في خضم الجدل الدائر هذه الأيام حول ما خلقته عدد من الحفلات الموسيقية بكل من الدار البيضاء والرباط، حيث اعتبر عديد المواطنين والساسة أن ما وقع في هاتين المدينتين، يعد ضربا للقيم الوطنية وإسفافا بالأخلاق، وذلك عقب الكلام النابي الذي تلفظ به مغني الراب طه فحصي المعروف بـ “الغراندي طوطو” من على منصة السويسي وخلال المؤتمر الصحفي الذي سبق إحياءه لتلك السهرة، وكذا أحداث العنف التي شهدها مهرجان “لبولفار”.
وفي هذا الإطار، دخل محمد أوزين، وزير الشباب والرياضة السابق، على الخط من خلال مراسلته لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، مسائلا إياه عن خروجه عن الشرعية الدستورية المتجسدة في غيابه المتكرر والمنتظم عن الحضور إلى الغرفة الأولى لمدة فاقت الأربعة أشهر، وهو ما ترك فراغا للنقاش والمساءلة حول قضايا عالقة وحارقة وآنية.
ونبه أوزين إلى أنه على الرغم من محاولات الفريق الحركي بالبرلمان (حزب الحركة الشعبية) الدعوة إلى عقد دورة استثنائية لتدارك الخصاص المهول على مستوى النقاش، لم يحظى هذا الطلب بالقبول، إضافة للأسئلة الكتابية الموجهة إلى رئيس الحكومة.
وأبرز المتحدث ذاته، أن هذا الأمر جعلهم يستنفذون كل القنوات الدستورية، في محاولات تكاد تكون يائسة، للوصول الى قلبكم قبل آذان رئيس الحكومة، لافتا إلى أنه إزاء الحالة المؤسفة هذه، لم يبق أمامهم خيار سوى مخاطبة أخنوش عبر رسالة موجهة إليهن مشيرا إلى التنبيه المسبق من خلال سؤال كتابي موجه إلى الحكومة من مغبة التطبيع مع بعض السلوكيات الدخيلة على مجتمعنا المغربي.
مضيفا أنها تعد انحرافا خطيرا وانزلاقا غير مسبوق من انحلال اخلاقي وخلقي يستهدف الضرب في عمق نسقنا القيمي النابع من ّتامغرابيت” المبنية أساسا على قيم الحياء والاحترام والحشمة وهي القيم التي تجسدها عقيدة الثقافة المغربية، موضحا أن تفاعل الحكومة مع الأمر كان محتشما، مطالبا إياها بالاعتذار للشعب المغربي الذي خدش في حيائه وسط أبنائه وأسره وفي عقر داره.
وتابع الوزير السابق، القول إن الشعب المغربي “تفاجأ بكلام سوقي وناب منحط من شاب مغرر به لا يعرف القيود في الكلام حسب تعبيره، حتى وإن تطلب ذلك الخروج عن اللياقة والمس بحشمة المواطنين الذين يدفعون من ضرائبهم تعويض الشاب عن أدائه “الفني”، لنجد أنفسنا أمام فضيحة بجلالها وجلاجلها تناقلتها وسائل إعلام دولية بنفس الامتعاض والرفض والإدانة”.
وذكر عضو الفريق الحركي بمجلس النواب، أنه من خلال مهرجان “لبولفار” الذي تدعمه وزارة الثقافة والاتصال، تحول العنف اللفظي من ساحة السويسي بالرباط الى عنف جسدي داخل فضاء ملعب الراسينغ الجامعي بمدينة الدار البيضاء، مشيرا إلى ظهور شباب مدججون بالأسلحة البيضاء والعصي وفي حالات غير عادية مقتدين ربما “بفنان” الراب واعترافه الصحيح والصريح بتناول مواد مخدرة.
وساءل أوزين رئيس الحكومة، قائلا: “هل ترضيكم هذه الصور عن شبابكم وصورة بلدكم في حفل ترعاه حكومتكم؟ وهل ما تسبب فيه “فنانكم” من ضرر لحشمة المغاربة لم يكن كافيا لمراجعة برامج تنشيط إحدى وزاراتكم؟ وهل تعتقدون أن توقيت المهرجانات تزامنا مع الدخول المدرسي وبعد العودة من عطلة الصيف هو توقيت موفق في ثقافتكم؟”.
وانتقد المتحدث نفسه، تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة الذي أشار إلى أننا في فترة الصيف ولا زلنا في أجواء الاحتفالي، قائلا: “وهو طرح لا يستقيم: أبناؤنا أنهوا عطلتهم واستجمامهم والتحقوا بأقسامهم، وفي الوقت الذي كنا نسعى إلى حثهم على التركيز على دخولهم المدرسي وعلى كفاياتهم التربوية، تصر حكومتكم على تشتيت هذا التركيز، عبر برامج خارجة عن التوقيت الصحيح وعبر “منشطين” رغم “الشهرة” المزعومة لا يقدمون لأبناء جلدتهم سوى المجون والاسفاف والانحطاط”.
ووجه أوزين عتابه لأخنوش قائلا: “إن كنتم على علم بكل هذا وتفضلون الصمت فتلك مصيبة، وإن كان خارج علمكم فالمصيبة أعظم، ليكن في علمكم السيد الرئيس أننا لسنا ضد التنشيط التربوي السليم ولا المهرجانات الفنية الراقية، نحن فقط ضد أن تكون خارج التقدير السديد”.
مشيرا إلى أن “ما وقع في ملعب الراسينغ الجامعي يستدعي الوقوف والدراسة والتحليل. هو ربما رفض لشباب تائه تسببت سياساتنا المتعاقبة في تعميق هذا التيه، وهو ربما أيضا شجب لأموال ضائعة في عز الأزمات، مواطنون يقفون في طوابير طويلة لملء صفائح الماء “وفنانون” ماجنون تملأ الحكومة جيوبهم من طوابير الشعب المنهك تحت أزمة الماء والوباء والغلاء”.
ولفت أوزين إلى أن “الأمهات لم يعد بمقدورهن اقتناء الحليب لرضعهن لارتفاع أسعاره، وأصبحن يغامرن بصحة فلذات كبدهن باقتناء أنواع خطيرة عبر الانترنت، وآباء أنهك جيوبهم الدخول المدرسي بفعل أسعار اللوازم المدرسية، التي رغم تطميناتكم ووعود حكومتكم، عرفت أسعارها سعارا غير مسبوق”.
وتساءل القيادي بـ “السنبلة”، عن اعتقاد الحكومة لما رصدته من ميزانية ضخمة للمهرجانات بأنها سياسة ثقافية ناجعة، في وقت تشتكي فيه من قلة الموارد لدعم القدرة الشرائية للمواطنين، مشيرا لاعترافها المسبق بكون الميزانية “مثقوبة”، مبرزا أن التنشيط هو توقيت وفسحة فنية عندما يروم الترفيه وتهذيب الذوق.