اعتبر محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن “السياسة ببلادنا في محنة أو في وضعٍ حرِج”، مشيرا إلى أن ذلك ينطلق من كون الأمر فعلاً يثير القلق والتخوف.
وأبرز بنعبد الله في كلمته خلال افتتاح الجامعة السنوية للحزب أمس السبت،أمس حول موضوع “السياسة أولاً.. لإنجاح المشروع الديموقراطي التنموي”، أنه منذ نهايات العقد الأول من هذه الألفية، وعوض الاستمرار في ذلك المنحى الإصلاحي، بدأت تظهرُ ملامحُ تَوَجُّهٍ يَدفعُ في اتجاه “التحرر” من ذاك التعاقُد السياسي المثمر.
وأضاف أن ذلك يأتي بمبرِّر أنَّ القوى الوطنية الديموقراطية ليست مؤهلَةً ولا قادرةً على مواجهة مدِّ الإسلام السياسي، ولا على دعمِ العُمق التحديثي والإصلاحي، لافتا إلى أنه في مفارقةٍ عجيبة، ظهرت وتصاعدت انحرافاتٌ في الحقل السياسي، تتنافى تماما مع المبررات التي استند إليها هذا الخطابُ الجديد آنذاك.
وأردف أنه رغم كل شيء، يتعينُ الإقرار الموضوعي بأنه لا يمكنُ أبداً مقارنةُ أوضاع الديموقراطية والحريات والحقوق في أيامنا هذه مع ما كانت عليه الأحوالُ في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مشيرا إلى أن الطموح هو تحقيق الأفضل للوطن والشعب، لا سيما وأنَّ بناءَ الديموقراطية هو مسار طويل وشاق ولا يَكتمل بطبيعته؛
وتابع أن انكماش السياسة وأزمة الديموقراطية التمثيلية ظاهرةٌ عالمية، وربما بدرجاتٍ أخطر، وهو ما يفسِّرُ صعودَ الحركات اليمينية المتطرفة والشعبوية، بما في ذلك في بلدان عُظمى، وهو طبعا مسار لا نتصوره ممكنا لبلادِنا التي نطمحُ إلى أن تكون ريادية على كافة المستويات.
وأشار إلى أن التوجه المضر بالفضاء السياسي والبناء الديموقراطي، أفضى باعتباره عاملاً رئيسيا، إلى بروز ثلاثة تجلِّيات على درجةٍ كبيرة من الخطورة على بلادنا، أولها التراجع غير المسبوق لمنسوب ثقة المواطنين عموما، والشباب خصوصا في الفضاء السياسي، في الفاعل الحزبي، في الجدوى من العملية السياسية والانتخابية، بما يمكِن أن نسميه اليوم “مخاصمة حقيقية بين معظم المغاربة وبين الشأن العام”، مع الاستثناءاتُ التي تؤكِّدُ القاعدة.
وأضاف أن المؤشر الثاني هو كون المؤسسات السياسية عموماً، المنتخبة وغير المنتخبة، لم تعد تضطلع بأدوارها كما يجب وكما ينص على ذلك الدستور، وهي اليوم ليست معزَّزة كما ينبغي بأفضل وأكفأ وأنزه ما يُوجَدُ في المجتمع من طاقات، مع استثناءاتٍ طبعاً.
وأوضح أن التجلي الثالث هو أننا أمام وضعية فراغٍ سياسي خطير، لا يمكن أن تملأهُ سوى تعبيراتٌ عفوية، أو متطرفة، أو غير مؤطَّرة، رافضة تقريباً لكل شيء.
وذكر أنه أمام هذا الوضع المركّب، فإنه من المستعجل والمُلِحّ أن تضَعَ القوى السياسية أهدافا مشتركة لا تَقبَلُ الخلاف ولا الاختلاف؛ من أجل بعثِ الروح في قيمة ومكانة السياسة، وفي نُبْلِ أدوارها، وفي قدرتها على أن تُشَكِّلَ المدخلَ المؤثِّر والعِمادَ الأساس لأيِّ مشروعٍ إصلاحي.
وأشار إلى أن ذلك سيتم من خلال بلورة كافة المقتضيات الدستورية، ومنها السعيُ التدريجيُّ والمُستنير نحو نظامِ مَلكية برلمانية كما حدَّدها الدستور، تَكون فيه أدوار أساسية للمؤسسة المَلَكية، طِــبقاً لهذا الدستور، في إطار فصل السلط.
واستطرد أن الأمر يرتبط بتقوية مكانة الحكومة المنبثقة عن صناديق الاقتراع والمجَسِّدَة فعلاً للإرادة الشعبية، حكومة تضطلع بالسلطة التنفيذية، كما ينص على ذلك الدستور، حكومة بصلاحيات فعلية تُبلورها على أرض الواقع وتُساءَلُ عليها طبقاً لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وأبرز أنه سيتحقق من خلال برلمان يتشكل من أحسن الكفاءات السياسية الوطنية، ويمارِسُ، فعليا وبشكلٍ كامل، اختصاصاته في التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية؛ ومن خلال لامركزية فعلية ومؤسسات ترابية منتخبة لها وزنُها وصلاحياتها وإمكانياتُها، ومتحررة من التقييدات، في إطار تقديمِ الحساب ومحاربة كافة أشكال الممارسات الفاسدة.
وشدد على أن الأمر يتعلق أيضا بوجود مجتمع مدني حيّ وقوي وفاعل ومُبادِر، يسترجع وظائفه المجتمعية، الترافعية والاقتراحية والتأطيرية؛ ومن خلال إعلامٍ حرّ ومستقل، تبرز فيه المقارباتُ التحليلية والنقدية، الجادة والبناءة والعميقة؛ وكذلك من خلال إعطاءِ دفعةٍ قوية للحريات الفردية والجماعية، وللمقاربات الحقوقية، بالمعنى الشامل وغير القابل للتجزيء للحقوق، بجميع أصنافها وأجيالها.
ولفت إلى أنه من خلال ما ذكر يمكن أن نعطي لبلادِنا ذلك النَفَس الديموقراطي والحقوقي الذي هي في أمسِّ الحاجة إليه، وأن نُعيد التَّوَهُّجَ للسياسة، ونُصالحَ الناس مع الفضاء الحزبي والمؤسساتي؛ وأن نسترجع المصداقية لتدبير الشأن العام، ونَضمنَ تحريَر طاقات المجتمع، واستعادةَ ثقةِ الشباب، ونوَفر شروطَ مشاركة وانخراط الجميع في بناء المشروع الوطني التنموي والديموقراطي.
واعتبر أنه بهذه الروح والتعبئة والطموح، يمكن أن نستعد لاستحقاق 2030، بشموخٍ واعتزاز، ليس فقط بالبنيات التحتية وبالانتصارات الرياضية المرجوة، ولكن أساسا بمغربٍ يُبرز للعالم أنه يسير بخطى حثيثة نحو الديموقراطية والرقي الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.