استعرض بنك المغرب في تقريره الشهري الصادر في ماي 2025 تحت عنوان “مراجعة الظرفية الاقتصادية والنقدية والمالية” مؤشرات الاقتصاد الوطني والدولي، مسلطًا الضوء على التحولات الكبرى التي شهدها الربع الأول من السنة الجارية، في سياق دولي يتسم باضطرابات تجارية ومالية واسعة، وتحسن نسبي في بعض قطاعات الاقتصاد المغربي رغم ضغوط متعددة.
ورصد التقرير التوترات المتصاعدة في الساحة الاقتصادية الدولية، وخاصة تلك الناجمة عن السياسات الحمائية الجديدة للإدارة الأمريكية، والتي أدت إلى تفاقم عدم اليقين على مستوى المبادلات التجارية والأسواق المالية.
وقد دفعت هذه التطورات، حسب التقرير، صندوق النقد الدولي إلى مراجعة توقعاته للنمو وخفضها، مع رفع احتمال حدوث ركود عالمي إلى 30% بعد أن كانت في حدود 17% فقط قبل ستة أشهر.
وسجلت اقتصادات كبرى تباطؤًا ملحوظًا، حيث بلغ معدل النمو في الولايات المتحدة 2,1%، في حين استقرت منطقة اليورو عند 1,2%، وسط تفاوتات لافتة بين بلدانها، من أبرزها استمرار الانكماش في ألمانيا وتحسن طفيف في إيطاليا. وفي المقابل، حافظت الصين على نمو مستقر بلغ 5,4%، بينما تسارعت وتيرة النمو في الهند وروسيا إلى 6,2% و4,5% على التوالي.
وشهدت الأسواق المالية خلال شهر أبريل تقلبات حادة، تأثرت بشكل كبير بالتوترات التجارية والضبابية المرتبطة بتوجهات السياسة النقدية الأمريكية.
كما تراجعت البورصات العالمية، وفق المصدر عينه، بنسب ملحوظة، من بينها مؤشر Eurostoxx الذي انخفض بـ7,9%، وS&P 500 الذي فقد 5,6% من قيمته.
وتزامن ذلك مع انخفاض جديد في أسعار النفط، حيث تراجع خام برنت إلى 67,8 دولارًا للبرميل، مسجلًا انخفاضًا شهريًا بنسبة 6,7%، فيما ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 38% على أساس سنوي نتيجة إقبال المستثمرين عليه كملاذ آمن.
وأوضح بنك المغرب في تقريره أن الاقتصاد الوطني واصل تسجيل أداء متوازن في سياق عالمي صعب، حيث بلغ النمو الاقتصادي 3,7% خلال الربع الأخير من سنة 2024، مدفوعًا بارتفاع الأنشطة غير الفلاحية بنسبة 4,4%، في مقابل تراجع النشاط الفلاحي بـ4,9%. وعلى مستوى السنة الكاملة، بلغ معدل النمو 3,2%، مقارنة بـ3,4% في 2023.
وأفادت التقديرات الأولية المتعلقة ببداية سنة 2025 بوجود تسارع نسبي للنشاط الاقتصادي، بفضل تحسن الإنتاج الفلاحي وزخم إيجابي في عدد من القطاعات الإنتاجية والخدماتية.
وفي هذا السياق، قدرت وزارة الفلاحة محصول الحبوب للموسم 2024-2025 بـ44 مليون قنطار، بزيادة 41% مقارنة بالموسم السابق، مدعومة بتحسن الظروف المناخية في مارس وأبريل.
وشهدت الصناعات التحويلية ارتفاعًا في القيمة المضافة بنسبة 3,7%، بفضل تحسن قطاعات الصناعات الكيماوية والبلاستيكية والغذائية.
وحقق قطاع البناء نموًا بـ7%، كما واصلت السياحة انتعاشها، إذ ارتفعت أنشطة الإيواء والمطاعم بـ12,8%، وسجلت حركة السياحة نموًا بنسبة 24,3% في عدد الوافدين، و15,6% في عدد الليالي المقضية بالمؤسسات المصنفة إلى غاية نهاية فبراير.
وأفرز سوق الشغل دينامية إيجابية، حيث تم خلق 282 ألف منصب شغل صافي بين الربع الأول من 2024 ونفس الفترة من 2025، بعد أن كان الاقتصاد قد فقد 80 ألفًا خلال الفترة نفسها من السنة الماضية.
وتوزعت مناصب الشغل الجديدة على قطاعات الخدمات بـ216 ألفًا، والصناعة بـ83 ألفًا، والبناء بـ52 ألفًا، في مقابل فقدان 72 ألف منصب في الفلاحة. وأسفر ذلك عن انخفاض معدل البطالة إلى 13,3% وبلوغه 16,6% في الوسط الحضري، مقابل 7,3% في القرى، بينما بلغ معدل بطالة الشباب 37,7%.
أظهرت معطيات التقرير تفاقمًا في العجز التجاري بنسبة 16,9%، ليبلغ 71,6 مليار درهم نهاية مارس، نتيجة ارتفاع الواردات بـ6,9% إلى 187,7 مليار درهم، مقابل نمو محدود في الصادرات بـ1,5% فقط إلى 116,1 مليار درهم.
وشهدت صادرات الفوسفاط ومشتقاته ارتفاعًا بنسبة 18,2%، وقطاع الطيران بنسبة 15%، في حين تراجعت صادرات قطاع السيارات بـ7,8% بسبب انخفاض بـ23,7% في صادرات فرع “التركيب”، في مقابل تحسن طفيف في فرع “الكابلاج”.
وبيّنت الوثيقة تراجع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بـ6,2% إلى 26,2 مليار درهم، بينما ارتفعت مداخيل السفر بـ2,4% لتبلغ 24,6 مليار درهم. فيما سجلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة تدفقًا إيجابيًا بلغ 13 مليار درهم، في حين تقلصت الاستثمارات المغربية بالخارج بنسبة 22,6%.
وأفادت المعطيات النقدية بأن الكتلة النقدية M3 سجلت نموًا سنويًا بنسبة 8%، مدفوعة بارتفاع في الودائع الجارية للأسر والشركات الخاصة.
وتراجعت أسعار الفائدة على القروض بـ10 نقاط أساس لتصل إلى 4,98%، رغم تسجيل ارتفاع في نسب الفائدة الخاصة بالقروض الاستهلاكية إلى 7,13%. واستقرت نسبة الفائدة في السوق بين البنوك عند 2,25%، في وقت بلغ فيه متوسط التداولات اليومية 4,1 مليارات درهم.
وأظهر تنفيذ ميزانية الدولة خلال الربع الأول فائضًا محدودًا بلغ 753 مليون درهم، مقابل 9,4 مليارات خلال نفس الفترة من 2024، وذلك رغم ارتفاع المداخيل العادية بـ20,7%، والتي شملت نموًا في المداخيل الضريبية وغير الضريبية، بسبب ارتفاع محسوس في النفقات العادية بـ28,5%، خصوصًا تلك المرتبطة بفوائد الدين ونفقات التسيير، مقابل تراجع بـ27,8% في نفقات المقاصة. وسجلت الخزينة عجزًا نقديًا قدره 15,5 مليار درهم، تم تمويله عبر موارد داخلية وخارجية.
وأشار التقرير إلى أن مؤشر بورصة الدار البيضاء “مازي” تراجع خلال أبريل بنسبة 3%، رغم احتفاظه بأداء إيجابي منذ بداية السنة بلغ +16,6%. كما سجلت القيمة السوقية الإجمالية للبورصة تراجعًا بـ2,8% لتستقر عند 898,9 مليار درهم.
وأكد بنك المغرب أن معدل التضخم بلغ 1,6% في مارس، مقابل 2,6% في فبراير، ليبلغ متوسط التضخم خلال الربع الأول 2%. وجاء هذا التراجع نتيجة انخفاض في أسعار السلع غير القابلة للتبادل، وهو ما انعكس أيضًا في معدل التضخم الأساسي الذي انخفض بدوره إلى 1,4%.