بعد أزيد من عام من وقوع زلزال الحوز المدمر، لا يزال الكثير من المتضررين يواجهون صعوبات في الحصول على رخص البناء لإعادة تشييد منازلهم، مما يفاقم معاناتهم وسط ظروف مناخية قاسية وتحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة.
ورغم الجهود المبذولة لتسريع عمليات إعادة الإعمار، إلا أن وتيرة منح الرخص تبقى محل تساؤل من قبل الساكنة، خاصة في ظل تعقيدات إدارية تؤخر انطلاق الأشغال في بعض المناطق.
وفي الوقت الذي أكدت فيه السلطات التزامها بدعم الأسر المتضررة وتمكينها من العودة إلى مساكن لائقة، يشير المتضررين غير المستفيدين إلى وجود عراقيل مرتبطة بالإجراءات التقنية والمساطر المعتمدة، مما يزيد من حالة الترقب وسط الأسر التي فقدت مساكنها.
التعليم والصحة بعد زلزال الحوز.. وعود حكومية متعثرة ومعاناة مستمرة للمتضررين
ويتزامن هذا التأخير مع تحديات أخرى، أبرزها نقص المرافق الأساسية وصعوبة التكيف مع الأوضاع الراهنة، ما يطرح تساؤلات حول نجاعة التدابير المتخذة ومدى استجابتها لحجم الأضرار التي خلفها الزلزال.
♦الأوضاع لا تزال مأساوية رغم الوعود الرسمية
يعتبر محمد رشيد الشريعي، رئيس الجمعة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، استمرار معاناة المتضررين، الذين لا يزال العديد منهم يعيشون في خيام مؤقتة إلى حدود اليوم، (يعتبر) مؤشرًا على غياب رؤية حكومية ناجعة لمعالجة الأزمة.
وأكد الشريعي في تصريح لجريدة “شفاف”، أن الوضع الإنساني في المناطق المتضررة لا يزال كارثيًا، رغم كل التصريحات الحكومية التي تتحدث عن تدخلات وإجراءات لمعالجة الأزمة.
وقال في هذا الصدد: “ما زالت مئات العائلات تعيش في الخيام في ظل ظروف قاسية، وسط برد الشتاء وحر الصيف، دون أي ضمانات واضحة بشأن إعادة إسكانها في مساكن لائقة، حيث كان من المتوقع أن تسير عمليات إعادة الإعمار بوتيرة أسرع، لكن الواقع يظهر أن هناك تباطؤًا كبيرًا ينعكس سلبًا على السكان.”
وأضاف الناشط الحقوقي، أن التأخر في توفير السكن اللائق لمتضرري الزلزال يطرح تساؤلات حول مصير الأموال التي تم تخصيصها لهذا الغرض وتبرعات المواطنين، مشيرًا إلى أن الاستفادة كانت محدودة ولم تشمل جميع الفئات المتضررة.
وتابع المتحدث قائلا: رصدت ميزانيات ضخمة لإعادة الإعمار، ومع ذلك، لم نشهد تحولًا ملموسًا في أوضاع المتضررين. مبينا أن القليل من المتضررين هم من تمكنوا من الاستفادة، بينما لا تزال الأغلبية تعاني، مما يضع علامات استفهام حول كيفية توزيع الموارد ومدى التزام الجهات المعنية بتنفيذ التزاماتها.
♦إشكاليات في الشفافية وتوزيع الدعم
بخصوص مدى احترام معايير الشفافية والإنصاف في توزيع المساعدات وإعادة الإعمار، أوضح الشريعي أن هناك اختلالات واضحة لا يمكن إنكارها.
وأضاف قائلا: “لا يمكننا التستر على الحقيقة؛ هناك تفاوتات كبيرة في عملية توزيع المساعدات، وهو ما دفع العديد من السكان إلى الاحتجاج والمطالبة بحقوقهم، إضافة إلى تسريع وتيرة البناء وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه كان يجب أن يكون أولوية قصوى، لكن للأسف، لم يحدث ذلك.”
وأشار الناشط الحقوقي إلى أن غياب استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار انعكس بشكل مباشر على مختلف الجوانب الحياتية للمتضررين، بما في ذلك قطاع التعليم، حيث تعاني العديد من الأسر من عدم توفر بنية تحتية مناسبة لمواصلة دراسة أبنائها.
ولفت إلى أن الحق في التعليم تأثر بشكل كبير نتيجة هذه الأزمة، حيث هناك أطفال اضطروا لترك مقاعد الدراسة بسبب غياب المدارس المؤهلة أو بُعدها عن أماكن إقامتهم المؤقتة. مبرزا أن هذه مشكلة لا يمكن التغاضي عنها، لأنها تكرس الهشاشة وتؤثر على مستقبل هؤلاء الأطفال.
إعلان زلزال الحوز واقعة كارثية.. ماذا يعني ذلك وماهي الآثار القانونية للقرار؟
♦تناقض بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني
انتقد الشريعي التناقض بين التصريحات الرسمية والواقع الفعلي، مؤكدًا أن الحكومة تتحدث عن جهود كبيرة في إعادة الإعمار، بينما الواقع يشير إلى بطء شديد في تنفيذ المشاريع.
وتابع المتحدث: سمعنا من الحكومة عن خطط وإجراءات فعلية قامت بها لمتضرري الزلزال، ولكن عند الذهاب إلى الميدان نجد أن الأمور لم تتغير كثيرًا. مشددا على أنه كان من الضروري أن تكون هناك استجابة أسرع وأكثر فاعلية، خاصة أن هذا يتعلق بحقوق أساسية للمواطنين.
وأضاف متسائلًا: كيف يمكن لدولة تستعد لاستضافة أحداث كبرى مثل كأس العالم أن تترك جزءًا من مواطنيها في العراء؟، مستغربا حديث الحكومة عن التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما هناك عائلات ما زالت تكافح يوميًا للحصول على الحد الأدنى من ظروف العيش الكريم.
فقد ابنه الوحيد ووالده وشقيقته .. بالدموع ناجٍ من زلزال الحوز يروي تفاصيل مؤثرة
♦ضرورة تقييم شامل ومحاسبة المسؤولين
دعا الشريعي إلى إجراء تقييم رسمي للأخطاء التي شابت إدارة الأزمة، مؤكدًا أن هذا أمر ضروري لضمان عدم تكرار نفس الإخفاقات في المستقبل.
ويرى الشريعي أن ما حدث في الحوز يكشف فشلًا في التدبير، وغياب رؤية استباقية لمواجهة الكوارث الطبيعية، مبينا أن هذا لا يتعلق فقط بإعادة الإعمار، بل يتعلق أيضًا بتوفير حلول مستدامة تضمن عدم تكرار هذه الأوضاع في المستقبل. ومشددا على أن هذه الأمور لا يمكن تركها دون محاسبة، خصوصا أن حياة آلاف المواطنين تأثرت بشكل مباشر.
وشدد الناشط الحقوقي على أن هذا التقييم يجب أن يكون شفافًا ومستقلًا، يشمل جميع الجوانب المرتبطة بالأزمة، من آليات توزيع المساعدات إلى مدى التزام الحكومة بوعودها. وموضحا أنه بدون محاسبة حقيقية، ستظل الأخطاء تتكرر، وسيظل المواطن هو المتضرر الأول والأخير.
فقد 6 من أفراد أسرته في زلزال الحوز.. عمي أمغار يروي لـ “شفاف” تفاصيل الفاجعة
♦الاحتجاج وحده لا يكفي
فيما يتعلق بالخطوات التي يمكن للمتضررين اتخاذها لاسترجاع حقوقهم، أوضح الشريعي أن الاحتجاج وحده قد لا يكون كافيًا، وأنه من الضروري اللجوء إلى الوسائل القانونية والتنظيمية لفرض المطالب العادلة.
وأبان المتحدث أن الاحتجاج أداة مشروعة للضغط، لكنه ليس الحل الوحيد. حيث هناك حاجة ملحة إلى تحرك جماعي يشمل رفع دعاوى قانونية، وتنظيم حملات وطنية ودولية لإيصال صوت المتضررين إلى الرأي العام وإلى المنظمات الحقوقية.
كما أثار الشريعي أهمية إشراك المجتمع المدني في مراقبة عملية إعادة الإعمار وضمان تنفيذها وفقًا لمعايير شفافة وعادلة.
♦أزمة مستمرة
وجه الشريعي انتقادات واضحة للحكومة جراء الوضع الذي يعيشه متضررو زلزال الحوز، معتبرًا أن عدم وفائها بالتزاماتها تجاههم يعكس خللًا كبيرًا في تدبير الأزمات.
وأورد المتحدث أن ما نراه اليوم ليس مجرد أزمة إسكان، بل هو أزمة تدبير شامل. مشددا على أن الحكومة فشلت في إدارة هذا الملف، كما فشلت في معالجة قضايا أخرى مرتبطة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي. ومبينا أنه إذا استمر هذا النهج، فإن الأوضاع ستزداد تعقيدًا، وسيكون الثمن الأكبر من نصيب الفئات الهشة.
وخلص الشريعي على أنه في ضل ارتفاع الأسعار وتراجع الخدمات الصحية والتعليمية وانتشار الفقر ولم يكن هناك تغيير جذري في طريقة تدبير الأزمات، فإن البلاد نتجه نحو مرحلة أكثر صعوبة. مؤكدا على أن المغرب بحاجة إلى سياسات جادة تستجيب لاحتياجات المواطنين، وليس إلى مزيد من الوعود التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ.

