اعتبر محمد بنعبو، خبير في المناخ والتنمية المستدامة، قرار الحكومة استثناء الخضر والفواكه المستهلكة للمياة بكميات كبيرة صائب، ويصب في مصلحة المملكة التي تعرف نزيف خطيرا في مواردها المائية، وسيساهم في تحول مسار الزراعة في المغرب من المنتوجات المستهلكة للمياة، إلى الزراعات الصديقة للبيئة.
وفي هذا الصدد قال بنعبو، لموقع “شفاف” أن زراعة فاكهة “البطيخ الأحمر”، “الافوكا”، “الحوامض”، أو أي خضر مستهلكة للمياه بشكل شره وتستنزف الثروة المائية، يجب التقليل منها وتعويضها بزراعات أخرى اقل استهلاكا لهذه المادة الحيوية. خصوصا أن المغرب يعرف ظروف مناخية صعبة أثرت بشكل كبير على موارده المائية، ومن ناحية أخرى إذا قارنا فترة الستينات كانت كميات الماء المخصصة لكل مواطن سنويا تناهز 2600متر مكعب، في حين وصلت حصة المواطن من المياه خلال السنوات الأخيرة إلى حدود 600 متر مكعب، الأمر الذي يوجب التخلي عن مثل هذه الزراعات والتطبيع مع غيرها التي لاتستهلك مياه كثيرة وتحافظ على الفرشة المائية.
وأمام هذا الرقم المخيف، يضيف الخبير البيئي، أن المغرب يصنف ضمن الدول ذات الإجهاد المائي، وحاليا المملكة متجهة بسرعة نحوى النذرة المطلقة التي هي 500 متر مكعب للفرد الواحد خلال السنة.
ورغم هذا القرار، يقول بنعبو، أن القطاع الوصي على الفلاحة في المغرب ليس له الصلاحيات في منع المستثمرين أو الفلاحين الكبار من مزاولة أي نوع من الزراعات في المجال الفلاحي، لكن له كل الصلاحيات في توقيف الدعم او سحبه على مجموعة من الزراعات التي تستنزرف الثروات المائية، ويعتبر هذا القرار في حد ذاته نوع من المنع، خصوصا أن الفلاح إذا كانت زراعته تتطلب موارد مالية جد مهمة واستثمارات كبيرة، بالإضافة إلى عدم وجود دعم واضح لدولة من أجل تخفيف الأتعاب والاعباء على الفلاحين سوف يكون هناك تراجع كبير في المساحات المخصصة لمثل هذه المزروعات سواء المتعلقة بزراعة فاكهة البطيخ الأحمر او لافوكا او الزراعات الأخرى التي تستنزرف الثروات المائية بشكل كبير، وبهذا يمكن أن نقول أن القرار جد صائب وعبره يمكن أن يكون هناك نوع من توجيه الفلاحين نحو زراعات أخرى لاتستهلك كثيرا الموارد المائية للمملكة.
وفي السياق ذات، أوضح الخبير البيئي، أن المغرب يمر بظروف مناخية جد متسارعة منذ سنة 2018 إلى يومنا هذا، إذ شهدت أغلب الأحواض المائية في المملكة خلال السنوات الأخيرة جفافا كبيرا، خصوصا إذا علمنا أن أحواض أم الربيع، وملوية، وتنسيفت، وسوس ماسة، لم تعرف تساقطات مائية مهمة ما أثر على حقينة السدود في المملكة، وإذا قارنا هذه المرحلة بفترة الثمانينات التي كانت تعرف جفافا قاحلا وأثرت بشكل كبير على المناطق القروية، كان يتم تزويد هذه الدواير بالمياة اعتماد على السدود، لكن هذه السنة عرفت استثناء وهي أن الأحواض المائية للمدن هي الأخرى شهدت شحا في مخزون المياه، ما أدى إلى نقص منسوب تزويد الماء الصالح للشرب على مستوى مجموعة من المدن من بينها مدينة برشيد وسطات.
وتعود أسباب شح المياه حسب الخبير البيئي والمائي، إلى التغيرات المناخية التي يعرفها العالم، ويعد السبب الرئيسي في هذه الحصيلة، بالإصافة إلى السلوك البشري خصوصا إذا شاهدنا تصريحات وزارة الماء التي قامت بإحصاء الآبار والثقوب المائية بمعية وزارة الداخلية، إذ كشفت هذه الأخير أن 72٪ من الثقوب المائية والآبار في المغرب كلها ثقوب عشوائية وغير قانونية، وبالتالي يعتبر استنزاف خطير للفرشة المائية من طرف المواطنين سواء كانو فلاحين او عاديين، بالإضافة إلى سرقة مليون متر مكعب من الحوض المائي لأم الربيع وغيرها من الممارسات العشوائية للإنسان.
وأمام الاستنزاف الطبيعي والبشري للفرشة المائية بالمملكة، يؤكد بنعبو، أن هذا السلوك سيكون له الأثر المباشر على الموارد المائية، وبهذا سيتأثر الأمن المائي والغذائي للمواطن، فعند نضوب فرشة الأنهار وقلة الأمطار سيكون له تأثير مباشر على التزود بالماء الصالح للشرب والسقي بالنسبة للأراضي الفلاحية، وقد شاهدنا هذه السنة أن المنتوج الفلاحي تأثر بشكل كبير، خصوصا على مستوى القمح والشعير والمزروعات التي يعتمد عليها المغرب كمزروعات أساسية بالنسبة له لتحقيق الأمن الغذائي، إزاء قلة التساقطات المطرية وكذا نضوب الفرشة المائية، الأمر الذي يستوجب استيراد هذه المواد بكميات كبير من الدول الصديقة في مقدمتها أمريكا وروسيا وأكرانيا وكندا من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي، وعلى هذا الإثر فالحكومة تبذل مجهودات جبارة من خلال البرنامج الوطني لتزود بالمياه الصالحة للشرب والسقي الذي أعطى إنطلاقته جلالة الملك محمد السادس منذ شهر يناير 2020 وعلى ضوئه سيتم بناء سدود كبرى وسدود تلية وإنشاء محطات تحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة لسقي المساحات والملاعب الخضراء خلال السنوات السبع المخصصة للمشروع.
وفي الأخير أضاف بنعبو، أن هناك حلول استعجالية يتم الاشتغال عليها، من قبيل تنويع العرض المائي والانفتاح على الموارد المائية غير التقليدية كما جاء في التوصيات ومخرجات النوع النموذجي، الذي ركز على ضرورة توسيع دائرة الموارد المائية كتحلية مياه البحر والمياه الجوفية المالحة والاعتماد على المياه العادمة المعالجة من أجل استخدامها في السقي، ثم التوجه إلى كل ما هو غير تقليدي مثل انتظار تساقط الأمطار او الثلوج خصوصا ان المملكة تعرف تأخرت في التساقط المطرية، وبالتالي يجب دائما استدامة هذه الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى الاشتغال على توعية وتحسيس المواطنين والانفتاح على جميع الفئات العمرية لجعل المدارس والجامعات والكليات كمشاتل للتوعية بأهمية الحفاظ على هذا المورد الطبيعي على أساس أن الجميع مسؤولون على استدامة هذه المادة.