بعد حديث عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، على هامش أشغال الدورة الـ 12 للمؤتمر الدولي “الحوارات الأطلسية” بمراكش، عن طموح البلاد ليصبح أحد العضوين الدائمين اللذين يمثلان القارة الإفريقية في مجلس الأمن الدولي، برز حديث عن إمكانية حصول المملكة فعلا عن هذا المنصب، وكذا المنافسة التي يمكن أن يواجهها داخل القارة، وحول مكاسب وأهمية ذلك.
♦ مجلس الأمن الدولي
يتحمل مجلس الأمن الدولي باعتباره هيئة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة، المسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين. ولديه 15 عضوا، وكل عضو لديه صوت واحد.
بموجب ميثاق الأمم المتحدة، تلتزم جميع الدول الأعضاء، -الذين بينهم 5 دائمو العضوية فيما 10 الباقون يمثلون بقية القارات-، بالامتثال لقرارات المجلس.
ويأخذ مجلس الأمن زمام المبادرة في تحديد وجود تهديد للسلام أو عمل عدواني، حيث يدعو أطراف النزاع إلى تسوية النزاع بالوسائل السلمية ويوصي بطرق التكيف أو شروط التسوية.
وفي بعض الحالات، يمكن لمجلس الأمن أن يلجأ إلى فرض جزاءات أو حتى السماح باستخدام القوة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو استعادتهما.
♦ المغرب والعضوية الدائمة
أبرز إدريس قريش، دكتور الدولة في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، ووزير مفوض في التقاعد، وأستاذ زائر بالجامعات الوطنية والأجنبية، وعضو الفيدرالية العالمية لتخليق العلاقات الدولية، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن الحديث عن حصول المغرب عن مقعد دائم بمجلس الأمن الأممي ليس ممكن بل مؤكد.
وأضاف قريش أنه في إطار النقاش الدائر منذ 2002 حول القيام بتعديلات حول نظام وتركيبة مجلس الأمن الدولي، برزت مطالب بإضافة ست دول جديدة بصفة العضوية الدائمة، إثنين منها من إفريقيا، إضافة لكل من ألمانيا واليابان والهند والبرازيل.
وأوضح أن العائق الوحيد لتوسعة هذه الهيئة الأممية؛ يرتبط بإذا كان لهم استخدام حق “الفيتو” أي النقض أم لا (حق الاعتراض على أي قرار يقدم لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة)، على غرار الدول الخمس (أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين) المؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة، مبرزا أن هذا الأمر هو ما أخر القيام بهذا الإصلاح.
♦ الدول الإفريقية المرشحة
يشير دكتور الدولة في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، إلى أن الدول الثلاث المرشحة بقوة على المستوى الإفريقي، والتي لها مكانة خاصة داخل المنتظم الدولي هي المغرب ومصر وجنوب إفريقيا، موضحا أن التنافس سيشتد بين الرباط وبريتوريا.
ولفت قريش إلى أن مطامح ومطامع جنوب إفريقيا في السيادة القارية لإفريقيا، جعلتها تهاجم المغرب وتعمل على ضرب مصالحه، مبرزا أن ذلك هو السبب الرئيسي في تدخلها في قضية الصحراء المغربية ودعم أعداء المملكة، ومعارضة الرباط والتصويت داخل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة ضد القرارات المرتبطة بوحدتها الترابية.
وشدد أن ذلك يأتي على عكس ما أقدمت عليه المغرب تجاه بريتوريا من مساندة هذه الدولة وزعيمها المناضل نيلسون مانديلا، خلال فترة نظام الفصل العنصري الذي كان يحكم البلاد، مشيرا إلى أن حزب المؤتمر الوطني الجنوب الإفريقي الحاكم اليوم لقي أيضا دعما من الرباط بقيادة الراحل الملك الحسن الثاني في بداياته خلال التسعينات من القرن الماضي.
وتابع أن المغرب بعد انتهاء مرحلة الفصل العنصري بجنوب إفريقيا خلال سنة 1993، كرس عمله على دعم استمرار الوحدة الترابية لهذا البلد، حيث لعب المغفور له الحسن الثاني دور مهما في الوساطة بين السياسيين مانديلا وفريديرك ويليام دي كلارك لعدم تعرض هذه الدولة للتجزئة.
واعتبر أن بعض الدول الإفريقية غير واعية بمكانة المغرب، سواء الجزائر أو جنوب إفريقيا اللتان تحاولان عزل الرباط عن عمقها الإفريقي بسبب طموحهما الشخصي الجائر، والذي يضر بالقارة السمراء، مشيرا إلى أن المملكة تتموقع بهذه الأخيرة روحيا قبل أن تتواجد بها ماديا أو اقتصاديا.
واستطرد أن المغرب له مكانة خاصة داخل قارته الإفريقية، تتجلى في أعماقه الحضاري والتاريخي والثقافي الممتد لحوالي 13 قرن، لافتا إلى المملكة هي الوحيدة في العالم العربي والإسلامي بعد الدولة العثمانية التي تحظى بلقب “دولة أمة”، انطلاقا من توصيات اتفاقية أستراليا 1948.
ويرى عضو الفيدرالية العالمية لتخليق العلاقات الدولية، أن هذه الدول التي تعمل جاهدة على إبعاد المملكة عن عمقها الإفريقي خاطئة في سياساتها وتصوراتها وفي سلوكياتها، مبرزا أن ذلك مضيعة للوقت من طرفها، وأن المغرب مؤهل وبقوة لشغل هذا المنصب انطلاقا من مصداقيته، والعناصر الثلاث المتوفر فيه؛ ألا وهي الأعماق التاريخية والحضارية والثقافية، التي تعد المؤسس الرئيسي لمصداقية أي بلد.
بخصوص مصر، أوضح قريش أن إفريقيا مرشحة للعضوية الدائمة بمقعدين، إحداها يهم العالم العربي والآخر لإفريقيا، مشيرا إلى أن القاهرة بإمكانها أن تحوز المقعد الأول، فيما يذهب الثاني للمغرب أو العكس صحيح.
♦ أهمية الانضمام
شدد الأستاذ الزائر بالجامعات الوطنية والأجنبية، أن انضمام أي دولة لمجلس الأمن الدولي بعضوية دائمة يمثل انتصارا كبيرا لها، حيث تصبح من البلدان القليلة المسيّرة لشؤون العالم والعلاقات الدولية بصفة عامة، إذ سيكون هذا الطرف عضوا مقررا في مسار العالم.
وأضاف المتحدث ذاته، أن المغرب يعتبر ركيزة أساسية في صنع المنظور الجديد للعلاقات الدولية، مشيرا إلى أن العالم يعيش مرحلة انتقالية بين موازين القوى المادية والعسكرية، والتي تحركها اليوم المعايير الأخلاقية أكثر من أي شيء آخر.
وأشار إلى أن العالم يتجه اليوم نحو منظومة القيم في ظل طغيان الحروب والصراعات على الحياة البشرية، مؤكدا على أنه في ظل ذلك لا تعيش الإنسانية حاليا سوى 9 أيام من السلم في السنة، مبرزا أن ذلك يفرض انتقال القرار في العالم لدول مثل المغرب التي تحركها المعايير الأخلاقية بعيدا عن أي حسابات أخرى.
وأوضح أن المغرب له المقومات المطلوبة للنجاح في تولي هذا المنصب، والمساهمة بالتالي في قيادة العالم نحو السلام، باعتبار أن له مقومان أساسيان في نظامه السياسي والروحي، من خلال استقراره وانفتاحه على الإنسان الحداثي.
وأردف على أن التفاعل بين العنصرين السابقين هو الذي يؤسس للمرجعية الأساسية لتموقع المملكة المغربية في الساحة الدولي، انطلاقا مما يسمى بالدبلوماسية الناعمة التي ينهجها، والتي أثبتت نجاحها في السنوات الأخيرة، وهو ما يزكي مكانة المغرب في الحصول على العضوية الدائمة بمجلس الأمن الدولي.