توقعت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن تواصل دول العالم دفع ثمن باهظ للحرب على أوكرانيا، وقد خفّضت بشكل واضح توقعاتها للنمو العالمي العام المقبل، في مواجهة آثار أكثر استدامة مما كان متوقعًا، مع دفع أوروبا الثمن الأكبر.
وكتبت المنظمة في تقرير نُشر، الاثنين، تحت عنوان “دفع ثمن الحرب” أن “توقعات النمو العالمي تراجعت”.
ويدفع انعدام الهدوء على الأرض في الشهر الثامن للغزو الروسي لأوكرانيا، المتمثل خصوصًا بتعبئة جزئية أعلنتها لعناصر الاحتياط، المنظمة الدولية إلى التشاؤم في ما يخصّ المستقبل الاقتصادي القريب.
2800 مليار
لإظهار حجم الصدمة التي تمثّلها الحرب على الاقتصاد العالمي، قدّرت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي الخسائر المالية المتوقعة العام المقبل مقارنة بالتوقعات قبل بدء الحرب في أوكرانيا، بـ2800 مليار دولار.
وبحسب المنظمة، فإن الدول المجاورة لأوكرانيا وروسيا هي التي ستدفع الثمن الأكبر؛ سيخضع النمو في منطقة اليورو للمراجعة الأكبر من بين كافة مناطق العالم، مع توقع أن يبلغ 0,3% في مقابل 1,6% في التوقعات السابقة في حزيران/ يونيو.
والسبب الرئيسي هو ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم، الذي يتوقع أن يبلغ هذا العام 8,1% و6,2% العام المقبل.
تتوقع منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن يكون الركود الذي يلوّح به كبار الاقتصاديين العالميين منذ أشهر كخطر كبير، السيناريو المقبل في ألمانيا؛ إذ إن أكبر قوة اقتصادية أوروبية ستشهد بحسب المنظمة، تراجع ناتجها الإجمالي المحلي بنسبة 0,7% العام المقبل، في انخفاض قدره 2,4 نقطة مئوية مقارنة بالتوقعات السابقة.
يفلت جيرانها الرئيسيون من الركود، ويُتوقع أن يبلغ النمو 0,4% في إيطاليا، و1,5% في إسبانيا، و0,6% في فرنسا، حيث لا تزال الحكومة تتوقع نموًا بنسبة 1%.
من جانبه، يتوقع صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير الصادر في يوليوز نموًا بنسبة 0,8% في ألمانيا، و1% في فرنسا، و1,2% في منطقة اليورو، إلا أنه قد يخفّض توقعاته في أكتوبر.
من بين المناطق الكبرى الأخرى، تتوقع منظمة التعاون والتنمية أن يبلغ النمو الأمريكي 0,5%، في مقابل 1,2% في التوقعات السابقة في يونيو، والنمو الصيني 4,7% في مقابل 4,9%.
تراجع النمو
بعد عام 2022 الذي كان مرهقًا بالنسبة للأُسر والشركات، لاسيما بسبب ارتفاع التضخم، ترى المنظمة ومقرّها باريس، أن “النمو العالمي سيواصل تراجعه عام 2023”.
وتتوقع المنظمة أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 2,2% في مقابل 2,8% في توقعاتها السابقة في حزيران/ يونيو، رغم أنها أبقت على توقعاتها للنمو لهذا العام عند نسبة 3%، بعدما خفّضتها بشكل واضح في الأشهر الأخيرة.
وتشير المنظمة إلى أن “ضغوط التضخم تصبح معممة أكثر فأكثر، إذ إن ارتفاع أسعار الطاقة والنقل وتكاليف أخرى تؤثر على الأسعار”.
وقد خفّضت المنظمة توقعاتها للعام 2023 في كل الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، تقريبًا باستثناء تركيا وإندونيسيا وبريطانيا، حيث يُتوقع أن يشهد الاقتصاد ركودًا.
“غموض كبير”
توضح المنظمة أن “غموضًا كبيرًا يلفّ التوقعات الاقتصادية”، خصوصًا مع خطر نقص موارد الطاقة في فصل الشتاء.
ويهدد الارتفاع الحاد للأسعار نشاط عدد متزايد من الشركات التي اضطر بعضها لخفض أنشطته.
وترى المنظمة أن نقصًا أكبر من المتوقع للغاز قد يؤدي بتأثير متتابع، إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو بـ1,25 نقطة إضافية العام المقبل، ما سيدفع عددًا من الدول إلى الغرق في ركود.
ويثير هذا السيناريو قلقًا كبيرًا؛ إذ إن المصارف المركزية في الدول المتطوّرة وتلك الناشئة ملتزمة بشكل صارم بزيادة معدلات الفائدة لاحتواء التضخم، رغم وجود خطر هنا أيضًا بتقويض النمو.
تؤكد منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن رفع معدلات الفائدة هو “عامل أساسي” في التباطؤ الحالي، إلا أنها تدعو المصارف المركزية إلى مواصلة ذلك؛ لتجنّب زيادة المعدّلات بشكل أكبر في حال استمرّ ارتفاع التضخم.
تقول المنظمة إن التدابير المالية الموجّهة والمؤقتة للأُسر والشركات هي جزء من الحلّ في مواجهة حالة الطوارئ، معتبرةً أن التدابير التي اتُخذت حتى الآن لكبح ارتفاع أسعار الطاقة كانت “موجّهة بشكل سيئ”؛ لأنها غالبًا ما كانت تعود بالفائدة لعدد فائض من الأُسر والشركات.