تزداد الترقبات حول الدول الممكن أن تنهج نفس خطوة فرنسا فيما يتعلق بقضية الوحدة الترابية للمغرب، ولاسيما من بلدان عظمى كبريطانيا وروسيا والصين، وذلك بعد توقيع الإعلان المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، الرامية إلى تمكين البلدين من رفع جميع التحديات التي تواجههما بشكل أفضل؛ عبر تعبئة جميع القطاعات المعنية بالتعاون الثنائي والإقليمي والدولي، وهو ما جاء بعد عودة العلاقات بين الرباط وباريس إلى سابق عهدها، عقب اعتراف صاحب القرار بقصر “الإليزيه” بمغربية الصحراء ودعم مبادرة الحكم الذاتي كحل نهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل؛ والتي تلتها زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرباط، وتجديده التأكيد على مواقف باريس بخصوص ملف الصحراء المغربية.
♦ المرشحون للسير على نهج فرنسا
يرى محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن مصالح الدول هي التي تحدد مستوى العلاقات بين البلدان ودرجة تطورها، وبالتالي فإن الإعلان الفرنسي عن الاعتراف بمغربية الصحراء ودعم مقترح الحكم الذاتي حقق مصالح ومكاسب للمغرب من هذه الخطوة وكذا ساهم في تعزيز الشراكات الاستراتيجية والتاريخية بين البلدين.
وأردف شقير أن في هذا الجانب يمكن لدول أخرى كبريطانيا القيام بنفس الخطوة، مبرزا أن الأمر يشكل بابا مفتوحا أمام الجهات الدولية التي تسعى لتعزيز تعاونها وشراكاتها مع المملكة المغربية في مختلف المجالات، وذلك شريطة إبداء رأي واضح وداعم للوحدة الترابية للمغرب، مشيرا إلى أن ذلك قد يأتي في ظل المنافسة الشرسة بين البلدان العظمى والقوى الكبرى على الاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة بالرباط.
وأبرز الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن المغرب أصبح وجهة استثمارية تحظى باهتمام دولي متزايد، نتيجة ما تتيحه من فرص كبيرة للاستثمار في مختلف أقاليمه وجهاته، لاسيما في ظل ما يتوفر عليه من مؤهلات وموارد طبيعية مهمة، خصوصا في الصحراء المغربية، مشيرا إلى أن ذلك سيتعزز عما قريب بالمبادرة الأطلسية ومشروع أنبوب الغاز الرابط بين الرباط والعاصمة النيجيرية أبوجا.
ولفت إلى أنه سواءً بريطانيا أو روسيا أو الصين سيفكرون جديا في تعزيز الشراكة مع المغرب للاستفادة من مكانته وتجربته، مشددا على أن الرباط أصبحت بوابة لإفريقيا، والتي لا يمكن الولوج لها اليوم من طرف كبرى دول العالم دون المرور عبر المملكة في هذا الأمر، استحضارًا للعلاقات الوطيدة للأخيرة مع باقي بلدان القارة الإفريقية، وبسبب إشرافها وقيادتها لعديد البرامج والمبادرات الاستراتيجية وأدوارها في ضمان وحفظ أمن وسلم عديد المناطق بها (إفريقيا).
وأضاف أن الفرص الاستثمارية التي سيخلقها احتضان المغرب لكأس العالم 2030 تعد حافزا للعديد الدول من أجل المضي قدما نحو التقارب مع الرباط أكثر، وهو ما لن يتأتى لعواصم كموسكو ولندن وبكين دون اتخاذ نفس خطوة باريس، المتمثلة في الإعلان الصريح عن الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، وتأييد ودعم مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الوحيد القادر على إنهاء هذا النزاع الإقليمي المفتعل.
♦ خطوات الدبلوماسية المغربية
يوضح محمد شقير أن المواقف المرتقب الإعلان عنها من قِبل الدول الكبرى بالعالم خلال المرحلة القادمة بخصوص القضية الوطنية، ستقوي لا محالة من موقف المغرب، وتساهم بالتالي في الطي النهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل حول قضية الصحراء المغربية.
واعتبر أن المملكة المغربية مطالبة بالتحرك دبلوماسيا تجاه الدول العظمى كبريطانيا وروسيا والصين وعدم الانتظار، مشيرا إلى أن المغرب في هذا الجانب يعتمد على المقاربة الاستباقية كأحد أبرز آلياته في التحرك الدبلوماسي خلال العقد الأخير.
وأوضح أن خطاب الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح البرلمان، ركز على ضرورة أن تساهم الدبلوماسية البرلمانية في التأثير إيجابا في ملف الصحراء المغربية بالنسبة للجهات والبلدان التي لا يزال لديها غموض أو عدم اتضاح في الرؤية بخصوص هذه القضية وكذا ما يتعلق بمبادرة المغرب للحكم الذاتي.
إحباط مناورة جديدة للجزائر داخل مجلس الأمن لتوسيع صلاحيات “المينورسو” بالصحراء.. ما القصة؟
ولفت إلى أن الخطاب الملكي شدد أيضا على أن المغرب انتقل من مرحلة التدبير إلى التغيير، موضحا أن ذلك يعني أن الدبلوماسية المغربية يجب أن تكون أكثر شراسة واستباقية للتأثير على الدول وإبراز كل المكاسب الممكن أن تحققها الرباط من أي خطوة يمكن اتخاذها في هذا الإطار.
وأكد الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، على أن مسألة كسب الرباط لمواقف مؤيدة لمقترحها الخاص بالحكم الذاتي كحل نهائي لقضية الصحراء لا وجود فيها للانتظار، بل يجب التوجه بقوة من طرف الدبلوماسية المغربية نحو الفعل والتفعيل والمبادرة والتأثير في هذا الجانب.
وتابع أن التحرك الدبلوماسي للرباط يجب أن يكون شموليا، ويهم جميع الدول التي لم تعلن بعد عن موقفها الواضح من القضية الوطنية، لافتا إلى أنه في خضم ذلك ستكون بلا شك أولويات، حيث أن لندن في هذه الحالة سيتم التركيز عليها بالأساس خلال الفترة القادمة.
وأبرز أن هذه الأولويات بالنسبة للمغرب لا تمنع من محاولة التأثير دبلوماسيا على باقي الدول الأخرى، وذلك من خلال ربط الاتصال بها وتحريك مختلف وسائل الدبلوماسية الموازية وغير الموازية لتحقيق الغايات المنشودة من طرف الدبلوماسية المغربية في هذا الجانب.
تقرير غوتيريش حول قضية الصحراء المغربية.. إلى أين يتجه ملف النزاع المفتعل؟
وأشار شقير إلى أن مبادرة الحكم الذاتي تبقى هي الأكثر واقعية، خصوصا أن السياسية قبل كل شيء هي فن الممكن والواقع الملموس، مشددا على أنه في هذا الإطار ترى كل الدول اليوم أن المغرب حقق خطوات لبسط سيادته ونفوذه على أقاليمه الجنوبية لمدة أكثر من 50 عاما سواء سياسيا أو عسكريا أو اقتصاديا.
وأردف أن الدول العظمى في العالم واعية حاليا أكثر من أي وقت مضى بأن المغرب هو صاحب السيادة على صحرائه، وعلى إلزامية التعامل معه وفق ذلك؛ بعد تحوله لقوة إقليمية وتوفره على الاستقرار السياسي، إضافة لموقعه الجيواستراتيجي الذي يحتله كبوابة العالم لولوج إفريقيا وكرابط بين هذه الأخيرة وأوروبا.
وشدد على أن العوامل السابق ذكرها، تدفع اليوم بجميع البلدان لمساندة مبادرة الحكم الذاتي، بعدما قام المغرب بوضع تفاصيلها وشرح كيفية تنزيلها وتفعيلها على أرض الواقع، مشيرا إلى أن هذه المبادرة تبقى هي الأكثر فعالية وواقعية.
واستطرد أن باقي المقترحات الأخرى كالانفصال تحاول جميع بلدان العالم تجنبها وتعبر عن رفضها لها، والتي تسببت في حروب مثلما وقع بين روسيا وأوكرانيا، أو في صراعات داخل البلد الواحد، كحالة إقليم كتالونيا مع إسبانيا، وبما فيها الجزائر التي ترفض استقلال منطقة القبائل عنها، والتي تحاول في الوقت نفسه تحريك ورقة انفصال المغرب عن صحرائه، بالرغم من أنها بدورها ترفض أن تتعرض للأمر ذاته.