طغت قضية إعادة النظر في مضامين مدونة الأسرة على النقاشات السياسية والمجتمعية في المغرب، طيلة الأشهر التي تلت عمل الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة والتي سلمت مؤخرا لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، التقرير النهائي للتعديلات المقترحة ، قصد رفعه إلى الملك محمد السادس.
وأثارت خطوة التعديلات في مدونة الأسرة جدلا واسعا لدى الشارع المغربي، حيث انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض لتعديل المدونة.
محمد المو محامي بهيئة الرباط وناشط حقوقي، ومستشار قانوني ومحاضر في مجال حقوق الإنساني، يقول إن التعديلات التي يتناولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي لم تصدر عن جهة رسمية علما أن اللجنة المكلفة بالتعديلات لم يصدر عنها أي تصريح بخصوص طبيعة المقترحات التي قدمتها للملك .
واعتبر المحامي بهيئة الرباط، أن ارتسامات الشارع المغربي بخصوص التعديلات القانونية التي ستجرى على مدونة الأسرة تعبر عن انشغالات الموطن وتعكس مخاوفه من الناحية القانونية والاجتماعية والمقتضيات التي يتعين على اللجنة إصلاحها.
وأبرز المتحدث ذاته، أن النقاش الدائر على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص مدونة الأسرة نوعان، الأول يتعلق بالنقاش الجاد المرتبط بما هو فكري وقانوني وينخرط فيه مجموعة من الأطراف التي لها دراية بمدونة الأسرة وبالقانون، فيما النقاش الثاني مرتبط بأناس يتهكمون على المدونة ويسخرون منها ومن العلاقة بين الجنسين ومن مؤسسة الزواج، وهذا يعكس النفسية وعقلية المغاربة الذين هم في حاجة لمدونة الأسرة وفي نفس الوقت تعبر على فشل مدونة الأسرة في تدبير النزاعات الأسرية.
وحسب رأي محمد ألمو، فمدونة الأسرة اليوم في أزمة لأنها لم تستطع حل النزاعات الأسرية، لعدة عيوب كثيرة موجودة في النص القانوني، خصوصا أن النقاش الدائر في مواقع التواصل الاجتماعي يتمحور حول الأموال وتدبيرها ومكتسبات الحياة الزوجية وإنهاء العلاقات الزوجية.
وأفاد الناشط الحقوقي، أن هناك بعض المقتضيات تتطلب التعديل في أقرب وقت وهي اقتسام الممتلكات في حالة الطلاق، حيث وجب وضع نظام قانوني واضح ومضبوط وخارطة طريق لكيفية تدبير الأموال المنشأة أثناء الحياة الزوجية. موضحا إذا أراد المشرع حل تلك المشاكل وجب عليه أن يعتمد على ثقافة التعاقد المسبق.
واعتبر المحامي بهيئة الرباط، أن هذه الأمور لن تتأتى إلا بإعادة النظر في وثيقة عقد الزواج وتحويلها من وثيقة نمطية إلى وثيقة شكلية تقنية، بمعنى عقد الزواج يتضمن مجموعة من البنود والالتزامات التي ستأطر الحياة الزوجية وتضبط النزاعات التي يمكن أن تثار خلال فترة الزواج.
كما أن المادة 49 من قانون مدونة الأسرة، حسب المتحدث ذاته، أثبتت فشلها في تدبير المسائل المالية بين الزوجين، بمعنى جيب أن تصبح وثيقة تدبير الأموال إلزامية، مع إعادة النظر في وثيقة عقد الزواج بجعلها إطارا مرجعيا في التعاقد الموسع ومن مختلف الالتزامات بين الزوجين ( السكن، العمل، تدريس الأطفال، تعدد الزوجات…).
وأضاف المستشار القانوني والمحاضر في مجال حقوق الإنساني، على المدونة الجديد أن تمنع تعدد الزوجات، وتعيد النظر في مسالة الاعتراف بنسب الأبناء الذين ولدوا خارج إطار الزواج، حيث المدونة الحالية لاتسمح لهم في حقهم في النسب أو الإرث.
كما أن مسالة الإرث بالتعصيب، حسب المحامي ذاته، يجب إعادة النظر فيها هي كذلك، لأن في حالة وفاة الأب وترك أبناء إناث يرث معهم الإخوة وأبناء عمومته، بالإضافة إلى تقييد مسألة فوضوية إنهاء العلاقة الزوجية.
وزاد المتحدث ذاته، أن مسالة نفقة الأبناء في المدونة الحالية أبانت عن تضارب وفوضي في تحديد واجبات وحقوق الأبناء، مطالبا بتقييد السلطة التقديرية للقاضي بخصوص نفقة الأبناء وتحديد واجبات الأبناء وذلك بوضع معايير تقنية وموضوعية ومحسباتية يتم الاستناد إليها في تحديد واجبات الأبناء بناء على وضعهم المعيشي.
كما دعا محمد ألمو، إلى حذف المفاهيم والصيغ الماسة بكرامة المرأة، ومنع تزويج القاصرات، بالإضافة إلى وضع مقتضيات قانونية تتعزز وتحافظ على استقرار الأسرة، لأن الهاجس الأكبر من المدونة المنتظرة أن تعمل على القطع مع انهيار الأسر وتفكك الأسر، وبالتالي المقتضيات القانونية تعمل على تعزيز مسالة الحفاظ على الأسرة.
وطالب المتحدث ذاته، بحذف مسطرة الصلح التي تقام على مستوى المحاكم وتصبح مسطرة مستقلة تسمى بالوساطة الأسرية يعهد بها لمؤسسات خاصة ومتخصصة تقوم بهاته المهام بين الزوجين خارج بناية المحاكم وقبل مباشرة دعوة الطلاق.
كما أن منح الولاية على الأبناء حسب المتحدث ذاته، يجب أن تسند للأبويين معا وتحت إشراف القضاء الذي يتولى مهام مراقبة تدبير أمور الأطفال وأن يتدخل في حالة أي تتعارض مع المصالح الفضلى للأبناء.
وفي السياق ذاته، يرى المتحدث ذاته، أن مدونة الأسرة يجب من حيث المرجعية أو الوعاء المرجعي أن تنفتح على مصادر التشريع الأخرى وإنزال المدونة من برجها الديني العالي إلى الأرض لتكون مقتضياتها الزمنية تنظم وقائع العلاقات الأسرية المغربية الحالية.
كما أن الاعتماد على المنظور الفقهي وحده، حسب المتحدث ذاته، غير كافي حيث يجب الانفتاح على الأعراف المحلية والوطنية والأمازيغية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والتجارب والقوانين المقارنة لبعض الدول، والانفتاح على المرجعيات الأخرى لبعض الدول مثل تونس التي تعتبر مثال جيد للاحتذاء به.
والفصل 49، حسب الفاعل الحقوقي، ليس له أي مرجعية في الفقه الإسلامي، حيث لايوجد أي نص قرآني يثبت أن المرأة يجب ان تأخذ نصيبها في التركة في حالة الطلاق، بالعكس يوم كانت الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التيار الديني في المغرب برئاسة حزب العدالة والتنمية والحركات الدعوية التي كانت تعتبر اقتسام الممتلكات أكل أموال الناس بالباطل، فيما الفصل 49 هو نتاج القوانين العرفية الأمازيغية الذي هو نظام تمزانت الذي يوجد في الجنوب الشرقي في المغرب
واستطرد محمد ألمو، يجب الانفتاح على أعراف أخرى في المغرب وعلى الخصوصيات الوطنية، مثل زواج المؤزرة الذي كان في الشعوب القديمة، خصوصا إذا عدنا للقرآن الكريم فموسى عليه السلام تزوج ابنة شعيب بهذه الطريقة بمعنى أن الرجل يدخل على المرأة وصداقها أن يعمل مع أهليها لفترة زمنية معينة.