في ظل النقاش المتصاعد حول إلغاء شعيرة ذبح أضحية العيد لهذا العام، تتزايد المخاوف بين المواطنين حول مصير لحوم الأغنام التي كانت مُعدة لهذه المناسبة الدينية، حيث انتشرت فيديوهات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لأشخاص يصفون أنفسهم بأنهم كسابة ومربي أغنام؛ يشيرون من خلالها إلى أن المواشي تحقن باللقاحات وتقدم لها الأدوية لضمان سلامتها قبل حلول عيد الأضحى، إذ في هذا الجانب يثير استهلاك هذه اللحوم قبل انقضاء المدة اللازمة لتخليص أجسامها من تلك المواد تساؤلات مثيرة للقلق.
♦ صحة القطيع وسلامة اللحوم
يشير الحسين قدير، الطبيب البيطري، والمنتدب الصحي للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، إلى أن استخدام الأدوية البيطرية، بما في ذلك المضادات الحيوية واللقاحات، يتم تحت إشراف الطبيب البيطري المختص، وفقًا لضوابط دقيقة تحدد الجرعات والفترة اللازمة لخروج هذه المواد من جسم الحيوان قبل الذبح.
وقال قدير في تصريح لجريدة “شفاف”، إن الخطر الحقيقي يكمن في استخدام هذه الأدوية دون استشارة بيطرية أو وصفة طبية، وهو ما قد يؤدي إلى بقاء آثارها في اللحوم عند استهلاكها، معبرا عن استغرابه من خروج أشخاص معينين بفيديوهات تحذر المستهلكين دون أن تكون لهم أي خبرة بهذا المجال.
غلاء اللحوم يُربك المغاربة بالتزامن مع اقتراب الشهر الفضيل.. هل تقف الحكومة مكتوفة الأيدي؟
وأوضح أنه فيما يتعلق بالمضادات الحيوية، فإن كل نوع منها يتطلب مدة محددة قبل أن يصبح الحيوان صالحًا للذبح، وهذه الفترة يتم توضيحها في الوصفة البيطرية، لافتا إلى أن أي استهلاك للحوم لم تخضع لهذه الضوابط قد يشكل خطرًا صحيًا على المستهلك، نظرًا لاحتمال تراكم بقايا تلك الأدوية في جسم الإنسان، مما قد يؤدي إلى مقاومة البكتيريا للعلاجات بالمضادات الحيوية مستقبلاً لدى مستهلكها.
وأبرز الطبيب البيطري أن ما سبق يعني أن الإنسان قد يصبح أقل استجابة للعلاج في حال أصيب بأمراض مثل الالتهاب الرئوي أو غيره، موضحا أن هذا الخطر ليس فوريًا، بل مرتبط بتراكم طويل الأمد، وهو أمر غير محتمل إذا احترمت الضوابط المعمول بها في المجال.
وأشار إلى أنه بالنسبة للقاحات مثل تلك التي يقدمها المكتب الوطني للسلامة الصحية ضد الحمى القلاعية واللسان الأزرق (Orbivirus)، فهي لا تشكل خطرًا على صحة المستهلك، نظرًا لعدم ارتباطها بفترة الأمان الدوائي التي تفرضها بعض الأدوية البيطرية الأخرى.
♦ الإجراءات الصحية المتبعة
يشير الحسين قدير إلى أن التحذيرات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تدعو المواطنين إلى الامتناع عن استهلاك لحوم المواشي التي كانت معدة لعيد الأضحى خلال هذا الوقت، بحجة تلقيها كميات كبيرة من الأدوية؛ غالبًا ما تكون صادرة عن أشخاص غير مختصين، ويفتقرون إلى المعرفة العلمية الصحيحة، بل إن بعضهم ينتحل صفة الأطباء البيطريين، وهو أمر يعاقب عليه القانون.
وأوضح أنه عمليًا من غير المنطقي أن يقوم مربّو الماشية بإعطاء مواشيهم كميات كبيرة من الأدوية دون ضرورة طبية، وذلك لعدة أسباب؛ أبرزها التكلفة المرتفعة لهذه الأدوية، وضعف القدرة الشرائية للكسّابة.
القرار الملكي بعدم ذبح أضحية عيد الأضحى.. هل تسهم الخطوة في إعادة بناء القطيع الوطني؟
وشدد المنتدب الصحي للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، على أن ذبح المواشي في مختلف المجازر المعتمدة بالمغرب يخضع عادة لرقابة بيطرية تضمن خلو اللحوم من أي مخلفات دوائية غير مرغوب فيها.
وأردف أن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية يقوم بدوريات منتظمة في المجازر، يتم خلالها أخذ عينات من اللحوم وإخضاعها لفحوصات مخبرية للتأكد من خلوها من بقايا الأدوية البيطرية والمضادات الحيوية.
ولفت الطبيب البيطري إلى أن هذه المراقبة الدورية تضمن أن اللحوم المطروحة في الأسواق عبر مختلف ربوع المملكة تتوافق مع المعايير الصحية المعتمدة، مما يحمي صحة المستهلكين.
وتابع أن ما يروج بأن إلغاء ذبح الأضاحي هذا العام سيؤدي إلى تغيير ممارسات المربين فيما يتعلق باستخدام الأدوية واللقاحات غير صحيح، فالواقع أن تربية المواشي عملية مستمرة، والاستخدام البيطري للأدوية واللقاحات يتم وفق احتياجات صحية محددة، وليس بناءً على مناسبة معينة مثل عيد الأضحى.
وأكد على أن الكسّابة لا يلجؤون إلى استخدام الأدوية بشكل عشوائي أو غير ضروري، خاصة أن تكلفتها مرتفعة، مما يجعل من غير المنطقي أن يتم إنفاقها دون داعٍ، موضحا أن الوضع الحالي لن يؤثر بشكل كبير على استراتيجيات العناية بالماشية، بل سيستمر المربّون في اتباع الممارسات البيطرية المعتادة وفق توجيهات الأطباء البيطريين.
♦ نصائح للمستهلكين
يبرز الحسين قدير أنه مع زيادة الإقبال على استهلاك اللحوم خلال شهر رمضان، من الضروري أن يكون المستهلك واعيًا بأهمية شراء اللحوم من مصادر موثوقة، مثل المجازر المرخصة، حيث تخضع هذه اللحوم للرقابة البيطرية.
ونصح المنتدب الصحي للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، المستهلكين بتجنب شراء اللحوم من الأسواق العشوائية أو من مصادر غير معروفة، إذ إن الذبح السري لا يضمن خضوع الذبائح للفحص البيطري اللازم.
وشدد على أن المصدر الرسمي للمعلومات هو الجهات المختصة مثل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، وليس مواقع التواصل الاجتماعي التي قد تروج لمعلومات غير دقيقة وتثير الهلع بين المواطنين.

