كشف عدد من التقارير الوطنية والدولية عن التحديات المتفاقمة التي تواجه قطاع التعليم في المغرب، حيث أظهرت تراجعًا ملحوظًا في جودة التعليم، ما أدى إلى تصنيف البلاد في مراتب متدنية عالميًا.
ومن بين المشكلات التي يعاني منها قطاع التعليم في المغرب، حسب تلك التقارير، ضعف البنية التحتية، خاصة في المناطق القروية، حيث تعيق قلة التجهيزات والمرافق توفير بيئة تعليمية ملائمة، إضافة إلى نقص الكفاءات التعليمية، مع غياب عدد كافٍ من الأساتذة المؤهلين، خصوصًا في المجالات العلمية والتقنية.
كما يُعد الهدر المدرسي أحد أخطر الإشكالات التي تواجه القطاع، حيث تشير إحصائيات حديثة إلى مغادرة أكثر من 300 ألف تلميذ مقاعد الدراسة سنويًا. إلى جانب ذلك، تؤثر الإضرابات المستمرة في صفوف الأساتذة على استقرار الموسم الدراسي، ما يثير استياء أولياء الأمور ويؤثر على مستقبل التلاميذ.
♦قطاع يقبع في المشاكل
يرى عبد الله غميمط، الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم (التوجه الديمقراطي)، أن قطاع التعليم في المغرب يعاني من أزمة بنيوية عميقة، رغم البرامج والإصلاحات المتتالية التي أُطلقت منذ عقود بهدف النهوض بالمنظومة التعليمية.
وأكد غميمط، في حديث لموقع “شفاف”، أن الجهود والإصلاحات المبذولة لم تحقق أهدافها المعلنة، بل أسهمت في تعميق التحديات البنيوية التي تواجه القطاع.
وأوضح المتحدث، رغم إدراك المسؤولين للمشاكل التي يقبع فيها القطاع، إلا أنهم لم يقابلوها بسياسات شاملة وجريئة، بل اقتصروا على حلول ظرفية أظهرت محدودية تأثيرها على أرض الواقع.
♦تأثير المؤسسات المالية الدولية على قطاع التعليم
وأشار غميمط إلى أن جزءًا كبيرًا من أزمة التعليم في المغرب مرتبط بتأثير المؤسسات المالية الدولية، وعلى رأسها البنك الدولي، التي فرضت على المغرب خيارات ليبرالية تُعزز من خصخصة القطاع وتُضعف الاستثمار في المدرسة العمومية.
وأكد أن هذه التوجهات، التي تتجاهل الخصوصيات الوطنية واحتياجات المجتمع، أدت إلى تعميق الفوارق الاجتماعية وتهميش الفئات الأكثر هشاشة، مما انعكس سلبًا على العدالة الاجتماعية والتعليمية في البلاد.
وقال غميمط إن اعتماد الدولة على توصيات البنك الدولي أضر بجوهر العملية التعليمية، حيث تُركز هذه التوصيات على الخصخصة والتقليص من الإنفاق العمومي بدل الاستثمار في إصلاح عميق وشامل يعالج جذور الأزمات.
وأوضح أن هذا التوجه يُبعد التعليم العمومي عن دوره الرئيسي كحاضنة أساسية لأبناء الشعب المغربي، ويُكرس فوارق طبقية كبيرة تجعل التعليم الجيد حكرًا على الطبقات الميسورة.
وأبان كذلك أن هذه السياسات تضرب الموقع الاعتباري لنساء ورجال التعليم وتعمل على إضعاف وضعيتهم الاجتماعية والمادية ، وتقويض دورهم داخل المؤسسة التعليمية وجعله دورا تقنيا.
♦غياب الحكامة والمحاسبة يضعف الثقة في الإصلاحات
تطرق الكاتب العام إلى غياب الحكامة وضعف آليات المحاسبة في تدبير قطاع التعليم، مشيرًا إلى أن ميزانيات ضخمة خُصصت لبرامج مثل “البرنامج الاستعجالي”، الذي كلف الدولة 43 مليار درهم، لم تُترجم إلى نتائج ملموسة.
وأضاف المتحدث أن تقارير وطنية ودولية كشفت عن اختلالات كبيرة في تنفيذ هذا البرنامج، دون أن تتم محاسبة المسؤولين عن هذه الإخفاقات.
الحصيلة المرحلية لحكومة أخنوش.. ماذا تحقق وهل فعلا وفت الحكومة بوعودها الانتخابية؟
كما أشار غميمط إلى برنامج “المدرسة الرائدة”، الذي أُطلق بميزانية تُقدر بـ10 مليارات درهم، حيث اعتبر أن هذا المشروع يعاني من غياب التأييد داخل الأوساط التربوية.
وأوضح أن التباين في الآراء حول جدوى هذا البرنامج يعكس غياب رؤية واضحة وشاملة للإصلاح، مما يثير تساؤلات حول فعاليته.
وأضاف أن الأسر والأساتذة أبدوا تحفظات كبيرة بشأن تأثير المشروع على جودة التعلمات، مما يستدعي إعادة النظر في أهدافه وآليات تنفيذه.
♦دعوة إلى حوار وطني شامل وإصلاح جذري
شدد غميمط على أن التعليم في المغرب لا يمكن إصلاحه دون حوار وطني شامل يُشرك جميع الأطراف المعنية، بمن فيهم الأساتذة، المفتشون، الأسر، والخبراء.
وأورد المتحدث أن تجاوز الأزمة يتطلب القطع مع السياسات المستوردة التي أثبتت محدوديتها، مع التركيز على تمكين الأطر الوطنية من صياغة سياسات تعليمية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المغرب واحتياجاته.
وأكد غميمط أن أي إصلاح جاد للمنظومة التعليمية يجب أن يرتكز على ثلاث ركائز أساسية تتمثل في ضمان التمويل الكافي والمستدام، وتحسين الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتوفير بيئة تعليمية عادلة وشاملة تُلبي تطلعات جميع المغاربة.
في حوار مع شفاف .. الخبير التربوي “عبد الناصر ناجي” يُقيم فرص نجاح سعد برّادة على رأس وزارة التعليم
كما أبان كذلك أن التعليم ليس مجرد قطاع تقني أو إداري، بل هو شأن مجتمعي يتطلب إشراكًا واسعًا لجميع الفاعلين لإيجاد حلول حقيقية للأزمات الحالية.
♦مستقبل التعليم في المغرب رهن بإرادة سياسية قوية
وفي الأخير أكد غميمط على أن مستقبل التعليم في المغرب يعتمد على إرادة سياسية قوية قادرة على اتخاذ قرارات جذرية تعيد بناء الثقة في المدرسة العمومية.
ودعا الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها في إصلاح القطاع، والقطع مع السياسات التي أثبتت فشلها، مع التركيز على تقديم تعليم جيد ومتاح للجميع، بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
وشدد المتحدث على أن التقدم الحقيقي للمغرب لن يتحقق إلا بإصلاح شامل للمنظومة التعليمية، يستجيب لتطلعات الشعب ويضع مصلحة الأجيال القادمة فوق كل الاعتبارات.
في اليوم العالمي للمُدرس.. ماهي أهم التحديات التي تواجه الأساتذة والمنظومة التعليمية بالمغرب؟
أما بخصوص استمرارية السياسات التعليمية مع الوزير الحالي، الذي جاء خلفًا لشكيب بنموسى، أظهر المتحدث، على أن الأخير حافظ على نفس النهج السياسي والاختيارات التي طُبقت في السابق، حيث صرّح بأنه مستمر في تنفيذ الأوراش التي أُطلقت في عهد الوزير السابق، وعلى رأسها “برنامج المدرسة الرائدة”.
وهذا التوجه، وفق غميمط، يعكس بحسب الملاحظين، غياب أي رؤية جديدة للتغيير أو لإحداث إصلاح جوهري، إذ ينتمي الوزير الحالي إلى نفس المدرسة السياسية التي تقود التحالف الحكومي.