أعقبت الخرجات الإعلامية الأخيرة لعدد من الوزراء عبر مواقع التواصل الاجتماعي في إطار إبرازهم للإنجازات الخاصة بقطاعاتهم في إطار تقديم حصيلة منتصف الولاية الحكومية، حديثا واسعا بين المواطنين والمختصين في المجال السياسي، والذي ارتبط بأسباب هذه الخطوة وعلاقتها بالتعديل الحكومي المرتقب، بعدما أشار له رئيس الحكومة عزيز أخنوش في وقت سابق.
♦ دلالات “كبسولات” الحصيلة الحكومية
يرى محمد شقير، الخبير والباحث في العلوم السياسية، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن خروج عدد من وزراء الحكومة في فيديوهات قصيرة عبارة عن “كبسولات” متوجهة بالأساس للنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيما فئة الشباب منهم لا يمكن فصلها على التعديل الحكومي المرتقب خلال المرحلة الأخيرة.
وأبرز شقير أن الاهتمام بالخرجات الإعلامية الأخيرة الكثيفة لأعضاء الحكومة جاءت بعد انتقادات واسعة وحادة من طرف العديد من مكونات الرأي العام المغربي بسبب ضعف تواصلهم وندرة تواصلهم واطلاعهم للمواطنين على عدد من المستجدات والقرارات التي تهمهم بشكل مباشر كموجة الغلاء المستمرة في أسعار المواد الغذائية والمحروقات.
وأضاف أن الحكومة خلال المرحلة الحالية حاولت معالجة إشكالية ضعف تواصلها السابق مستغلة في ذلك مناسبة تقديمها لحصيلتها المرحلية، مستعينة في ذلك بمنصات التواصل الحديثة وغيرها من المؤثرات البصرية المنتشرة بتلك المواقع، والتي تبسط المعلومة للمتلقي وتقرب السياسي من المواطن العادي الذي ليس له ثقافة سياسية واسعة.
ولفت إلى أن هذه العملية انطلقت مع رئيس الحكومة عزيز أخنوش، عندما قدم الحصيلة أمام البرلمان بشكل مقنع ومغاير عن حلوله في المرات السابقة بالمؤسسة التشريعية، مشيرا إلى أنه استعان في ذلك بالبيانات المثبتة على لوحات، محاولا عدم ترك أي مساحة فراغ أو تساؤلات في تقديمه المذكور، مبرزا أنه عزز هذا الأمر من خلال إجراء مقابلة مع القنوات التلفزيونية بالقطب العمومي، ليكون بذلك قد توجه للبرلمانيين والمواطنين في موضوع واحد، وبآليات تساعد في التواصل وإيصال المعلومات والمعطيات لكل طرف منهما.
وأشار إلى أنه ما كان مؤثرا في الخرجات الإعلامية الأخيرة، هو ظهور عدد من الوزراء الذين كانوا شبه مختفين عن الإعلام والتواصل بشكل عام، كعواطف حيار، وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وغيثة مزور، وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، وفاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والحرف اليدوية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ومحمد عبد الجليل، وزير النقل واللوجستيك، مبرزا أن السبب في ذلك هو أن خوفهم من أن تطالهم مقصلة التعديل الحكومي القادم.
وشدد على أن تكثيف عدد من الوزراء لخرجاتهم الإعلامية مع وسائل إعلامية ذات شعبية كبيرة لدى المواطنين وحرصهم خلال الآونة الأخيرة على تغطية الإعلام للأنشطة التي يشرفون عليها أو التظاهرات التي يشاركون فيها، والتي تزامنت مع خروجهم بمجموعة من “الكبسولات” القصيرة بالصوت والصورة من أجل تعريف المواطنين بالمنجزات التي تم تحقيقها من طرفهم خلال المرحلة الماضي؛ مردها إلى التوجس الحاصل لديهم بشأن استمرارهم أو رحليهم.
وأردف أن هناك وزراء آخرين ظهروا في الخرجات الإعلامية المستحدثة أخيرا، لكنهم غير معنيين بأمر ضعف أو نقص التواصل الحاصل عند بقية زملائهم؛ مثلما هو الأمر مع وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي كان دائما له حضور على مستوى التواصل والإعلام؛ بالرغم من أنه لم يكن موفقا في أغلب خرجاته الإعلامية، موضحا أن هذا الأخير يظهر أن له توجس من أن يشمل التعديل الحكومي منصبه الوزاري، لافتا إلى أن خير دليل على ذلك هو تأكيده المستمر بالبرلمان مواصلته تنزيل مختلف التعديلات والنصوص القانونية المرتبطة بمنظومة العدالة.
♦ الاعتماد على الوسائط الرقمية وغياب التواصل المباشر
اعتبر الخبير والباحث في العلوم السياسية أن لجوء أعضاء الحكومة إلى الوسائط الرقمية رغم تأخرهم في ذلك لمدة تقارب الثلاث سنوات، جاء بمثابة رد على الانتقادات التي وجهت إليهم بخصوص ضعف تواصلهم خلال الفترة السابقة، مبرزا أن هذه الخطوة تعتبر في عمومها تطورا نوعيا في الخطاب السياسي للحكومة مع جماهير وسائل التواصل الاجتماعي، موضحا أن ذلك قد يخلق صورة إيجابية عن الأداء التواصلي الحكومي لدى مختلف الشرائح الشعبية من خلال القدرة على الوصول إليها دون الحاجة إلى وسائط إعلامية أو برلمانية.
وتابع أنه في المقابل، لن يعوض ذلك مسألة الحضور الحكومي داخل البرلمان، موضحا أنه من الضروري أن يحرص أعضاء الحكومة على التواجد باستمرار داخل القبتين الأولى والثانية بالمؤسسة التشريعية للرد على الأسئلة الشفوية أو الكتابية، وكذا أن يحرص رئيس الحكومة على احترام المواعيد الدستورية بالحضور للجلسة الشهرية للأسئلة الشفوية الموجهة إليه حول السياسة العامة، مبرزا أن مشاركته في هذه الأخيرة بشكل متواصل هو الذي سيكسب الحكومة تأثيرا على الرأي العام.
وشدد على أن طريقة التواصل تختلف من مشهد لآخر، حيث نجد في الغرب مثلا أقسام ومصالح للإعلام بمختلف القطاعات الحكومية تتكفل بإبراز المعطيات والمستجدات الخاصة بسياساتها وأنشطتها، كما نرى المسؤولين السياسيين من رؤساء دول وحكومات ووزراء ينشطون بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعية ويشاركون في حوارات ومقابلات صحفية وإعلامية للإجابة عن التساؤلات المطروحة لدى الرأي العام بخصوص بعض القضايا التي تكون آنية أو مستقبلية، وهو ما يفتقد صراحة في المغرب.
وأوضح أن التواصل السياسي تلعب فيه طبيعة المشهد السياسي ووعي المواطنين وثقافتهم الواسعة بحقوقهم وواجباتهم دور بارزًا وحاسمًا، مشيرا إلى أنه المسؤول السياسي في الدول الديمقراطية والمتقدمة يحس أنه مدين بتواجده في منصبه إلى الهيئة الناخبة (المصوتين)، ما يجعله حريصا على التواصل الدائم معها عبر مختلف الوسائط المتاحة سواء التقليدية كالإعلام أو الحديثة أي “السوشيال ميديا” (مواقع التواصل الاجتماعي).
وشدد على أن قوة السلطة الرابعة أي الصحافة تحتم أو تفرض على السياسي أيضا الانفتاح عليها، لافتا إلى أنه لا مجال للمقارنة بين الدول الأوروبية والمغرب في هذه المسألة، حيث نلاحظ ضعفًا كبيرًا ببلادنا مستوى هذا الجانب، حيث الإعلام بدوره لا يحرج المسؤولين السياسيين ولا يفرض عليهم مثلما يقع بالخارج الخروج للتواصل معه من أجل كشف معطيات أو حقائق ما.
وأبرز أن الناخب (المصوت) بحكم وعيه السياسي وتتبعه واهتماماته العامة يكون له تأثير أيضا في طرق المسؤولين السياسيين لوسائل الإعلام التقليدية كالجرائد والإذاعة والتلفزيون، مبرزا أنه في بلادنا يلاحظ ضعف على مستوى هذا الجانب، مشيرا إلى أن ذلك من الأسباب الرئيسية التي جعلت حكومة أخنوش تتجه نحو الوسائط الرقمية التي لها تأثير ملحوظ ومباشر على المغاربة؛ على عكس غيرها من آليات التواصل الأخرى.
واستطرد شقير أن عددًا من الوزراء بالحكومة الحالية يظهر أنهم يفتقدون للقدرة على الخروج في ندوات صحفية والرد على أسئلة الصحافيين التي قد تكون أحيانا محرجة، لافتا إلى أن أغلب الذين يتولون حقائب وزارية حالية هم تكنوقراط (أصحاب الخبرة والكفاءة؛ المستقلين وغير المنتمين لأحزاب سياسية)؛ ما يجعلهم لا يحبذون التواصل كثيرا عكس نظرائهم المنتسبين لأحزاب سياسية، الذين تكون لهم خبرة واسعة في هذا الجانب، وذلك بفضل وجود تكوين حزبي وسياسي مهم يمكنهم من الانفتاح بشكل جيد على وسائل الإعلام.

