في ظل التحولات العميقة التي يشهدها قطاع التعليم بالمغرب، أصدر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تقريرًا جديدًا بعنوان “المدرسة الجديدة: تعاقد مجتمعي جديد من أجل التربية والتكوين”؟
ويهدف التقرير إلى وضع أسس جديدة للإصلاح التربوي الشامل، وفق رؤية استراتيجية تمتد إلى عام 2030.
ويأتي هذا التقرير استكمالًا لتنزيل الرؤية الاستراتيجية للإصلاح (2015-2030) التي تبناها المغرب، والتي تسعى إلى إعادة هيكلة المدرسة المغربية لتكون أكثر إنصافًا وفاعلية، من خلال إرساء نموذج تربوي حديث يواكب المستجدات العالمية في مجالات التعليم والتكوين.
يشدد التقرير على ضرورة تبني نهج جريء في معالجة القضايا التربوية، وهو ما أكد عليه النموذج التنموي الجديد الذي دعا إلى تعزيز الرأسمال البشري عبر إصلاح جوهري وعميق في منظومة التربية والتكوين.
ويتوزع التقرير على سبع رهانات كبرى، تتعلق بتحديث المناهج الدراسية، وتعزيز الاستقلالية الإدارية للمؤسسات التعليمية، وتطوير الحكامة الجيدة، إضافةً إلى تعزيز انخراط المجتمع المحلي في دعم المدرسة، والتكامل بين مكونات المنظومة التربوية.
ويؤكد التقرير أن المدرسة المغربية بحاجة إلى تحول جذري يجعل منها مؤسسة قائمة الذات، تتحمل مسؤوليتها في التكوين والتأطير، بدلًا من أن تكون مجرد فضاء للتلقين التقليدي.
ودعا التقرير إلى إعادة النظر في النموذج البيداغوجي المعتمد، وضرورة اعتماد مناهج أكثر ارتباطًا بسوق الشغل ومتطلبات التنمية المستدامة.
كما يركز التقرير على أهمية إحداث “مدرسة منفتحة على المجتمع”، بحيث تكون جزءًا من النسيج السوسيو-اقتصادي، عبر إشراك الجماعات الترابية والقطاع الخاص ومختلف الفاعلين في تدبير الشأن التعليمي.
ويطرح التقرير نموذجًا حديثًا للحكامة التربوية، يقوم على إرساء استقلالية ذاتية للمؤسسات التعليمية، وإعطائها حرية أكبر في تدبير شؤونها الإدارية والتربوية، بعيدًا عن البيروقراطية المركزية التي تعيق تطورها.
كما يقترح تعزيز الثقافة التشاركية والتعاون داخل المنظومة التربوية، بحيث تصبح المؤسسات التعليمية أكثر دينامية، وتتجاوز وضعية “تنفيذ التعليمات” إلى نماذج تدبيرية حديثة تعتمد على الابتكار والتجريب.
ويشير التقرير إلى أن التعليم المهني والتعليم العالي يعانيان من انفصال هيكلي يجعل الانتقال بينهما صعبًا، ما يؤثر سلبًا على اندماج الشباب في سوق العمل.
واقترح المجلس وضع آليات جديدة لتعزيز التكامل بين مختلف المسارات التعليمية، وإحداث جسور بين التكوين المهني والتعليم العام، بما يسمح بتنقل سلس للطلبة بين مختلف المستويات.
ويخلص التقرير إلى أن إصلاح المنظومة التعليمية يتطلب إرادة سياسية قوية، ومواكبة مجتمعية مستدامة. وصيا بضرورة التخلي عن الهياكل الجامدة التي تعرقل تطوير التعليم، واعتماد نموذج جديد أكثر مرونة وانفتاحًا.
وفي هذا السياق، دعا المجلس الأعلى للتربية والتكوين إلى ضرورة تنسيق السياسات العمومية المرتبطة بالتعليم، وتعزيز التقاء البرامج الإصلاحية المختلفة، لتجنب التداخل والازدواجية، وضمان تنفيذ سلس ومستدام للأهداف المسطرة في الرؤية الاستراتيجية.
كما اعتبر المجلس الأعلى للتربية والتكوين تقرير “المدرسة الجديدة: تعاقد مجتمعي جديد من أجل التربية والتكوين” خطوة مهمة في مسار إصلاح التعليم بالمغرب، حيث يعكس الحاجة الملحة إلى نموذج تعليمي جديد يستجيب لمتطلبات التنمية، ويضمن تكافؤ الفرص، ويؤهل الأجيال الصاعدة لمواجهة تحديات المستقبل.
ويبقى التحدي الأكبر، وفق المصدر ذاته، هو ترجمة هذه التوصيات إلى سياسات فعلية وإجراءات ملموسة على أرض الواقع، بما يضمن تحقيق الأهداف الطموحة التي سطرتها الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التربوي.