الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، والذي حظي بإجماع أممي واسع ودعم قوي من قوى دولية فاعلة.
مغربية الصحراء تحت المجهر الأمريكي مجددًا.. هل آن أوان الحسم عبر بوابة مجلس الأمن؟
وأردف أن هذا التفويض الجديد لدي ميستورا يتماشى مع المنطق الجديد الذي بات يسود اليوم العلاقات الدولية بعد الخطاب المرجعي الذي ألقاه دونالد ترامب يوم تنصيبه للمرة الثانية رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، أن خطاب ترامب دشّن مرحلة جديدة في طريقة حل النزاعات الدولية، بعيدًا عن الديناميات التوافقية المطاطية، نحو قرارات حاسمة وفعالة تُنفذ بدون تردد أو ارتباك.
♦ الحكم الذاتي.. الحل أصبح واقعًا
يرى إدريس قصوري، أنه لم يعد الحكم الذاتي بعد الاجتماع الأخير لمجلس الأمن الدولي مجرد اقتراح أو سيناريو مطروح للنقاش، بل تحوّل إلى واقع فعلي تؤكده المعطيات السياسية والاستثمارية.
وزاد قائلا إن أكثر من 100 دولة دعمت المقترح المغربي، منها من عبّر عن ذلك صراحة، ومنها من جسّده ميدانيًا من خلال فتح قنصلياتها بالصحراء المغربية أو عبر ضخ استثمارات اقتصادية ضخمة في المنطقة.
تقرير “المينورسو” يكشف تعنت البوليساريو وتصعيد التوترات في الصحراء المغربية قبل اجتماع مجلس الأمن
ولفت إلى أن الواقع الجديد في الأقاليم الجنوبية بالمملكة أصبح قائمًا بذاته؛ لا سيما ما يتعلق بتطور البنية التحتية، وتصاعد وتيرة إنجاز المشاريع التنموية، وحضور الدول الكبرى على الأرض.
وأكد المحلل السياسي أن كل ما سبق يعد مؤشرا على أن الحكم الذاتي لم يعد موضوعًا للنقاش، بل مرحلة يجب تنفيذها بسرعة، بما يضمن استقرار المنطقة ويردع الأطراف الساعية لنسف الحل.
♦ الجزائر أمام اختبار
اعتبر قصوري أن النظام الجزائري يجد نفسه اليوم أمام فرصة تاريخية لمراجعة مقاربته للملف، موضحا أن المرحلة التي كانت تبرر فيها الجزائر مواقفها بعقائد الحرب الباردة وامتداداتها السوفياتية قد ولّت.
وتابع الأستاذ الجامعي أن النظام العالمي الجديد يُبنى اليوم على مقاربات جديدة قوامها التكيّف والاستجابة والانخراط البناء، لا على الشعارات الثورية أو الخطابات العقيمة التي أتبتت فشلها منذ عقود.
وأوضح أن الجزائر أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إذ إما الاندماج في النظام الدولي الجديد والمساهمة في الحل، عبر تفكيك مخيمات تندوف، التي أصبحت عبئًا سياسيًا وإنسانيًا، أو الاستمرار في النهج العدائي الذي لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة والعقوبات، سواء السياسية أو الاقتصادية.
رصاص الجيش الجزائري في مخيم الداخلة بتندوف.. جريمة تكشف هشاشة السردية الانفصالية وتزيد عزلة النظام
وأبرز أنه هذه لحظة الجزائر؛ لكي تتخلص من إرث الماضي وتندمج في المستقبل، وفرصة لتعيد النظر في خطابها، وتستجيب للمعايير الدولية التي تقوم على العقلانية والمؤسسات والتكيف مع المحيطين الإقليمي والدولي.
ولفت إلى أن لا أحد يريد إسقاط النظام الجزائري، بل المطلوب منه فقط أن يكون دولة تحترم ضوابط النظام العالمي الجديد، لا جماعة ثورية تقاوم من خارج التاريخ.
وأكد أن هذه فرصة تاريخية للجزائر بمراجعة ذاتها والتكيف مع السياسة الدولية وداخل النظام العالمي الجديد والانخراط فيه بقم فكرية وسياسية ودبلوماسية وأخلاقية جديدة، ذات مصداقية تعيد لها السمعة والفاعلية المفقودتين عبر الاستجابة لفاعليه، وعبر تفكيك مخيمات الإرهاب.
وأشار الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي أيضا إلى أنها فرصة أخرى لعملاء المخيمات من أجل جمع الرحال والعودة لأرض الوطن في إطار “إن الله غفور رحيم”، وذلك قبل فوات الأوان.
♦ البوليساريو.. النهاية المحتومة
يرى قصورى أن منظمة البوليساريو لم تعد تحظى بأي شرعية، سواء سياسية أو إنسانية، موضحا أن تصنيفها ضمن الحركات الانفصالية والإرهابية أصبح يلقى قبولًا متزايدًا في الأوساط الدولية، خصوصًا في ظل التوجه العالمي نحو تجريم الحركات التي تهدد الاستقرار وتستغل المدنيين لأغراض سياسية.
وأكد أنه حين يتم تنفيذ الحكم الذاتي من طرف المغرب بشكل أحادي، لن يبقى للبوليساريو أي دور سوى أن تكون عنوانًا للفوضى، مبرزا أنه آنذاك؛ ستكون الجزائر ملزمة بتفكيك المخيمات، ليس فقط استجابة للواقع الجديد، بل حفاظًا على صورتها الدولية التي تزداد تآكلًا.
وتابع أنه وسط هذه التحولات، آن الأوان لعملاء الداخل في مخيمات تندوف أن يُراجعوا أنفسهم، مبرزا أن الشهادات التي يتناقلها المبعوث الأممي عن مآسي النساء والرجال الذين لا يريدون أن يُدفنوا بعيدًا عن أرض الوطن، تُعد مؤشرًا قويًا على نهاية الوهم الانفصالي.
وأبرز الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي أنه آن الأوان للعودة، فالوطن يتسع للجميع، والمغرب كان دائمًا واضحًا منذ عقود في دعوته إلى المصالحة والانخراط في المشروع الوطني.
♦ المغرب وتعديل دستوري مرتقب
يوضح قصوري أنه في خضم هذا الزخم الدولي، بات على المغرب أن يوضح بشكل دقيق طبيعة الحكم الذاتي الذي سيُنفذ، وإن كان ذو بعد سياسي موسع أم يكتفي بالإطار الاقتصادي والإداري.
واستطرد أن هذا التوضيح سيكون ضروريًا على المستوى الداخلي والخارجي، وربما من خلال تعديل دستوري يُدرج صراحةً تفاصيل هذا النموذج من الحكم الذاتي، بما يعطيه المشروعية السياسية والمؤسساتية المطلوبة.
وشدد المحلل السياسي على أن المغرب اليوم هو اللاعب الوحيد في هذا الملف، والكرة في ملعبه، مؤكدا أن الحل حُسم، ولم يتبق سوى الإجراءات التنفيذية التي ستحدد الشكل الأمثل لتجسيده على الأرض.