انتهى صناع السلسلة التاريخية “مسك الليل”، مؤخرا، من تصوير حلقاته الأربعة، وذلك بعد شهور طويلة من التأجيل بسبب الالتزامات المهنية المتعلقة بأبطال العمل.
والسلسلة التاريخية “مسك الليل” تتمركز أحداثها حول شاب يسمى ” اليزيد”، الذي يعتبر من ورثة حكام مدينة سلا في القرن 17، والأخير وقع في حب فتاة تسمى بـ “الغالية”، الأمر الذي لم يعجب عمه نتيجة رغبته في تزويجه ابنته “جوهرة” لوضعه تحت سيطرته.
وتتسارع أحداث السلسلة التاريخية ويطرد عم “اليزيد” الغالية وعائلتها من مدينة سلا، لكن الأخيرة تعود إلى الظهور مجددا وهي فاقدة للذاكرة وتعمل كجارية في قصر “اليزيد” تحت مسمى “مسك”.
وفي هذا الصدد حاورت جريدة “شفاف”، المخرج هشام الجباري، بخصوص السلسلة التاريخية “مسك الليل”، وسائلته عن العوائق التي واجهها العمل أثناء الكتابة والتصوير بالإضافة إلى الأسماء المشاركة فيه.
س: المخرج هشام الجباري، قربنا من السلسلة التاريخية “مسك الليل”، ومن الممثلين الذين شخصوا العمل؟
ج: أولا، السلسلة التاريخية “مسك الليل”، هي سلسلة قصيرة تتكون من أربع حلقات، مدة كل حلقة من العمل ساعة من الزمن، وهذا الإنتاج لصالح القناة الثانية M2، الذي ستعرضه في رمضان المقبل.
كما أن عمل “مسك الليل” يعتبر من الأعمال التراثية التاريخية التَّخيلية، وهو كذلك من تأليف مريم الدريسي، وإنتاج القناة الثانية، بالإضافة إلى ذلك فالعمل تم تصويره بين مدينتي سلا والرباط والنواحي.
والسلسلة كذلك من تشخيص مجموعة من الممثلين الشباب هم، “حنان الخضر”، و”سعد موفق”، و”مهدي فولان”، و”أيوب أبو النصر”، و”غيثة بنحيون”، و”فاتي جمالي”، و”فريال اليازيدي”، و”فاطمة بوجو”، و”محمد باجيو”، و”محمد متوكل”، ومجموعة من الأسماء الفنية الأخرى.
كما أن الفريق الذي يشتغل حاليا على “مسك الليل” هو نفسه الذي اشتغلت معه في السلسلة التاريخية “زهر الباتول”، وهذا ما يضفي لمسة من التكامل على العمل، زد عليها أن هذه السلسلة تعتبر ثالث تجربة لي في الأعمال التاريخية التراثية التخيلية بعد “زهر الباتول” وأسرار الليل”.
س: من أين جاءت فكرة تجسيد تاريخ القرصة بمدينة سلا في سلسلة “مسك الليل”؟
ج: تجسيد تاريخ القرصنة الذي اشتهرت به مدينة سلا في القرن 17 برز بعد السلسلة التاريخية “زهر الباتول”، حيث تم الاشتغال عليها بمعية مريم الدريسي وارتأينا بأن نهتم بمدينة أخرى بعيدا عن الجنوب المغربي، حيث رست اختياراتنا بداية على مدينتي فاس وسلا.
واستقر رأينا بعدها أنا والكاتبة مريم الدريسي على مدينة سلا لأنه نادرا ما تم تناول تاريخها في الأعمال التلفزيونية مقارنة بالمدن التاريخية الأخرى للمملكة، خصوصا أن تاريخها يٌظهر مدى قُوتها وتَحضُّرها والتهديد الذي كانت تُشكله على السفن التجارية القادمة من أوروبا والأمريكيتين.
ومدينة سلا كذلك في القرن 17 تعتبر من المدن المتقدمة جدا، والهوية الثقافية والتراثية للمغرب كانت حاضرة فيها بشكل قوي في تلك المرحلة، وبالتالي حاولنا في هذا العمل تقديم نظرة تقريبية تخَيلية عن تلك الفترة في حدود الإمكانيات المتوفرة لنا.
أما قصة السلسة فهي تخَيلية محضة، بحيث لم نتحدث عن شخصيات حقيقة برزت في تلك الفترة، وإنما عملنا على تَخَيُّل قصة حب دارت وقائعها في تلك المرحلة المهمة من تاريخ المملكة.
س: هل سلسلة “مسك الليل” تاريخية محضة أم تم إضفاء لمسة درامية عليها؟
ج: أولا، إضفاء اللمسة الدرامية ضرورية في هذا العمل، لكن نتمنى مستقبلا أن تتاح لنا الفرصة لإنتاج وإخراج أعمال تاريخية محضة تتحدث عن حقبة زمنية معينة من تاريخ المملكة، خصوصا أن المغرب يزخر بتاريخ جد متنوع ومختلف ويمكن تناول كل حقبة على حدى في عمل فني معين، وتعريف المتفرج المغربي والمشرقي ولما لا الأجنبي عبر لمسات فنية بتاريخ وأمجاد وخيبات تلك الفترة الزمنية، وبالتالي جعل الجمهور متعطش لمثل هذه الأعمال مستقبلا.
ونقل الواقع مثلما حدث في تلك الحقب يتطلب إمكانيات هائلة تتمثل في استوديوهات كبرى تحاكي تلك الفترة الزمنية، في حين نحن في المملكة لازلنا حاليا نقوم بمعالجة درامية فقط لبعض القصص التراثية في ضل غياب الإمكانيات.
س: في نظركم أيهما أفضل لتسويق السلسلة التاريخية “مسك الليل” داخل المغرب وخارجه، هل اللغة العربية الفصحى أم الدارجة؟ ولماذا؟
ج: أعتقد، أن انتشار أي سلسلة تاريخية مغربية خارج المملكة من الضروري اعتماد اللغة العربية الفصحى فيها، لكن مرحليا لا زلنا نبحث على نمط خاص بالدراما والتاريخ المغربي، كما أننا لا زلنا في مرحلة اكتشاف تاريخينا ونحاول بالمتوفر كسب الجمهور في الداخل أولا.
زد على ذلك فالقنوات المغربية لازالت إلى حدود اليوم ليست لها الجرأة في إنتاج سلسلة تاريخية مكونة من 30 حلقة أو أعمال مطولة، وذلك لكون الأخيرة تتطلب الكثير من الإمكانيات.
لهذا، نرى أن التجريب يبدأ أولا مع السلسلات التاريخية القصيرة لكسب وجلب المشاهد المغربي، لكن هذا لا يمنع المرور إلى الخطوة الثانية، والقنوات لابد لها من تقديم إمكانيات أكثر، خصوصا أن تاريخ المملكة كبير ومتنوع ويمكن أن نقتبس منه قصص تخَيلية أو نقل الواقع كما كان، وبالتالي منافسة أكبر للأعمال العربية التاريخية وحتى الدولية.
وفي حالة توفر الإمكانيات المطلوبة، فهذا سيمنحنا فرصة نحن كمخرجين وكتاب من الاشتغال على قصص مأخوذة من التاريخ المغربي والعمل على نقل المرحلة بحذافيرها، وكذا الاشتغال باللغة العربية الفصحى أو بالدارجة، ولما لا القيام بنسختين مثلا ومن خلالهما إعطاء تعريف قوي للتاريخ المغربي لدى المتفرج داخل وخارج البلاد.
س: ما هي العوائق التي واجهتكم خلال كتابة وتصوير السلسلة؟
ج: العوائق التي يمكن أن تواجه أي عمل فني هو الاشتغال في حدود الإمكانيات الممنوحة له، لا على مستوى الكتابة بحيث نحاول عدم الغوص في المعارك والمسائل التي تتطلب إمكانيات هائلة في التصوير، والتي لن تستطيع الشركة المنتجة القيام بها، عكس الدول التي لها إنتاجات ضخمة في هذا الإطار بالإضافة إلى جمهور يستهلك مثل هذه الأعمال.
وأمام الموجود نحاول جعل الكتابة محدودة في القصص الرومنسية الجميلة والمثيرة للمتلقي وفي الوقت نفسه نعمل على جعلها واضحة له.
وبما أننا في المغرب لا نشتغل في استوديوهات خاصة خلال التصوير، فالعمل في ضل هذه الظروف دائما ما يكون جد صعب في مثل هذه الأعمال، خصوصا أثناء الليل، لأنه يتطلب إمكانيات أكبر من إضاءة وغيرها، وهذه المسائل دائما ما تَفرض على المخرج تجنبها لكوننا لازلنا نصور في فضاءات غير مخصصة لمثل تلك المشاهد، وبالتالي إما تجنب ذلك أو العمل عليها في مرحلة ما بعد الإنتاج، وهذا يتطلب وقت وجهد وإمكانيات كبيرة، ولكن نحاول ما أمكن قدر المستطاع أن نقدم عملا جيدا في انتظار أن يكون للمغرب مستقبلا مراكز للتصوير تسهل العمل على مثل تلك الإنتاجات الضخمة.
س: ألا تتخوفون من فشل العمل أم أن لكم ثقة في شغف الجمهور المغربي بمثل هذه الأعمال؟
ج: أولا، لا نفكر بأن يكون العمل ناجحا أم لا، وذلك لكون لنا أعمال من هذا القبيل التي لقيت نجاحا وإقبالا كبيرا من قبل المتفرج، إضافة إلى ذلك فالجمهور المغربي أصبحت ميولاته اليوم تتجه نحو الأعمال التاريخية.
كما أن المغاربة اليوم يحبذون رؤية ممثليهم المفضلين يشخصون أدوارا مأخوذة من تاريخهم، وهذا جعلني أتعجب وأتساءل عن السبب الذي يجعل القنوات التلفزيونية لا تغامر بإنتاج مسلسلات تاريخية رغم الإقبال الكبير عليها.
كما لا أعتقد أن العمل سيفشل، وسيلقى النجاح الذي يستحقه والجمهور الذي يريده، وذلك لسبب بسيط هو أنه أنجز بكل حب ومهنية وإرادة كبيرة وقوية من طاقم العمل، زد عليها أن الطاقم الفني والتقني له خبرة كبيرة في هذا المجال ولا يمكن لأناملهم إلا أن تقدم عملا متكاملا ومميزا للجمهور المغربي.
س: هل الاهتمام بالكتابات التاريخية وتجسيدها والإقبال الكبير عليها من قبل المتلقي المغربي قد تدفع المنتجين نحو تمويل مثل هذه الأعمال؟
ج: ممكن، لكن في حالة ما أقدمت القنوات العمومية والخاصة في المملكة على تمويل مثل هذه الأعمال وفتحت الباب لها، فإن هذا الأمر سينتقل إلى المسرح وسيمكننا من إنتاج مسرحيات تاريخية قوية جدا وبديكورات مهمة، ومستقبلا يمكن هذا أن يصل إلى السنيما، ووقتها المشاهد سيصبح متعطش لأعمال فنية قوية وسيبحث بنفسه عنها.
وفي الأخير، نترقب بفارغ الصبر بلوغ ذلك المستوى الكبير في الإنتاج قريبا في البلاد، وفي انتظار أن يصبح الحلم حقيقة أتمنى أن تروق سلسلة “مسك الليل” المغاربة وتلقى استحسانهم بالإضافة إلى القصة التي تتناولها.