في ظل تصاعد المواجهات العسكرية بين إسرائيل وإيران، عاد شبح التضخم ليخيّم على الاقتصاد العالمي، مخلفًا تداعيات مباشرة على الدول المستوردة للطاقة، وعلى رأسها المغرب، حيث ارتفعت أسعار النفط بنحو 7 % منذ بدء الهجوم الإسرائيلي، ما ينذر بموجة غلاء جديدة قد تهدد استقرار الأسواق والأسعار، وتزيد من الضغط على الميزانيات العمومية، ومع استحضار السيناريو الأوكراني، الذي تسبب في ارتفاع صاروخي لأسعار النفط وتضخم غير مسبوق، تجد الرباط نفسها مجددًا في مواجهة أزمة خارجية بأبعاد داخلية شديدة التعقيد.
وفي وقت تترقب فيه الحكومات تطورات الوضع بالشرق الأوسط، تتصاعد المخاوف من انزلاق الأزمة إلى مواجهة طويلة الأمد، قد تعيد رسم موازين الاقتصاد العالمي، وتفرض على المغرب إعادة النظر في معادلة الاستيراد والدعم والتوازنات الاجتماعية، ما يثير تساؤلات حول إن كانت تملك الدولة المغربية هوامش كافية لامتصاص الصدمة، ومدى كفاية التدابير التحفيزية أو دعم المقاصة لاحتواء الارتدادات، وتأثير هذا التصعيد في تآكل القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل ارتباط كلفة النقل والإنتاج بأسعار الطاقة.
♦ تحولات دولية ضاغطة
اعتبر محمد الشيكر، الخبير والمحلل الاقتصادي، ورئيس مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث، أن تأثير الأزمة الراهنة على المغرب سيبقى محدودًا نسبيًا مقارنة بدول تعتمد بشكل مباشر على إيران، كالصين مثلا، لكنه لا يُستبعد أن يُترجم هذا الاضطراب إلى زيادة تدريجية في أسعار النفط ومشتقاته.
ورغم هذا التفاؤل النسبي، لا يُخفي الشيكر في تصريحه لجريدة “شفاف”، أن المغرب يظل هشًا من حيث التبعية الطاقية، فإذا تفاقم الوضع وامتد التوتر إلى باقي دول الخليج، فقد ينعكس ذلك بشكل واضح على كلفة الاستيراد والميزانية العمومية، مع ما يترتب عن ذلك من آثار تضخمية تمس مختلف مناحي الاقتصاد الوطني، وخاصة في المواد الأساسية والنقل والفلاحة.
وأبرز الخبير والمحلل الاقتصادي، أنه في خضم التصعيد العسكري الحاصل بين إيران وإسرائيل، وما يرافقه من توتر في منطقة الخليج، ورغم أن المغرب لا يستورد نفطه من إيران، إلا أن أي اضطراب في مضيق هرمز قد يؤثر على العرض العالمي ويقود إلى ارتفاع الأسعار.
♦ هشاشة بنيوية قائمة
يؤكد الشيكر أن المغرب لم يتعافى كليًا من تداعيات الأزمات السابقة، وعلى رأسها جائحة “كوفيد-19” والحرب الأوكرانية، التي أفضت إلى موجة تضخم غير مسبوقة، بلغت ذروتها سنة 2022.
وأردف أن الاستعداد لموجة تضخم جديدة يظل مرهونًا بقدرة الدولة على ضمان التموين الغذائي والطاقي، خاصة فيما يتعلق بالحبوب والغاز والبترول، لافتا إلى أن المغرب يملك هوامش مناورة نسبية، بفضل تنويع مصادر التوريد، إلا أن ارتفاع الأسعار عالميًا يُضعف هامش السيطرة.
ويشير إلى أن الحكومة مطالبة بمراقبة الأسواق الدولية؛ خاصة في حال تطور التوتر إلى إغلاق مضائق استراتيجية كهرمز أو باب المندب، ما قد يخلق اختناقات إضافية في سلاسل التوريد ويعمّق العجز التجاري.
وشدد رئيس مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث، على أن هذه التطورات المرتقب وقوعها بالمنطقة تضع المغرب في موقع الحذر، وإن لم يكن في قلب العاصفة، مقارنةً بدول مرتبطة عضويًا بإيران.
♦ المقاصة.. المفهوم والإشكال
أحد أبرز محاور التدخل الذي قدمه محمد الشيكر يرتبط بنظام المقاصة، الذي يعتبره في صيغته الحالية غير مفهوم بالشكل الكافي من قبل الرأي العام.
والمقاصة كما يوضح، لم تكن منذ نشأتها مجرد آلية للدعم المباشر، بل أداة لضبط الأمن الغذائي والصناعي، حيث كانت الدولة تدعم بعض المواد الأساسية من خلال فائض رسوم منتجات أخرى.
وأبرز الخبير والمحلل الاقتصادي أنه مع إصلاحات ثمانينات القرن الماضي التي أقدمت عليها الدولة وقتها، دخلت المحروقات ضمن سلة المقاصة، مما خلق تشوهات مالية وخلّف عجزًا بنيويًا.
ويعتبر الشيكر أن الإشكال ليس في وجود المقاصة، بل في غياب رؤية إصلاحية متوازنة تُبقي على الفعالية الاجتماعية للنظام دون خلق ريع جديد لبعض الشركات.
وأردف أنه في مراحل سابقة؛ حصل أن استفادت شركات السكر من تصدير منتجاتها بالثمن المدعوم، كما استفادت أخرى من الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة، وهو ما يؤكد ضرورة مراجعة آليات الدعم لا حذفها، كما يسعى إليه صندوق النقد الدولي.
♦ بدائل الطاقة الممكنة
حول إمكانية التخفيف من وقع الأزمة عبر بدائل طاقية، يرى الشيكر أن المغرب راكم خلال السنوات الأخيرة تجربة واعدة في مجال الطاقات المتجددة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية بورزازات، والريحية بالشمال والجنوب، إضافة إلى مؤشرات إيجابية على مستوى التنقيب، خاصة في تندرارة والصويرة والعرائش وجرسيف.
وأشار رئيس مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث، إلى أنه رغم كون هذه المشاريع ما تزال في طور التحقق، إلا أن الأمل معقود على السنوات الثلاث المقبلة لتحقيق اكتفاء جزئي على الأقل.
التضخم والاستدانة الخارجية.. هل تهدد القروض الدولية مستقبل الاقتصاد الوطني؟
ويشدّد على أن التحدي الحقيقي ليس فقط في تأمين مصادر الطاقة، بل في تسريع وتيرة الاستثمار في البنية التحتية ذات الصلة، وضمان الحكامة في تدبير التمويلات والتعاقدات، حتى لا يتكرر سيناريو الارتباك في تدبير مشاريع استراتيجية مشابهة.
كما دعا الخبير والمحلل الاقتصادي، إلى إحداث منظومة يقظة وطنية لمراقبة التغيرات الجيوسياسية التي تؤثر على الأسواق الطاقية والغذائية.
♦ المالية والدعم الاجتماعي
بخصوص قدرة الحكومة على الاستمرار في دعم صندوق المقاصة في ظل ارتفاع أسعار النفط، يرى الشيكر أن الحكومة تبنّت في السنوات الأخيرة منهجية محاسباتية أكثر من كونها اجتماعية.
فوفقًا له، فإن جزءًا كبيرًا من إصلاحات التغطية الاجتماعية استُخدم لتغطية عجز الميزانية، بدل توجيهه لتعزيز العدالة الاجتماعية.
واعتبر أن مقاربة الحكومة تُبنى أساسًا على الربحية، ما يجعلها تميل إلى التراجع عن الدعم إذا لم تحقّق منه مردودية مباشرة.
وفي حال استمرت الأزمة الحالية في التفاقم، يُحذر الشيكر من أن الدولة قد تلجأ إلى تقليص الإنفاق الاجتماعي بدل تعزيزه، خاصة أن الأولويات الاقتصادية لا تزال موجهة نحو التوازنات المالية أكثر من العدالة الاجتماعية.
الحكومة تخطط لزيادة معدل النمو إلى 4.6 % في 2025.. فهل يجد هذا الرقم صدا له على أرض الواقع؟
ويرى الشيكر أن الأزمة الطاقية المرتقبة تختلف من حيث الشكل عن أزمة أوكرانيا، لكن جوهرها واحد؛ ألا وهي هشاشة النظام الاقتصادي العالمي وتبعية الدول النامية للموارد الخارجية.
واستطرد أن المغرب رغم مرونته النسبية، يظل معرضًا للضغط، ما لم يعجّل بإصلاحات شاملة تراعي التوازن بين الأمن الطاقي والعدالة الاجتماعية؛ بعيدا عن منطق “المحاسبة الجافة” التي لا تأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات الإنسانية والاجتماعية للأزمات.

