ارتفعت حصيلة ضحايا فاجعة انهيار البناية السكنية بحي الحسني بمنطقة المرينيين في مدينة فاس إلى 10 قتلى، بعد أن كانت السلطات المحلية قد أعلنت في وقت سابق عن مصرع 09 أشخاص وإصابة 07 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، في حادث مأساوي وقع ليلة الخميس – الجمعة.
البناية التي انهارت أمس، والمكونة من أربعة طوابق، وتضم 12 شقة، من بينها ثماني شقق كانت خالية وأربع مأهولة بالسكان، وخلفت ضحايا، تعيد إلى الواجهة وبقوة سؤال السلامة العمرانية وحق المواطنين في السكن الآمن.
وتكشف هذه الكارثة عن واقع عمراني هش في عدد من أحياء فاس، حيث تعيش مئات الأسر في بنايات مهددة بالانهيار، بعضها صادر في حقه قرارات بالإفراغ منذ سنوات، دون أن تجد طريقها للتنفيذ.
وفي ظل غياب تدابير استباقية فعالة، ووسط صمت المجالس المنتخبة والجهات المسؤولة، تتصاعد الأصوات المطالِبة بفتح تحقيق شامل يحدد المسؤوليات، ويضع حدًا لتكرار الفواجع التي حوّلت مدنًا بأكملها إلى بؤر للهشاشة والخطر الداهم.
♦فاجعة تتطلب محاسبة
قال عثمان زويرش، الكاتب الإقليمي للحزب الاشتراكي الموحد وعضو مجلس مقاطعة المرينين، إن فاجعة انهيار البناية السكنية بحي الحسني بمدينة فاس، والتي أودت بحياة تسعة أشخاص وأصابت سبعة آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، يجب أن تكون لحظة للتأمل العميق والمحاسبة الجدية، لا مجرد حدث عرضي يُطوى كما طُويت فواجع سابقة مماثلة، مشددًا على ضرورة مباشرة تحقيق مستقل ونزيه لتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات، لأن ما وقع ليس فقط نتيجة إهمال إداري أو ضعف في تدبير ملف التعمير، بل يُعد انتهاكًا صارخًا لحق المواطنين في السكن الآمن والحياة الكريمة.
وأكد عضو مجلس مقاطعة المرينين، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن أول ما ينبغي الإشارة إليه في هذا السياق الأليم هو تقديم واجب العزاء لأسر الضحايا، متمنيًا الشفاء العاجل للمصابين الذين ما يزال بعضهم في حالة حرجة، مؤكدًا أن هذه الكارثة الإنسانية تتطلب وقفة مجتمعية ومؤسساتية عاجلة، لا من أجل استيعاب حجم الألم فقط، ولكن من أجل معالجة مكامن الخلل البنيوي والمؤسساتي الذي يُعيد إنتاج المأساة في أحياء مدينة فاس.
واعتبر المتحدث أن الحديث عن المسؤولية لا يمكن اختزاله في مستوى واحد أو جهة بعينها، بل يجب التعامل معه باعتباره مسؤولية مركبة وموزعة بين عدد من الأطراف: السلطات المحلية التي لم تنفذ قرارات الإفراغ الصادرة منذ سنة 2018؛ والمقاطعة التي لم تُراجع بشكل جدي واقع البنايات المهددة بالسقوط؛ والمنتخبين الذين لم يتفاعلوا مع المؤشرات المتكررة حول هشاشة النسيج العمراني في عدد من الأحياء؛ والمالكين والمنعشين العقاريين الذين شيدوا هذه البنايات دون احترام كامل للمعايير؛ ومصالح التعمير التي لم تمارس الرقابة الهندسية الدورية كما هو مفترض في مثل هذه الحالات.
♦قرارات غير مفعّلة
أوضح زويرش، أن البناية المنهارة سبق أن صدر في حقها قرار بالإفراغ منذ سنوات، وهو قرار لم يُنفذ، ولا تُعرف أسباب تعطيله، مما يطرح سؤالًا مباشرًا حول الجهة التي تتحمل مسؤولية عدم تنفيذ القرار، خصوصًا وأن المعلومات التي توصل بها الحزب تفيد بوجود بنايات أخرى في نفس الحي، وربما في أحياء مجاورة، صدر بشأنها نفس القرار منذ سنوات ولم يُفعل، مما يعني أن هذا الحادث كان قابلًا للتفادي لو تم التعامل بالجدية اللازمة مع المؤشرات التحذيرية.
وأضاف عضو مجلس مقاطعة المرينين، أن المقاطعة لم تقم بالدور الوقائي المفترض في مثل هذه الوضعيات، خاصة على مستوى المراقبة الهندسية الدورية للبنايات، والتي يجب أن تتم وفق برنامج مضبوط، لا أن تُترك الأمور حتى تقع الفاجعة، فنبدأ بعدها في البحث عن أصل الخلل. مشيرا إلى أن الإهمال طال حتى المعلومة نفسها، إذ لا تتوفر المقاطعة على معطيات دقيقة ومحدّثة بخصوص عدد البنايات الآيلة للسقوط، أو تلك التي صدر في حقها قرار بالإفراغ، مما يعكس خللًا عميقًا في حكامة تدبير المجال العمراني.
ولفت إلى أن المأساة كشفت أيضًا عن هشاشة منظومة التدخل السريع، خصوصًا أن الوقاية المدنية، رغم تدخلها الفوري، واجهت صعوبات كبيرة في الوصول إلى موقع الحادث بسبب ضيق الممرات وصعوبة الولوج، ولولا تدخل سكان الحي في اللحظات الأولى لكانت الحصيلة البشرية أثقل، مؤكدًا أن هذا الوضع يدعو إلى مراجعة شاملة لتصميم الأحياء القديمة، ووضع خطة لتهيئة مداخلها ومخارجها لتيسير التدخل في حالات الطوارئ.
♦مسؤولية جماعية وصمت رسمي
شدد زويرش على أن ما وقع ليس فاجعة طبيعية بل نتيجة مباشرة لتقصير جماعي في أداء الواجب، وبالتالي فإن الحديث عن المسؤولية الجنائية يصبح أمرًا مشروعًا، لأننا أمام وفاة أرواح بشرية يمكن إثبات أنها لقيت حتفها نتيجة إهمال موثق. مردفا أنه عندما لا يتم تنفيذ قرارات الإفراغ، ولا تُوفر بدائل للسكان الذين يعيشون في خطر دائم، فإننا أمام مسؤولية مزدوجة: تقصير إداري، وتهاون في ضمان الحق في السكن اللائق، بل أكثر من ذلك، تواطؤ بالصمت مع احتمال وقوع كوارث”.
واستغرب المتحدث صمت المقاطعة والمجالس المنتخبة، التي لم تصدر حتى بلاغ عزاء رسمي يواسي عائلات الضحايا أو يتواصل مع الرأي العام المحلي، رغم أن الحدث مأساوي ويهم أرواح بشرية، مؤكدًا أن هذا الغياب يبرز مدى انقطاع هذه المؤسسات عن انشغالات الناس، وانفصالها عن واقعهم اليومي.
وقال إن الحد الأدنى من المسؤولية الأخلاقية كان يفرض على مسؤولي المقاطعة النزول إلى الميدان، والوقوف إلى جانب السكان، والاستماع لمعاناتهم، وليس الاكتفاء بالمراقبة الصامتة أو التواري خلف جدران المكاتب.
وأشار إلى أن حزبه، ومن موقعه كمعارضة، طالب مرارًا، في دورات مجلس المقاطعة، بتدقيق جداول الأعمال وربطها بالانتظارات الحقيقية للساكنة، لكن الردود كانت دائمًا شكلية وغير متفاعلة، مشيرًا إلى أن مكاتب المقاطعة المسيرة اليوم هجينة، غير منسجمة، ولا تعطي الأولوية لمصالح السكان، بل تنغمس في تدبير بيروقراطي لا يرتبط بالقضايا الحيوية للمواطنين.
♦الحلول المطلوبة عاجلًا
عاد زويرش في تصريحه ليؤكد أن المطلوب اليوم هو الإسراع بفتح تحقيق جاد لتحديد من منح تراخيص البناء، ومن راقب، ومن لم يُفعل قرارات الإفراغ، ومن تجاهل التحذيرات المتكررة حول الوضعية المتردية للبناية المنهارة، مبرزًا أن التهاون في تحميل المسؤوليات سيؤدي لا محالة إلى تكرار الكارثة، وربما بشكل أعنف، في أحياء أخرى.
كما شدد على ضرورة أن تواكب أي قرارات بالإفراغ توفير بدائل سكنية حقيقية للمواطنين، قائلًا: “لا أحد يقبل أن يعيش في منزل مهدد بالسقوط، لكن حين لا توجد خيارات بديلة، يُضطر الناس للبقاء، رغم الخطر المحدق، لأنهم ببساطة لا يملكون القدرة على الرحيل إلى المجهول”.
وحذّر من ترك السكان رهائن لوضع عمراني هش دون تقديم معطيات واضحة ومحدثة حول طبيعة البنايات المصنفة خطرة، داعيًا إلى إعداد خارطة دقيقة تحدد البنايات الآيلة للسقوط، والبدء فورًا في برامج إعادة الإيواء، ومشيرًا إلى أن البنايات التي لا تُصلح للسكن يجب أن تُهدم فورًا، حتى لا تشكل خطرًا على البنايات المجاورة.
وأنهى زويرش تصريحه بالتأكيد على أن المسؤولية التاريخية والسياسية تقع على عاتق المنتخبين المحليين والسلطات الإدارية، داعيًا إلى استثمار هذه اللحظة المؤلمة من أجل وضع خطة جماعية لمواجهة تحديات التعمير بمدينة فاس، مشددًا على أن زمن التبريرات انتهى، وأن المدينة لا تتحمل مزيدًا من الإهمال.
وأضاف: “إذا كنا نتهيأ لاحتضان تظاهرات كبرى مثل كأس العالم، فعلينا أن نتهيأ أولًا لتأمين حياة المواطنين في أحيائهم، وإلا فإننا نبني صورة مزيفة على أنقاض أجساد مواطنين بسطاء فقدوا حياتهم فقط لأنهم كانوا يعيشون في الهامش”.