يُعتبر اليوم الوطني للمرأة المناضلة، الذي يُحتفى به سنويًا في 11 دجنبر، مناسبة وطنية لتكريم المرأة المغربية ودورها المحوري في مسيرة النضال الوطني والاجتماعي.
يشكل هذا اليوم فرصة لإبراز مساهمة النساء المغربيات في مختلف مراحل التاريخ الوطني، بدءًا من مواجهة الاستعمار، وصولًا إلى تعزيز حقوق الإنسان والمشاركة الفاعلة في بناء مجتمع ديمقراطي.
كما يسلط هذا اليوم الضوء على التحديات التي تواجه المرأة المغربية، سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو القانوني.
ويهدف الاحتفاء بهذا اليوم إلى تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية النضال النسائي ودعم حقوق المرأة، مع التأكيد على ضرورة المضي قدمًا في تحقيق المساواة التامة بين الجنسين، خاصة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية، والتمكين الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية.
في يومها العالمي.. المرأة القروية كفاح ومعاناة من الطفولة إلى الممات، فهل أنصفتها السياسات العمومية؟
♦مكتسبات لاترقى للمستوى المطلوب
أكدت بشرى عبدو، الفاعلة الحقوقية ورئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، أن المكتسبات التي تحققت على صعيد حقوق النساء تمثل تقدمًا ملحوظًا، لكنها لا تزال غير كافية لتلبية المطالب المشروعة للحركة النسائية المغربية.
وفي حديثها لـ “شفاف”، قالت عبدو، إن هذه المكتسبات، رغم أهميتها، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى تطلعات النساء، خصوصًا فيما يتعلق بالمناصفة والمساواة والحقوق الكاملة في قوانين الأسرة والقانون الجنائي والمقتضيات الجنائية.
وأوضحت عبدو أن هناك قوانين جديدة خرجت إلى الوجود، مثل القانون 103.13 المتعلق بمناهضة العنف ضد النساء، لكنها شددت على أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب التفعيل الحقيقي لهذه القوانين.
وأضافت قائلة: “القوانين وحدها لا تكفي إذا لم تصاحبها آليات تنظيمية تضمن تطبيقها بشكل فعال وملموس على أرض الواقع”.
♦قانون 103.13 خطوة غير مكتملة
تطرقت عبدو في تصريحها إلى القانون 103.13، مؤكدة أنه يمثل خطوة إيجابية نحو تعزيز حقوق النساء، لكنه لا يواكب بشكل كامل معاناة النساء المعنفات، خصوصًا في ظل تصاعد ظاهرة العنف الرقمي.
وقالت بشرى: “القانون بحاجة ماسة إلى تعريف دقيق وشامل للعنف الرقمي، مع شرح الأفعال المرتبطة به، وتشديد العقوبات على مرتكبيه. علاوة على ذلك، يجب أن تكون هناك مساطر قانونية مبسطة تسهل على النساء ضحايا العنف الوصول إلى العدالة”.
ودعت عبدو إلى ضرورة تبني مبدأ “عدم التسامح مع العنف”، مشيرة إلى أهمية تضمين نصوص قانونية صريحة تمنع الصلح في قضايا العنف، مع تعزيز دور المؤسسات في توفير الحماية والدعم للنساء المعنفات.
♦المناصفة ضرورة وليست خيارًا
فيما يخص المناصفة، شددت عبدو على أن حضور النساء في المجال السياسي ما زال ضعيفًا للغاية، ولا يمكن تحسينه دون اعتماد نظام الكوتا كآلية تضمن تمثيلًا نسائيًا عادلاً.
وأفادت المتحدثة: “المناصفة ليست مجرد مطلب حقوقي، بل هي استحقاق دستوري يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من القوانين الانتخابية، وقوانين الأحزاب السياسية، والنقابات، والجمعيات”.
وأكدت عبدو أن المرأة المغربية أثبتت كفاءتها في مختلف المجالات، حيث شغلت مناصب مرموقة مثل السفيرة، الوزيرة، القاضية، والمحامية، لكنها تحتاج إلى دعم أكبر لتعزيز حضورها السياسي وضمان الاعتراف بمساهماتها.
وأضافت: “من الضروري أن يتم الاعتراف بدور النساء كفاعلات سياسيات ومناضلات داخل البرلمان ومجلس المستشارين، بما يتماشى مع مقتضيات دستور 2011”.
♦وضعية النساء في المناطق القروية
سلطت عبدو الضوء على التحديات الجسيمة التي تواجهها النساء في المناطق القروية والمهمشة، مشيرة إلى أن هذه الفئة تعاني من ظروف صعبة للغاية، خصوصا العاملات الزراعيات.
وأوضحت أن غياب الحماية القانونية وانعدام الأمان في بيئة العمل يزيد من معاناة النساء في هذه المناطق، حيث يواجهن التحرش، والاغتصاب، وغياب وسائل النقل، وظروف العمل غير الإنسانية.
وقالت: “النساء في المناطق القروية بحاجة ماسة إلى قوانين حمائية تضمن حقوقهن وتوفر لهن بيئة عمل آمنة. كما يجب أن تكون هناك مراقبة صارمة لتطبيق هذه القوانين، وتشجيع هذه الفئة على المشاركة في الأنشطة الاقتصادية بشكل يحترم كرامتهن”.
فاعلون حقوقيون يدقون ناقوس الخطر حول معاناة النساء المغربيات مع العنف في العالم الافتراضي
وأشارت عبدو إلى أن النساء العاملات في الحقول يعانين من غياب وسائل النقل الآمنة وتعرضهن للتحرش والانتهاكات دون أن تكون هناك آليات فعالة لحمايتهن. داعية إلى ضرورة تشجيع النساء في المناطق المهمشة على كسر حاجز الصمت، مع توفير الدعم النفسي والقانوني لهن.
♦التصدي للعقلية المحافظة
أوضحت عبدو أن العقلية المحافظة والذكورية المتطرفة تشكل تحديًا كبيرًا أمام تحقيق المساواة وتعزيز دور المرأة في المجتمع.
وزادت قائلة: “هناك عقلية ذكورية متطرفة لا تزال تعيق تقدم المرأة المغربية، وتضع حواجز أمام حضورها القوي في مختلف المجالات. لكن رغم ذلك، هناك نضالات متواصلة من الحركة النسائية، مدعومة ببعض السياسيين المؤمنين بقضايا النساء”.
وشددت على أن التصدي لهذه العقلية يتطلب إصلاحًا عميقًا لمنظومة التعليم، مؤكدة أن التعليم هو السبيل الأمثل لبناء مجتمع يؤمن بالمساواة ويرفض التمييز والعنف.
وشددت قائلة: “يجب أن تركز مناهج التعليم على تعزيز القيم الإنسانية، مثل التسامح، المساواة، والتآلف، من أجل تغيير العقليات المتحجرة التي تعيق تقدم المرأة المغربية”.
ودعت بشرى عبدو إلى ضرورة تعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، مشددة على أهمية تحمل الدولة لمسؤوليتها في هذا المجال.
وأكدت أن حقوق النساء ليست مجرد مطلب حقوقي، بل هي ضرورة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة وبناء مجتمع عادل ومنصف