أثار ارتفاع أسعار فنجان القهوة في عدد من المقاهي بالبلاد خلال الأيام الأخيرة جدلاً واسعاً وتساؤلات متزايدة حول الأسباب الحقيقية وراء هذه الزيادات، التي تراوحت قيمتها حسب ما تم تداوله بين درهمين وأربعة دراهم.
ويأتي هذا الجدل في سياق اقتصادي يتسم بارتفاع أسعار عدد من المواد الأساسية، ما زاد من قلق المستهلكين بشأن تأثير هذه الزيادات على قدرتهم الشرائية.
وفي غياب توضيحات رسمية دقيقة، تباينت الآراء بشأن ما إذا كانت هذه الزيادات مبررة نتيجة ارتفاع أسعار البن في السوق الدولية، أم أنها تعكس اختلالات داخلية في منظومة التوريد والتسعير.
كما أعاد هذا الوضع طرح إشكالية غياب آليات مراقبة فعالة لضبط أسعار المشروبات الأكثر استهلاكًا داخل الفضاءات العمومية.
♦نفي الزيادة
نفى نور الدين الحراق، رئيس الجامعة الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب، أن تكون هناك زيادات شاملة أو ممنهجة في أسعار القهوة بمقاهي المملكة.
وأكد الحراق في تصريح لجريدة “شفاف” أن ما يروج له في بعض المنابر الإعلامية حول ارتفاع أسعار فنجان القهوة بدرهمين إلى أربعة دراهم لا يعكس حقيقة السوق، مبينا على أن الجامعة رصدت حالات نادرة فقط سجلت فيها زيادات، معتبراً أن هذه الزيادات لا يمكن تعميمها أو اتخاذها مؤشراً على توجّه عام.
وأوضح المهني أن الجامعة قامت بتتبع ميداني دقيق للأسعار من خلال فروعها الجهوية المنتشرة في مختلف المدن، ولم يتم تسجيل أي زيادة في أسعار القهوة في أغلب المناطق، باستثناء بعض الحالات المحدودة في العاصمة الرباط.
وشدد المتحدث على أن الزيادة في الأسعار، إن وُجدت، تبقى محصورة في حالات معزولة لا تعبّر عن التوجه العام للسوق الوطنية، بل تعكس اختيارات فردية لبعض المهنيين قد تكون مرتبطة بعوامل محلية ظرفية.
♦ضغوطات القطاع
وأشار رئيس الجامعة إلى أن ما يشهده قطاع المقاهي من ارتباك ناتج بالأساس عن ارتفاع أسعار البن في السوق الدولية، وهو ما خلق حالة من الترقب داخل أوساط المهنيين الذين وجدوا أنفسهم أمام تكاليف متزايدة دون رؤية واضحة لكيفية مواجهتها.
وبيّن الحراق أن شركات التوريد أقرت بالفعل بزيادات تتراوح بين 20 و25 في المائة في أسعار البن الخام، وهو ما ألقى بظلاله على الوضع المالي لأرباب المقاهي، الذين يتحملون أيضاً عبئاً متزايداً ناتجاً عن ارتفاع أثمنة المواد الأساسية والأولية، والكراء، وفواتير الماء والكهرباء، وأجور المستخدمين، فضلاً عن الضرائب والرسوم الجماعية.
وتابع الحراق موضحاً أن المهنيين، رغم هذه الضغوطات، لم يلجؤوا إلى رفع الأسعار بشكل مباشر، إدراكاً منهم لحساسية المرحلة وحرصاً على عدم المساس بالقدرة الشرائية للمواطن، الذي يعاني بدوره من تداعيات الارتفاعات المتتالية في أسعار عدد من المواد الأساسية.
وأضاف المهني أن الزيادة بدرهم أو درهمين في ثمن فنجان القهوة، حتى وإن تمت، لن تكون حلاً ناجعاً للأزمة التي يتخبط فيها القطاع، مؤكداً أن الجامعة لا ترى في الزيادة خياراً مناسباً في الظرفية الحالية، بل تعتبر أن هناك حاجة ملحّة إلى تدخل مؤسسات الدولة لإعادة التوازن للسوق.
♦مطالب الجامعة
وفي هذا الصدد، كشف الحراق أن الجامعة بادرت إلى توجيه مراسلات إلى مجلس المنافسة ورئاسة الحكومة ووزارات الصناعة والتجارة والاقتصاد والمالية، مطالبة فيها بالتدخل العاجل لوقف الارتفاع غير المبرر في أسعار البن داخل السوق المغربية.
وقال المتحدث إن المنظمة الدولية للقهوة سجلت ارتفاعاً بنسبة 16.4 في المائة خلال سنة 2024 وبداية سنة 2025، بينما بلغت الزيادة في السوق المغربية حوالي 150 في المائة، وهو فارق كبير وغير مفهوم يستدعي توضيحات من الجهات المسؤولة والموردين على حد سواء.
ولفت إلى أن الجامعة ستراسل، ابتداءً من الأسبوع الجاري، كافة الشركات التي قامت برفع أسعار البن، من أجل مطالبتها بتفسير الأسباب التي دفعتها إلى هذه الزيادات الكبيرة، رغم أن السوق الدولية لم تسجل سوى ارتفاع محدود نسبياً.
وأكد على أن الجامعة ستوجه مراسلة إلى مجلس المنافسة من أجل الاطلاع على مضمون الرسائل التي سبق له أن وجّهها إلى الشركات المستوردة، والتي لم يتم الكشف عن تفاصيلها إلى حدود اليوم.
♦حلول ومقترحات
لمّح الحراق إلى أن الجامعة تدرس خيارات جديدة تهم مستقبل التزود بالبن في المغرب، من بينها إمكانية إنشاء تعاونيات مهنية محلية أو وطنية تتولى استيراد البن وتحويله، تحت إشراف الدولة، بما يسمح بضبط الأسعار وتوفير المادة الأساسية بجودة وأسعار مناسبة، وذلك على غرار ما يتم العمل به في قطاعات أخرى خاضعة للمراقبة العمومية.
وأوضح أن قطاع المقاهي والمطاعم بالمغرب لم يعد يحتمل مزيداً من الأعباء، وأن الوضع الحالي يهدد استمرارية عدد كبير من المقاولات الصغيرة التي تمثل النسبة الأكبر من المهنيين، مشيراً إلى أن المهنيين لا يسعون إلى افتعال صدام مع المستهلك أو إلى التهرب من مسؤولياتهم، وإنما يطالبون فقط ببيئة تنظيمية واقتصادية واضحة تضمن شروط المنافسة الشريفة وتحد من الاحتكار وتحمي كرامة المهني.
كما كشف رئيس الجامعة عن اجتماع مهم سيُعقد يوم 29 أبريل الجاري بمدينة بني ملال، بحضور مختلف الفروع الجهوية للجامعة، سيتم خلاله مناقشة مستجدات قطاع البن وأسعار القهوة، إلى جانب التداول في سبل الترافع المؤسساتي من أجل تأطير السوق وحماية مصالح المهنيين والمستهلكين على السواء.
وشدد على أن الجامعة ستخرج خلال هذا الاجتماع بمقترحات عملية سترفع إلى الجهات الحكومية، داعياً في الوقت ذاته إلى نهج تشاركي بين مختلف الأطراف للخروج بحلول عادلة ومستدامة.
وختم الحراق تصريحه بالتشديد على أن الجامعة الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب ملتزمة بالدفاع عن مصالح المهنيين، دون الإضرار بالمستهلك، وأنها تتابع عن كثب كل ما يتعلق بالتطورات المرتبطة بسوق البن، سواء من حيث التوريد أو التسعير أو التوزيع، مؤكداً أن الشفافية والاستقرار هما المدخلان الأساسيان لضمان التوازن داخل هذا القطاع الحيوي.