لايزال قطاع النقل الطرقي يتخبط في عديد المشاكل على مستوى تدبيره وهيكلته، والتي تفاقمت مع فترة الجائحة “كوفيد-19″، لتعود للبروز مرة أخرى مع أزمة ارتفاع أسعار المحروقات، وكذلك بفرض بطاقة السائق المهني وفق صيغة وآلية لم تلقى قبولا لدى عديد من المهنيين، وفق ما استطلعته جريدة “شفاف”.
ومن أجل معرفة ما يدور في فلك قطاع النقل الطرقي بالمغرب، حاورت جريدة “شفاف”، أحد الأسماء البارزة منذ عقود في المنظمات التمثيلية للمهنيين بهذا القطاع، ألا وهو مصطفى الكيحل، الكاتب الوطني للنقل الطرقي بالمغرب للاتحاد الديمقراطي المغربي للشغل، والذي زامن في مهامه النقابية عديد الحكومات بداية من حكومة الراحل عبد الرحمن اليوسفي، ولا زال في الطريق ذاته ليومنا هذا.
في المرحلة الأخيرة مهنيو قطاع النقل نظموا وقفات عديدة؛ فما الأسباب؟
كل ذلك بسبب الخلاف الواقع ما بين المهنيين من جانب، ووزير النقل واللوجستيك والحكومة من جهة أخرى، والتي لم تلتزم بحقٍ لنا تم التنصيص عليه في محضر اتفاق منذ 2009، فالالتزام بالبطاقة المهنية يقابلها ضمانات تتعلق بالجانب الاجتماعي، التي لا تخص فقط الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي، بل التغطية الصحية المجانية والسكن وعديد الامتيازات الأخرى المتفق عليها، والتي لم نرى منها شيئا بالرغم من توالي الحكومات.
وهنا أتساءل لماذا ستفرض البطاقة المهنية وأنت لم تمنح السائق حقوقه التي صادقت عليها، وعلى رأسها الولوج للخدمات الاجتماعية المنصوص عليها في الاتفاق المذكور، لذلك وجب على وزارة النقل واللوجستيك اليوم الوفاء بهذا الأمر أولا قبل أن تشترط على المهنيين الحصول على بطاقة السائق المهني لاستمرار السائقين في ممارسة عملهم، وحصر ذلك في مدة معينة قصيرة.
ارتباطا بما سبق، لماذا هناك عدم رضى من المهنيين عن الصيغة أو الآلية التي يتم بها تكوينهم للحصول على البطاقة المهنية؟
من الإشكاليات التي تواجه المهنيين هي أن مدارس تعليم السياقة الخصوصية ساومتهم من أجل وضع ملفاتهم لديها، إذ طالبتهم بمبلغ 300 درهم، علما أن التكوين للحصول على بطاقة السياقة المهنية مجاني بشكل كامل، وفق ما أعلنت عنه الوزارة الوصية، والتي أكدت أنها هي من ستتكفل بكافة المصاريف المتعلقة بذلك.
وللأسف كان الأولى بوزارة النقل واللوجستيك أن تنظم حصرا هذا التكوين بالمراكز التابعة لها على الصعيد الوطني، وبمؤسسات مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل تفاديا لهاته المشاكل، التي من بينها أن التكوين بالمدارس الخصوصية للسياقة وفق ما تلقيناه من المهنيين لم يكن بالمستوى المطلوب، وأن المستفيدين لم يضف لرصيدهم المعرفي أو المهني أي جديد، واقتصر الأمر فقط على الحصول على تلك البطاقة المهنية.
هل لدى الوزارة الوصية علم بمساومة مدارس تعليم السياقة الخصوصية للسائقين المهنيين؟
بالفعل لها علم، فالعديد من السائقين المهنيين الممارسين لجؤوا إلى المديريات الإقليمية للنقل واللوجستيك، لاستفسار حول قانونية فرض المدارس الخصوصية لتعليم السياقة عليهم لأداءات من أجل وضع ملفاتهم لديها، ليتفاجؤوا بدعوتهم من طرف المسؤولين من أجل الانتظار في حالة رغبوا في اجتياز هذا التدريب بمراكز التكوين المهني.
وللأسف كان الأولى على الوزارة بشراكة مع مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل توفير مراكز للتكوين بمختلف مناطق المملكة، إذ لا يمكن لعدد من السائقين أن يقطعوا مئات الكيلومترات لاجتياز هذا التكوين، إضافة لإشراك التنظيمات المهنية لتدارس كيفية القيام بهذا التكوين على مستوى الشكل والصيغة، بما فيها تحديد الأزمنة الخاص به.
والكل يعلم أن السائق المهني عمله مرتبط بالزمن فلا يمكنه التوقف لأيام من أجل اجتياز هذا التكوين، لأنه قد يخاطر ويفقد مصدر رزقه، وأن عديد المهنيين ذهبوا لاجتياز هذا التكوين تحت الترهيب والتخويف، كون أن الوزارة أبرزت في قرارها بأنها ستنزل ذعائر عمن لم يتحصل أو يجدد البطاقة خلال المدة المحددة من طرفها، والتي سيتواصل تمديدها من طرف المسؤولين كل مرة، كون أن العملية برمتها غير منظمة بالشكل المطلوب.
يمكن القول إن هذه عملية ضغط وقمع على السائقين بمختلف فئاتهم بما فيها نقل البضائع ونقل المسافرين، لأنه لا يعقل على وزارة النقل واللوجستيك من أجل تغيير ورقة، أن تفرض كل هذه الإجراءات غير المدروسة، وخاصة مسألة التكوين التي لا نتائج لها على أرض الواقع، وما يزيد الطين بلة هو إشراك المدارس الخصوصية في هذه العملية، والتي غرضها الوحيد ومن حقها هو الكسب المادي لا أقل ولا أكثر.
ما الحلول الممكنة لهذا الإشكال وفق نظركم؟
هنا أتساءل بدوري؛ لماذا لا تقوم وزارة النقل واللوجستيك بتوقيع اتفاقية مع وزارة الداخلية لاستغلال مراكز المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟ والتي تتواجد على المستوى الوطني وتغطي كافة تراب المملكة، وهو ما ستكون له منافع لا على الوزارة الوصية أو المهنيين، بدل أن تكون الفئة الأخيرة عرضة لمساومات الخواص، وهو ما سيجعل هذا التكوين مجانيا فعلا، وكذلك سنخفض من ميزانية هذه العملية في ظل الأزمة الواقعة.
وهذه العملية فيها هدر للمال العام، ولذلك يجب التركيز على هذا الأمر ومعالجة الشوائب الحاصلة وتدارك ومراجعة بعض المسائل قبل فوات الآوان، فالدولة اليوم في حاجة لترشيد نفقاتها والبحث عن النجاعة والفعالية في البرامج التي تقوم بوضعها، والتي من بينها تأهيل السائق المهني.
وكممثلين للسائقين المهنيين طرحنا هذه الأمور في اجتماعاتنا مع مسؤولي وزارة النقل واللوجستيك، لكن لم نلقى تفاعلنا مع مقترحاتنا، والتي ركزنا فيها على تأهيل العنصر البشري بالشكل المطلوب، والحرص على عدم هدر المال العام في أمور ليس لها نتائج على الميدان.
وفق عدد من الخبراء؛ جل من قاد قطاع النقل في الحكومات المتعاقبة فشل في معالجة إشكالياته؟
منذ حكومة التناوب سنة 1988 وأن مداوم على الحضور في الاجتماعات التي بين المهنيين والمسؤولين عن قطاع النقل بالحكومة، وتعاملت مع عدد من الوزراء، وأجزم لك أن أي وزير يأتي يجد أمامه كارثة، فيكتفي بمسايرة الأمور إلى حين أن تنتهي ولايته، بدل قيامه بالقطيعة مع الاختلالات الموجودة، وخير دليل اليوم هو مسألة البطاقة المهنية.
وهنا أطالب رئيس الحكومة ووزير النقل واللوجستيك بعرض ما تحقق من اتفاقية يونيو 2009، لأن القطاع لن يتم تأهيله في حالة مواصلة العمل بهذا الشكل، الذي يعتمد على عدم وفاء المسؤولين بما تم الاتفاق عليه مع المهنيين.
والضرورة اليوم ملحة لقانون مؤطر لكافة أنماط النقل، والذي يفرض أن يكون المهنيين جزءًا منه، بإشراكهم في النقاش حوله وأبرز ما يجب أن يتضمنه، لأن مناقشة أحزاب الأغلبية والمعارضة له غير كافي في هذا الإطار، لأن هذه المسألة يطغى عليها الطابع السياسي عوض المصلحة العامة، وهو ما أضاع على المهنيين عديد الفرص من أجل النهوض بهذا القطاع.
والمثال على الارتجالية في عمل وزارة النقل واللوجستيك هو إقصاء عدد من فئات النقل من الدعم الاستثنائي، المخصص جراء ارتفاع أسعار المحروقات، إضافة لعديد الإشكالات المرتبطة بهذه العملية على مستوى تحديد القيمة المالية في كل دفعة، إضافة لمشاكل أخرى كعملية النصب التي تعرضت لها الوزارة الوصية من طرف محتال بمدينة الجديدة مثلا.
ولا يعقل أن يقوم محتال بالنصب على وزارة النقل واللوجستيك، إذ عوض أن يتوصل عدد من المهنيين بالدعم، تم إرساله لحساب شخص لا صلة له بالقطاع، ما يبرز أن الوزارة الوصية دون بوابة، وهو ما يطرح أيضا التساؤل حول مدى تدقيق وزارة النقل واللوجستيك في هوية ومعلومات مهنيي النقل المعنيين بالاستفادة من دعم المحروقات.
ما طلباتكم أو اقتراحاتكم لوزارة النقل والحكومة؟
مفروض على الحكومة الحالية أن تقوم بموازنة القيمة التي كان يؤديها المهني للتزود بالمحروقات مع نسبة الارتفاع الحالي، والقياس عليه في تحديد هذا الدعم بشكل شهري، وبالتالي ستكون العملية حسابية ومنظمة من طرف وزارة الاقتصاد والمالية، ما سيضمن ألا يضر المهني.
ماذا عن مسألة دعم الغازوال المهني؟
على بعض المهنيين المحسوبين على القطاع بدل تكرار مسألة الغازوال المهني، الخروج وقول إن الأمر مرفوض من طرف الوزارة الوصية، على عكس قطاع الصيد البحري المستفيد من هذا الأمر.
وهنا السؤال موجه للحكومة حول عدم تقديمها دعم الغازوال المهني لفائدة مهنيي قطاع النقل أو على الأقل بعض فئاته، وهنا علامة استفهام كبيرة على المسؤولين الإجابة عنها، وأتمنى أن تكون الجرأة السياسية حاضرة لدى أصحاب القرار في هذا الجانب.
ونطالب بتغيير جذري ورؤية جديدة وإصلاحية جادة، وأن تقوم رئاسة الحكومة ووزراء القطاع بالنزول والاستماع للمهنيين لا انتظارنا بالصعود دائما عندهم، وبعقد لقاءات في كل المدن المغربية، وأن نرى جدية في التعامل مع الملفات والقضايا الصعبة.
كما أشير إلى أن مشاكل القطاع تفاقمت في 2020 مع فيروس “كورونا”، والتي كلفتنا أزمات اقتصادية واجتماعية، وفي هذا الإطار نتساءل عن مصير لجنة اليقظة الاقتصادية والاجتماعية التي كانت خلال ولاية رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني.