يشير تاريخ 7 أكتوبر في المغرب إلى اليوم الذي تم فيه تنصيب حكومة عزيز أخنوش، وذلك قبل سنة تقريبا من الآن، ليتم بعده في 13 من الشهر ذاته التصويت على البرنامج الحكومي بالبرلمان، والذي تضمن مجموعة من الوعود وعلى رأسها الالتزامات العشر، التي تتمحور حول تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية، ومواكبة تحول الاقتصاد الوطني بما في ذلك خلق مليون فرصة شغل خلال 5 سنوات، وتكريس الحكامة من أجل خدمة المواطن وخلق إدارة فعالة.
وتختلف الآراء والانطباعات حول عمل وحصيلة الحكومة خلال أول سنة لها من ولايتها التي ستدوم لخمس سنوات، إذ يرى البعض أنها قامت بالوفاء لحد كبير بالالتزامات التي قطعتها للناخبين خلال الحملات الانتخابية لأحزابها الثلاث المشكلة لائتلافها، مشيرة وجهة النظر هذه إلى الظرفية الاستثنائية والصعبة التي عرفتها البلاد خلال المرحلة الماضية من جفاف ومخلفات للحرب بين روسيا وأوكرانيا التي أثرت على العالم بأسره، بينما طرف ثاني يعتبر أن الحكومة رفعت سقف الوعود بالرغم من علمها المسبق باستحالة تحقيق ما وعدت به، وأنها فشلت في معالجة مجموعة من الإشكالات، والتي يبقى أبرزها أزمة ارتفاع أسعار المواد الأساسية.
الرؤية الحكومية لحصيلتها خلال سنتها الأولى
وفي جواب له عن الحصيلة الحكومية خلال سنتها الأولى، قال مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، في وقت سابق خلال الندوة الصحفية الأسبوعية للحكومة، إن هذه الأخيرة في بداية عملها اشتغلت وفق برنامجها الذي حدد الأولويات، لكن سياق الفترة السابقة كان مختلفا، والذي يرتبط بانعكاسات فيروس “كورونا” وأزمة الأمطار، إضافة إلى التداعيات على مستوى الدولي كالحرب بين موسكو وكييف التي كان لها تأثير وضغط على الاقتصاد الوطني.
وأشار بايتاس إلى أن الحكومة خلال المرحلة السابقة كانت تعمل على وضع وتنزيل ورش الحماية الاجتماعية لارتباطه بأجندة ملكية واضحة، مشيرا إلى أن الحكومة كانت ملزمة بتنزيل شق هذا الورش المتعلق بالتغطية الصحية قبل متم سنة 2022، لتبدأ في السنة المقبلة العمل على جانب التعويض على الأبناء، وفي المستوى الثاني على التقاعد والتعويض على الشغل، مبرزا أن الحكومة قامت بعمل جبار في هذا الإطار ووفرت له كل الإمكانيات.
وأوضح الناطق الرسمي باسم الحكومة أنه خلال السنة الأولى من الولاية الحكومية تم الاشتغال مع النقابات المركزية والتجاوب مع مطالبهم، والابتعاد عن التسويف أو إرجاء هذا الملف للسنوات القادمة، بحجة أزمات المياه والأسعار وغيرها، مشيرا في ذلك إلى أن اتفاق 30 أبريل الماضي الذي تم الاتفاق فيه على مجموعة من الإجراءات والخطوات التي تخدم الطبقة الشغيلة، إضاقة للتأسيس لمأسسة الحوار الاجتماعي عبر مجموعة من اللجان المحلية والجهوية والوطنية، مع الأخذ بعين الاعتبار كل العناصر التي تثيرها النقابات بشأن قانون المالية للسنة المقبلة.
نظرة المعارضة للعمل الحكومي
أظهرت أحزاب المعارضة داخل قبتي البرلمان في أكثر من مناسبة عن عدم رضاها على العمل الحكومي، مبرزة أن الحكومة لم تنجح في تنزيل ما وعدت به عند تنصيبها، ولم تتمكن من معالجة الأزمات المطروحة التي تهم مختلف المجالات خلال الفترة الماضية، وأنها عجزت على تنفيذ ما سطرته من التزامات وعهود للمواطنين، وذلك حسب ما ذكره عديد من المنتسبين لهاته الأحزاب سواءً بمجلسي النواب والمستشارين أو عبر تصريحات صحافية متفرقة.
وفي هذا الصدد، يرى عزوز صنهاجي، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن السنة التشريعية الأولى من عمر هذا الانتداب اتسم بمظاهر غلاء وتدهور القدرة الشرائية للمغاربة، خصوصا الطبقات الفقيرة وذات الدخل المحدودة والمتوسطة، إلى جانب الصعوبات التي واجهت المقاولات الوطنية، وتحديدا الصغيرة والمتوسطة منها، وهو ما أفضى إلى إفلاس آلاف المقاولات وتسريح آلاف العاملات والعمال، مشيرا إلى أن هذه الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية جاءت في إطار مجموعة من التقلبات الدولية الضاغطة والعميقة على المغرب، إلى جانب اجترار تداعيات جائحة “كوفيد-19”.
وأكد صنهاجي أن الظروف الصعبة التي عرفها المغرب والخارجة عن إرادته خلال الفترة السابقة، هي التي تبرز وتبرهن الحاجة لحكومة سياسية وقوية، مشيرة إلى أن الحكومة الحالية أعلنت عن شعارات رنانة وكبيرة وسقف من الوعود والالتزامات الكبيرة، ما خلق انتظارات واسعة لدى المواطنين، والتي كانت ولابد وأن تفعل من خلال الإجراءات والقرارات الملموسة وغير المعزولة في إطار خطة شاملة، عوض أن يقتصر الأمر على مجرد كلام إنشائي، وذلك مثلما فعلت العديد من الحكومات بدول أخرى التي صاغت مخططات شاملة تتضمن قرارات كان لها وضع ملموس على شعوبها، وهو ما كان منتظرا أيضا من حكومتنا حتى تكون عند هذا المستوى من التحديات الكبرى التي واجهت بلادنا.
وأضاف المتحدث ذاته، أن الحكومة لم تبلور مخططا شاملا لمواجهة والتخفيف من وطأة الغلاء وتدهور القدرة الشرائية لدى المغاربة، واكتفت ببعض الإجراءات المعزولة والمجزأة من قبيل دعم أرباب النقل، وهو إجراء فيه كثير مما يقال، وكذلك أمر التشغيل الذي ينتظر عبره أن يتم إحداث مناصب شغل قارة توفر الحياة الكريمة للمواطنين، على عكس ما جاءت به الحكومة من تكريس للتشغيل الناقص والهشاشة الاجتماعية والخصاص الاجتماعي، معتبرا أن فرص العمل لمدة 6 أشهر أو سنة والعودة بعدها للبطالة مرة أخرى مجرد حل ترقيعي غير نافع، وهو ما يثير كثير من الإحباط المجتمعي، مشددا على أن الحكومة “صماء”، كونها لم تسمع للأصوات المعبر عنها في المجتمع، ومنها أصوات أحزاب المعارضة البرلمانية المؤسساتية.
وتابع صنهاجي القول أن حزبهم (حزب التقدم والاشتراكية) تقدم في هذا الإطار بمجموعات من الاقتراحات الملموسة، مثلا ما يتعلق بأسعار المحروقات حيث تم اقتراح إعادة تشغيل مصفاة “لاسامير”، كما اقترح فريق “الكتاب” بمجلس النواب إنشاء مصفاة جديدة أو عدة محطات لتكرير البترول تفاديا لاستيراد مواد طاقية صافية بدون تكرير، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع إضافي في الفاتورة الطاقية، إضافة لمطالبة الحكومة بالتوجه نحو هوامش ربح شركات توزيع المحروقات، وإلزامها بتخفيض هاته الهوامش الخيالية للربح، والتخفيض من مختلف الضرائب كالضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الاستهلاك الداخلي بالنسبة للمحروقات، وهو ما رفضته الحكومة التي استفادت من هذه الزيادات نتيجة المداخيل الضريبية المتأتية من هذه المواد، ولم تقم بتخصيص جزء منها لدعم الأسر والمقاولات المتضررة من هذا الغلاء.
وأبرز عضو “الكتاب” أن الحكومة عجزت عن معالجة ومواجهة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية القائمة، إلى جانب عدم قدرتها على بلورت أي قرارات أو إجراءات للمساهمة في توطيد البناء الديمقراطي والحريات والمساواة، وبالتالي فالحصيلة الحكومية خلال سنتها الأولى من عملها يبقى محبطا ومخيبا للآمال، كون أن الحكومة تركت المواطن المغربي وحيدا في مواجهة هاته الأوضاع الصعبة والعصيبة، متمنيا إدراك وإصلاح هذه الأمور فيما تبقى من زمن هذه الولاية الحكومية.
الحكومة واجهت ظرفية استثنائية وعليها تعديل بعض الأمور
واعتبر محمد شقير، المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية، أن حكومة أخنوش منذ توليها مقاليد السلطة واجهت ظرفية اقتصادية ودولية صعبة، مثلما هو الشأن بالنسبة لتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية التي أثرت في الأسعار، ونقص المياه وتراجع حقينة السدود، الذي خلف أثارا سلبيا على الإنتاج الوطني من الغذاء باعتبار أن المغرب بلد فلاحي، وفي مقابل ذلك قامت الحكومة باتخاذ مجموعة من الإجراءات من أجل مواجهة التحديات التي فرضها هذا السياق المتقلب على الصعيد العالمي، وخصوصا فيما يخص أسعار المحروقات، بعد أن قدمت دعما لمهنيي النقل تجنبا لحدوث أزمة في هذا القطاع الحيوي.
واستطرد شقير قائلا إن الحكومة واصلت في الوقت ذاته مواجهة تداعيات جائحة “كورونا” من خلال اتخاذ مجموعة من الخطوات الهادفة لإنعاش الاقتصاد الوطني، كإطلاق برامج كـ “فرصة” و”أوراش”، إضافة لمباشرتها للحوار الاجتماعي مع النقابات المركزية، والاتفاق على مجموعة من الإجراءات التي تهم الطبقة الشغيلة، المرتبطة بالترقية والرفع من الأجر الأساسي، والتي طرحت الحكومة مؤخرا المراسيم الحكومية المرتبطة بتفعيلها، بالإضافة إلى مواصلة النقاش من أجل إخراج النظام الأساسي لأطر وأساتذة التعليم وخصوصا قطاع التعليم العالي لحيز الوجود، وكذلك قيامها بتجسيد وتفعيل المشروع الملكي الخاص بالحماية الاجتماعية من خلال إخراج المراسيم المتعلقة به، والتي تم المصادقة على أكثر من 14 مرسوما منها حتى الآن، بهدف إدماج فئات مختلفة لم تكن تتوفر على التغطية الاجتماعية.
وفيما يخص مدى قدرة الحكومة على الوفاء بجميع التزاماتها، يرى أستاذ العلوم السياسية أنه يصعب خلال السنة التشريعية الأولى على الحكومة القيام بجميع ما وعدت به مسبقا، موضحا أن هناك إشارات إيجابية بشأن التزام الحكومة بالبرنامج الذي وضعته، وإن كان يتطلب ذلك إمكانيات كبيرة خاصة على المستوى المالي، لكن في ظل ذلك يطرح سؤال بارزًا، ألا وهو من أين ستأتي الحكومة بتمويل المشاريع التي ستطرحها في هذا السياق؟ مبرزا أيضا وجود خطوات حكومية ملموسة بخصوص تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، متسائلا في الوقت ذاته، عن إمكانية إنعاش الحكومة للاقتصاد وعن تسهيلها لتطبيق قانون الاستثمار الجديد؟
ولفت المحلل السياسي إلى وجود تحدي كبير أمام الحكومة ألا وهو التعامل مع الجالية المغربية بالخارج، وهو الورش الذي خصص له الملك محمد السادس حيزا مهما في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب، مشيرا إلى أن للحكومة الإمكانيات والوسائل الكافية لتفعيل وإنجاح هذا المشروع، موضحا أنه لما سبق تضاف تحديات داخلية وخارجية أخرى جد صعبة وغير واضحة المعالم، وأنه بالتالي ستجد الحكومة نفسها مضطرة لتسريع وثيرة العمل وإعادة النظر في بعض الأسس التي بنت عليها برنامجها، كونها تختلف بشكل كبير على الأسس المطروحة حاليا، كارتفاع أسعار البترول وغيرها من التغيرات والتقلبات التي يعرفها العالم، والتي لها تأثير مباشر على المشهد الوطني، وأنه لذلك يجب على الحكومة الإسراع في وضع إجراءات ملموسة لمواجهة الإشكالات المطروحة للحد من ارتفاع الأسعار وإعادة التوزان للقدرة الشرائية لدى المواطنين، وهو ما سيظهر لا محالة في مشروع قانون المالية لسنة 2023.
وشدد شقير على أن الحكومة مطالبة في الفترة الحالية بالعمل على معالجة أزمة ارتفاع الأسعار، ودعم القدرة الشرائية للمواطنين التي تضررت كثيرا جراء التضخم الحاصل في أثمنة المواد الأساسية، من خلال تقليصها من قيمة الضرائب والزيادة في الأجور، بالإضافة لدعم بعض المنتجات الاستهلاكية، في إطار يسمح بتجاوز هذه الظرفية الصعبة بأفضل كيفية وبشكل يمكن من حماية البلد من الانعكاسات الطارئة التي يعرفها العالم، إلى جانب اشتغالها على تسريع وتنزيل مجموعة من الأوراش الهامة التي تضمنها البرنامج الحكومي، إلى جانب الحاجة لتغيير الوجوه الحكومية التي لم تنجح في تدبير عدد من الشؤون الموكولة لها، أو إضافة عدد من كتاب الدولة للمساهمة في تحقيق النجاعة والفعالية بالمشاريع الحكومية.