تشهد الأغلبية الحكومية تصدعات متزايدة، وذلك من خلال تصاعد انتقادات حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة للسياسات الحكومية، رغم كونهما جزءًا من الائتلاف الحاكم، حيث أكد نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، أن تحقيق التزامات الحكومة، خصوصًا خلق مليون منصب شغل بات أمرًا صعبًا، داعيًا إلى ضبط الأسواق والحد من المضاربات التي تضر بالقدرة الشرائية للمواطنين.
كما أبدى حزب الأصالة والمعاصرة ملاحظاته حول الأداء الاقتصادي، مطالبًا الحكومة بتشديد المراقبة الاقتصادية وإلغاء الإعفاءات الجمركية التي لم تؤدي إلى خفض الأسعار، وتطرح هذه التباينات تساؤلات حول مدى تماسك الأغلبية الحكومية وقدرتها على الاستمرار بنفس النسق حتى الانتخابات التشريعية المقبلة في 2026.
نزار بركة يدعو إلى ميثاق اقتصادي أخلاقي لمواجهة المضاربات وحماية القدرة الشرائية
♦ خلفية الانتقادات
يرى محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، أن الانتقادات التي يوجهها حزبا الاستقلال والأصالة والمعاصرة، رغم كونهما جزءًا من الأغلبية الحكومية، تأتي في سياق استعدادات الاستحقاقات الانتخابية المقبلة لسنة 2026.
وأبرز زين الدين في تصريح لجريدة “شفاف”، أنه مع اقتراب هذا الموعد، تحاول الأحزاب السياسية إعادة تموقعها داخل المشهد السياسي، وذلك عبر احتضان القضايا التي تهم الرأي العام المغربي، خصوصًا في ظل التعثر الذي تعاني منه الحكومة في بعض الملفات الاقتصادية والاجتماعية.
وأردف أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن هذا التوجه يظهر بوضوح من خلال مواقف حزب الاستقلال بشأن استيراد اللحوم والأسعار، وكذلك انتقادات حزب الأصالة والمعاصرة للسياسات الاقتصادية الحكومية.
حكومة أخنوش بين تحديات الواقع وتصعيد المعارضة والنقابات.. قراءة في حيثيات الأزمة السياسية
وقال المتحدث ذاته، إن هذه الدينامية تعكس رغبة الأحزاب في مراجعة مواقفها السياسية وإعادة ترتيب حساباتها استعدادًا للاستحقاقات المقبلة، لكنها في المقابل تطرح تساؤلات حول مدى احترام مبدأ التضامن الحكومي.
وأوضح أن الحكومة بمكوناتها المختلفة، مسؤولة جماعيًا عن أدائها إلى غاية نهاية ولايتها، وفق مبدأ التضامن الحكومي، لافتا إلى أن هذه الانتقادات المتزايدة تعطي انطباعًا سلبيًا لدى الرأي العام، حيث يبدو أن بعض مكونات الأغلبية تتصرف وكأنها في موقع المعارضة بدلًا من الالتزام بالانسجام الداخلي للحكومة.
وشدد على أن هذا النوع من الخلافات ليس جديدًا في المشهد السياسي المغربي، مشيرا إلى أن البلاد شهدت في وقت سابق ممارسات مماثلة في حكومات سابقة، مثل حكومتي عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني، وحتى في عهد حكومة التناوب برئاسة عبد الرحمن اليوسفي.
♦ غياب دور المعارضة
يشير أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، إلى أن المثير في هذا المشهد ليس فقط الانتقادات الصادرة من داخل الأغلبية، بل الغياب الملحوظ للمعارضة في التفاعل مع هذه المستجدات، والقيام بأدوارها في إحراج الحكومة ومراقبة عملها.
وأبرز أنه من المفترض أن تكون أحزاب المعارضة هي الطرف الأساسي في انتقاد الحكومة، لكن ما نلاحظه هو أنها لم تستغل هذه الفرصة بالشكل المتوقع، باستثناء بعض البلاغات المتفرقة أو المواقف المحدودة من حزبي التقدم والاشتراكية، والعدالة والتنمية.
وأضاف أن ضعف تفاعل المعارضة يعكس إشكالية حقيقية في المشهد السياسي، حيث يبدو أن المعارضة نفسها تعاني من صعوبات في إعادة التموضع والتأثير الفعلي على الرأي العام، وهو ما يمنح بعض مكونات الأغلبية فرصة لعب دور مزدوج بين الحكومة والمعارضة.
♦ الانعكاسات المتوقعة
أوضح محمد زين الدين أن التحالفات الحكومية في المغرب غالبًا ما تكون تحالفات بعدية وليست قبلية، أي أنها تتشكل بعد ظهور نتائج الانتخابات وليس قبل ذلك، مبرزا أنه بالتالي فإن إعادة تموقع بعض الأحزاب داخل الأغلبية لا يعني بالضرورة انهيار التحالف الحكومي، بل هو جزء من الترتيبات السياسية التي تسبق الاستحقاقات الانتخابية.
وزاد قائلا إن تجربة الحكومات السابقة أثبتت أن مثل هذه الخلافات لا تؤثر جوهريًا على استمرار التحالفات، وأنه من الممكن أن نرى نفس الأحزاب أو تحالفًا شبيهًا بعد انتخابات 2026، مع إمكانية حدوث تغييرات طفيفة في التشكيلة الحكومية.
نزار بركة يقر بفشل سياسات الحكومة في ضبط أسعار اللحوم والأضاحي.. هل يتصدع التحالف الثلاثي؟
وحول إن كانت هذه التناقضات داخل الأغلبية قد تؤثر سلبًا على صورة الحكومة لدى المواطنين، لفت أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية إلى أنه حتى الآن لا توجد دراسات ميدانية دقيقة تقيس مدى تأثير هذه الخرجات الإعلامية على الرأي العام، لكن متابعة ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى وجود استياء من غياب الانسجام الحكومي.
وأكد أن الحكومة مسؤولة بشكل جماعي عن أدائها، ولا يمكن تحميل جزء منها مسؤولية القرارات والإخفاقات بمعزل عن باقي المكونات، مبرزا أن إعادة التموضع السياسي الحالي تعطي انطباعًا سلبيًا لدى المواطنين، الذين قد يرون في هذه التصرفات محاولة لتحقيق مكاسب انتخابية على حساب مبدأ التضامن الحكومي.
واستطرد أن هذه الديناميات السياسية ليست جديدة على المشهد المغربي، لكنها تظل مؤشرًا على أن الاستحقاقات المقبلة خلال سنة 2026 ستكون حاسمة في إعادة تشكيل الخريطة السياسية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد.