أثار استمرار عبد اللطيف وهبي في منصب وزير العدل ضمن التعديل الحكومي الأخير في المغرب جدلاً واسعاً وانتقادات من فاعلين سياسيين وحقوقيين.
وجاءت هذه الانتقادات على خلفية عدد من القضايا التي أثارت استياءً شعبياً، مثل الجدل حول امتحانات المحاماة وتعديل قانون المسطرة المدنية، إضافة إلى سحب مشروع قانون “الإثراء غير المشروع” من قانون المسطرة الجنائية، والذي كان يُعد خطوة مهمة في مكافحة الفساد.
ويرى مراقبون أن بقاء وهبي في الوزارة يثير تساؤلات حول مدى اعتماد الحكومة على معايير الكفاءة والاستجابة للتطلعات الشعبية، وسط مطالب بتبني إصلاحات أعمق في قطاع العدل لمواجهة التحديات المتزايدة وضمان الشفافية والنزاهة في تسيير هذا القطاع الحيوي
♦تعديل لم يرقى للتطلعات
أكد محمد رزقاوي، نائب رئيس المكتب التنفيذي للجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، أن التعديل الحكومي الأخير لم يرتقِ إلى مستوى تطلعات الشعب المغربي ولم يستجب لمتطلبات المرحلة.
وأوضح نائب رئيس المكتب التنفيذي للجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن هذا التعديل، بدلاً من أن يكون خطوة نحو تعزيز الكفاءة في الحكومة، كان مجرد عملية “تدوير وإعادة توزيع للأدوار” داخل نفس الوجوه التي شغلت مناصب المسؤولية منذ سنوات.
وسط تصعيد نقابي ضد وزارة وهبي .. الشلل يتهدد محاكم المملكة لـ6 أيام
وأشار الفاعل الحقوقي إلى أن هذا النهج رسّخ ثقافة الولاء والانتماء بدل الكفاءة، وكرّس المحاباة في المناصب الحكومية، مما عمّق أزمة الثقة بين الشعب والحكومة.
♦تغول الأغلبية
ورأى رزقاوي أن الشارع المغربي عبّر بوضوح عن استيائه من أداء بعض الوزراء ومن إدارة الحكومة لبعض القطاعات عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي شهدت تفاعلات غاضبة، وأيضاً من خلال الحركات الاحتجاجية التي نُظّمت في مختلف مناطق المغرب.
واعتبر الناشط الحقوقي أن هذا يعكس تغوّل رئيس الحكومة، الذي يعتمد على أغلبيته البرلمانية لفرض الأمر الواقع، دون الأخذ بعين الاعتبار الحوار والتواصل مع الشعب.
وأضاف رزقاوي أن الحكومة كان يجب أن تستغل هذا التعديل لتعزيز الكفاءة في إدارة شؤون الدولة، خاصةً في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه المغرب. إلا أن التعديل، في رأيه، لم يكن سوى عملية “تقاسم للكعكة الحكومية” بين الأحزاب والشخصيات المقربة، بعيداً عن المعايير الموضوعية التي تسمح للكفاءات والمؤهلات الحقيقية بتولي مناصب المسؤولية.
بنكيران يعود لمهاجمة وهبي ويتهمه بالدعوة للمجاهرة بـ “الفساد والزنا”
وقال إن هذا الوضع يعكس عجز البلاد عن استقطاب طاقات جديدة مؤهلة، وأن المغرب ظلّ يعتمد على نفس الوجوه التي تعاقبت على السلطة، بل أصبح هناك من يسعى إلى توريث المناصب لأبنائهم وأصهارهم.
♦تعيينات لا علاقة لها بالكفاءة
وتطرّق رزقاوي في تصريحه، إلى مسألة تعيين بعض الوزراء في قطاعات لا تتناسب مع مؤهلاتهم أو خلفياتهم المهنية، معتبراً أن هذه التعيينات تفتقر للمنطق وتعكس تخبط الحكومة في اختيار أسماء تتماشى مع شعاراتها الانتخابية.
وأشار إلى أن الحكومة الحالية رفعت شعار “حكومة الكفاءات” خلال حملتها الانتخابية، إلا أن الواقع أظهر أن الكفاءة لم تكن من أولوياتها، وأنه حتى الآن، لم يتمكن معظم المغاربة من التعرف على أسماء بعض الوزراء أو إنجازاتهم في قطاعاتهم.
وقال رزقاوي إنه بالنظر إلى النصف الأول من ولاية الحكومة، فقد أثبت فشلها في تحقيق نتائج ملموسة، في حين أن النصف الثاني سيشهد تحديات أكبر، خاصةً أنه جزء من الفترة الانتخابية، مما سيجعل من الصعب على الحكومة الوفاء بوعودها سواء على المستوى التشريعي أو الاجتماعي.
♦أزمة وزارة العدل وتداعياتها
واعتبر رزقاوي استمرار عبد اللطيف وهبي على رأس وزارة العدل رغم الجدل الكبير الذي أثاره في عدة ملفات يُعد دليلاً على تجاهل الحكومة لرغبات الشعب.
وأشار إلى سلسلة من الأزمات التي مرّت بها الوزارة، بدءاً من الامتحانات الخاصة بمزاولة مهنة المحاماة التي أثارت ضجة واسعة، مروراً بتعديلات قانون المسطرة المدنية، وصولاً إلى سحب قانون المسطرة الجنائية، الذي كان يحتوي على مواد تهدف إلى مكافحة الفساد مثل قانون “الإثراء غير المشروع”.
البيجيدي مهاجما وهبي: كيف لهذا الوزير أن يستمر في منصبه بالرغم من تصريحاته التي تمس بثوابت البلاد
وأوضح رزقاوي أن سحب قانون الإثراء غير المشروع يُعتبر خدمة كبيرة لبعض السياسيين الذين استفادوا من السلطة لتحقيق مصالحهم الشخصية، مردفا أن هذا السحب يعد تراجعاً في مكافحة الفساد ويشجع على استمراره في مؤسسات الدولة.
ولفت المتحدث الانتباه إلى تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة ومكافحة الرشوة الذي أوضح أن الفساد يكلف الدولة المغربية حوالي 50 مليار درهم سنوياً، وهو ما يُلقي بثقله على الميزانية العامة ويضر بمصالح المواطنين.
♦قانون المسطرة الجنائية وتقييد الحريات
أعرب رزقاوي عن قلقه من التعديلات المقترحة في قانون المسطرة الجنائية، وخاصةً المادة 3 منه، التي تمنع الجمعيات الحقوقية وجمعيات حماية المال العام من رفع دعاوى قضائية ضد المسؤولين الفاسدين، حيث مُنح هذا الحق فقط لبعض المؤسسات الرقابية كالمجلس الأعلى للحسابات ومفتشية وزارة الداخلية ووزارة المالية.
توظيف وهبي لمستشاره رفيقي .. اتهامات تطارد وزير العدل بشرعنة الفساد وخرق القانون
وأشار إلى أن هذه التعديلات قد تؤدي إلى تراجع ترتيب المغرب في مؤشرات مكافحة الفساد، وتساهم في تضييق الخناق على الجهات التي تعمل على حماية المال العام.
وأضاف أن النيابة العامة كانت في السابق تملك صلاحيات تحريك الدعاوى العامة بناءً على معلومات أو وشايات، إلا أن التعديل الجديد يقيد هذه الصلاحيات، مما يجعلها تحت سيطرة تقارير مؤسسات معينة، التي قد تتعامل بانتقائية في تفعيل القانون.
وقال رزقاوي إنه من غير المقبول أن يتم تحريك المسطرة في حق منتخب في إقليم معين بينما يبقى منتخب آخر في الإقليم نفسه بمنأى عن المحاسبة، مما يشكل ازدواجية واضحة ويمس بمصداقية المؤسسات.
♦الحاجة إلى إصلاح حقيقي
وفي ختام تصريحه، دعا رزقاوي إلى تبني إصلاحات حقيقية تعيد الثقة للمواطنين، وتحقق العدالة في محاسبة المسؤولين المتورطين في قضايا الفساد.
وأضاف الناشط الحقوقي، على أن المغرب بحاجة إلى تبني مقاربة جديدة تضع الكفاءة والنزاهة كمعايير أساسية لتولي المناصب، وتعيد بناء الثقة بين الحكومة والشعب، من خلال تحقيق إصلاحات فعلية تستجيب لتطلعات المواطنين، وتدفع نحو تخليق الحياة السياسية بالمغرب.
وأكد أن استمرار الوضع الحالي سيزيد من الاحتقان الاجتماعي ويُضعف ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، مما قد يؤثر سلباً على السلم الاجتماعي.
وهبي يطلق سهام النقد ويهاجم الأساتذة والنقابات التعليمية .. فكيف كان الرد ؟