قال شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، خلال ندوة صحفية يوم الخميس 10 نونبر 2022، بالرباط، أن 23 في المائة فقط من تلاميذ السلك الابتدائي يستطيعون قراءة نص مكون من 80 كلمة باللغة العربية بطلاقة وبكيفية سلسة، في وقت يعجز فيه 77 في المائة منهم.
وأكد أيضا بنموسى، أن 30 في المائة فقط من تلاميذ المستوى الابتدائي، يستطيعون قراءة نص باللغة الفرنسية مكون من 15 كلمة، بينما خلصت نتائج اختبار TaRL، التي اجريت لتلاميذ المستوى الخامس الابتدائي في شهر شتنبر الماضي، إلى أن 13 في المائة فقط من هؤلاء يستطيعون إنجاز عملية قسمة بسيطة
وبحسب أرقام وزارة بنموسى، فقد انقطع عن الدراسة في الفترة الممتدة من 2016 إلى 2022 ما مجموعه 300 ألف تلميذ، غالبيتهم في السلك الثانوي الإعدادي بـ 160 ألف تلميذ، ثم الثانوي التأهيلي بـ 74 ألف فالابتدائي بـ 68 ألف تلميذ.
ووفق نفس المصدر، فـ80 في المائة من تلاميذ المستوى السادس ابتدائي المنقطعين عن الدراسة برسم الموسم الماضي ينتمون للمجال القروي، بينما يقطن 20 في المائة من هؤلاء في الحواضر.
وفي هذا الإطار، حاورت جريدة “شفاف” الخبير التربوي، عبد الرزاق بن شريج، بخصوص الأرقام “الخطيرة”، التي جاءت على لسان وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي، شكيب بنموسى، والتي رسمت صورة سوداوية عن واقع المنظومة التعليمية في المغرب.
س= قراءتك الأولية للأرقام التي قدمها شكيب بنموسى، هل تعتقدون أن الوزير وضع الأصبع على الداء وكشف مكامن ضعف المنضومة التربوية؟
ج= أصبح من المسلم به والبديهي الحديث عن فشل كل المشاريع التي استهدفت إصلاح المنظومة التربوية، فلا أحد اليوم ينكر ذلك؛ سواء المهتمين والخبراء ومؤسسات التقييم الوطنية والدولية، بل حتى مسؤولي وزارة التربية الوطنية لم يعد بإمكانهم الحديث عن المنظومة دون الاعتراف بالفشل والتدني، فلم يعد يخفى على أي مهتم التدني المقيت الذي وصلت له المنظومة، ولا أحتاج هنا تذكير القارئ بما يعني مصطلح منظومة، لكن المشكل هو عدم التوقف عند من تسبب في هذه الخيبات المتتالية، منذ أكثر من 20 سنة، وخاصة منذ انطلاق البرنامج الاستعجالي الذي خصصت له ميزانية هائلة ذهبت أدراج الرياح دون محاسبة المسؤولين عن ذلك.
س= ماذا يحتاج قطاع التربية والتعليم في المغرب لتفادي هذه الأرقام الكارثية، أو على الأقل للتخفيف منها؟
ج= أول عملية يجب على الوزير بنموسى القيام بها هي التخلص من الرباعي المركزي الذي عمر أكثر من 14 سنة، والذي ساهم في كل الإخفاقات التي عاشتها وتعيشها المنظومة، فمهما بلغت درجة التنظير والخطيط والحديث عن خارطة طريق أو استراتيجية، فلن تجد سبيلا للتنزيل مادامت تحت إشراف الوجوه نفسها التي أسهمت في هذا التدني أو لنقل على الأقل تتحمل مسؤولية الفشل بحكم منصبها العالي ويدها الطولي على كل مكونات المنظومة؛
س= ألا ترى أنك تبالغ بعض الشيء في تحميل مسؤولية فشل المنظومة لفريق واحد؟
ج= ليس هناك أي مبالغة، فمن الطبيعي تظافرت عدة أسباب لفشل المنظومة، لكن المسؤولية الكبرى يتحملها من يملك سلطة القرار، ومعروف عند نساء ورجال التعليم أن الرباعي المركزي يتحكم في كل دواليب المنظومة، ويكفي أن أذكر هنا أن القانون الإطار 51/17 في بابه التاسع حول تقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي والإجراءات المواكبة لضمان الجودة، ركز على إخضاع منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي إلى نظام خاص للتتبع، والتقييم، والمراجعة المنتظمة من أجل التأكد من مدى تحقق الأهداف، فنظريا، النص جيد والهدف ممتاز، ولكن في الوقت الذي عرف فيه البرنامج الاستعجالي العديد من الاختلالات، وأصبح من الواجب على المفتشية العامة لوزارة التربية الوطنية القيام بتفتيش أو تقييم داخلي، في كل ما هو مالي وإداري، تم تكليف مدير مديرية الشؤون العامة والميزانية والممتلكات بمهمة مفتش عام للشؤون الإدارية، ليفتش المديرية التي كان يدبرها، والآن ونحن نتحدث عن الاختلالات التي يعرفها الكتاب المدرسي وعدم تجديده منذ سنة 2000 وما أثاره من تساؤلات حول العلاقة مع شركات الناشر؛ فعوض قيام المفتشية العامة للشؤون التربوية بتقييم عمل مديرية المناهج والبرامج، تم تكليف مدير هذه الأخير بمهام مفتش عام للشؤون التربوية ليفتش المديرية التي هو مديرها، الأمثلة كثيرة مما يطرح العديد من التساؤلات والشكوك حول مآل ومستقبل المنظومة التربوية، ومن يحمي الرباعي، …
س= من يتحمل مسؤولية هذه الأرقام؟
ج= المتوقع وفي الظروف العادية، التي تكون فيها البنية التحتية للمؤسسات جيدة وعدد المتعلمين ما بين 20 و30 متعلما في كل قسم، والوضعية المادية والاجتماعية والإدارية للمدرس جيدة أو على الأقل عادية، والظروف المعيشية والاجتماعية للمتعلمين جيدة أو عادية، أقول إن كان الوضع على هذا الشكل فالمسؤولية تقع على عاتق المدرس(ة)، لأنه لا يوجد أي مبرر مقبول لعدم تمكين المتعلم(ة) من القراءة والكتابة والتعامل مع العمليات الحسابية والهندسية، ولكن المنظومة التربوية بالمغرب منخورة من الداخل، فالبنية التحتية مزرية ومهترئة، والمدرسون في إضرابات متتالية بسبب السياسة غير المساعدة على إيجاد الحلول المطمئنة، وهناك العديد من الإكراهات التي أدت إلى الاحتقان المستمر في صفوف الشغيلة التعليمية، ولكن إن أردت الجواب في كلمة واحدة: يتحمل المسؤولية المباشرة مَن قرر التعاقد في مهنة خطيرة كالتربية والتكوين، وسلم نساء ورجال المستقبل لمن لم يتلق أي تكوين تربوي، يتحمل المسؤولية من يريد للمنظومة الإغراق في الاستشارة، وعدم الحزم في محاسبة من تسبب في ما تعانيه المنظومة اليوم؛
س= كانت استشارات كثيرة فعن أي استشارة تتحدث؟
ج= أقصد ما أسمته الوزارة الوصية ب “خارطة طريق لمدرسة عمومية ذات جودة عالية”، فهل يعقل أن نعيد الاستشارة من الصفر؟ ألم يَستشر المجلس الأعلى للتربية والتكوين بما فيه الكفاية وأنتج الرؤية الاستراتيجية؟ واستشارة الوزارة الوصية بما يكفي وتوصلت إلى التدابير ذات الأولوية؟ ألم يكفي سي بنموسى الاستشارة التي قام بها لإعداد النموذج التنموي الجديدة؟ نحن اليوم في حاجة إلى تقييم مدى تنزيل الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار، وليس للاستشارة، إن لجوء الوزارة إلى ما أسمته بخارطة الطريق 2022/2026 يوضح أن القانون الإطار لن يساهم في القطع مع تغيير منهج ومضمون وشكل الإصلاح بتغيير وزراء التربية الوطنية.
س: في نظرك هل تبرز هذه الأرقام سبب عدم تصنيف الجامعات المغربية ضمن الأفضل عالميا؟
ج= أكيد، مع الإشارة إلى أن الأرقام التي صرح بها السيد وزير التربية سواء في مجلس الحكومة أو في ندوة الخميس الماضي أرقام رسمية مبنية على تقارير داخلية، قد تكون غير دقيقة، فالرباعي المركزي قد يفرض على المديريات كتابة تقارير تناسب تصوره الخاص وهدفه من أي إحصاء أو دراسة، وبالتالي أعتقد أن في الواقع أكبر مما جاء في تقرير الوزير، ولن تحقق الجامعة أو حتى التعليم الثانوي بسلكيه أي تقدم في ضل غياب التركيز على التعليم الأولي والابتدائي، وما سيزيد الأمر تعقيدا هو تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية والوطنية في السياسة التعليمية غير المستقرة وغير الواضحة أصلا، ويمكن الاطلاع على قانون المالية لسنة 2023، والنتائج الأخير للحوار الاجتماعي والقطاعي للتأكد من صعوبة الوضع؛
س: كيف تقيم تفوق التلاميذ المغاربة في المسابقات الدولية؟، هل الأمر راجع بالأساس إلى إمكانياتهم الذاتية أم إلى المخططات التي تعتمدها الوزارة الوصية في التدريس ؟
ج= يقول المثل “النادر لا حكم عليه”، فتفوق الطفلة مريم أمجون كنموذج، وغيرها القليل جدا، يعطينا رسالة واضحة أن الأطفال طاقات هائلة في مجالات متنوعة ومتعددة، ومسؤولية الأسرة والمدرسة في العمل على إبراز تلك الطاقات، وفي غياب التعاون بين الأسرة والمدرسة لن يتطور المجتمع المغربي، ولتتعاون مؤسستي الأسرة والمدرسة لابد من توفير الشروط الاجتماعية والإدارية والقانونية التي أشرت لها سابقا، وبالتالي فالسياسة التعليمية مسؤولية الحكومات المتعاقبة، وليس الحكومة الحالية فقط ممثلة وزارة التربية الوطنية، وعلى الدولة الغربية تحمل مسؤوليتها في اعتبار التربية والتكوين أولوية من بين الأولويات الوطنية.