وجهت الصحافة الفرنسية انتقادات واسعة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتقاربه مع الجزائر على حساب المغرب، متهمة إياه بالتضحية بالشريك الاستراتيجي والتاريخي ألا وهو الرباط لإرضاء الجزائر.
ونشرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، عمودا موقعا باسم الكاتب لوران غايارد، أكد فيه الأخير أن إعادة إطلاق الحوار الفرنسي الجزائري لا ينبغي أن يتم على حساب البلدان المجاورة والحليفة، والتي تبقى المغرب في صدارتها.
ويرى غايارد أن ماكرون جعل المصالحة الفرنسية الجزائرية مسألة شخصية، مشيرا إلى أنه من خلال القيام بذلك وبالنسبة للعديد من المراقبين سمح الرئيس الفرنسي لنفسه بالوقوع في فخ الذاكرة وفي خطاب الاستياء، الذي أصبح المحور الأساسي للسياسة الخارجية الجزائرية عندما تمس فرنسا، محذرا من الإهمال الخطير للتحالفات الأخرى الممكنة والمثمرة في المنطقة.
وشدد الكاتب الفرنسي على ضرورة التركيز على تحالف بلاده مع المغرب بدلاً من العمل على مصالحة افتراضية مع الجزائر، والتي تأتي في سياق أزمة الطاقة، الناجمة عن أوجه القصور الطاقي الفرنسي والحرب بين روسيا وأوكرانيا، مشيرا إلى أن السلطة التنفيذية الفرنسية بسذاجة كبيرة دخلت مرة أخرى في لعبة الذاكرة مع الجزائر، على أمل أن يكون الغاز الجزائري بديلا عن الغاز الروسي.
وأكد الشخص ذاته، أن فرنسا وبسذاجة أكبر تسعى جاهدة لتعزيز شراكة استراتيجية وأمنية وهمية للغاية مع الجزائر، التي تشترك في حدود 1329 و951 كيلومترًا على التوالي مع مالي والنيجر، حيث تمتلك فرنسا مصالح حيوية في مجال تعدين اليورانيوم بهذه المنطقتين.
ولفت المقال المنشور بـ”لوفيغارو” إحدى الصحف اليومية الأكثر شهرة وتأثيراً في فرنسا، إلى أن المغرب يمتلك ساحلا يبلغ طوله 3500 كيلومتر، وأنه البلد الوحيد في إفريقيا الذي يمتلك ساحلًا أطلنطيًا ومتوسطيًا، وأن سياسة الملك محمد السادس موجهة بحزم نحو ترسيخ النفوذ المغربي في إفريقيا، على عكس الجزائر التي تتسم بالتناقض الشديد، مشيرا إلى أن المغرب حليف تاريخي للغرب، متطرقا إلى أن المملكة المغربية يعود تاريخ تأسيسها إلى 789 م، وأنها كانت أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عام 1777م “.
وأبرز غايارد أن المغرب يحظى بعدة امتيازات، بداية من استقراره السياسي، وتنوع وديناميكيته الاقتصادية، إلى جانب علاقاته المتميزة مع البلدان الإفريقية والغرب أيضا، لافتا إلى أن فرنسا تخاطر بتفضيل تحالفات ظرفية على حساب مصداقيتها في المنطقة، مشددا على أنه إذ كانت احتياجات الطاقة والأمن تُحكم على فرنسا بعدم إهمال الجزائر، فلا شيء يجبرها على التضحية بتحالفاتها الأخرى في المنطقة، ولا سيما مع الرباط.
وأكد الكاتب أن المغرب لديه كل الأسباب لاستنكار الموقف الفرنسي، لكون أن الرباط وباريس حليفين تقليديين على عكس مدريد أو برلين أو حتى واشنطن، التي عبرت عن موقفها بشكل صريح بخصوص قضية الصحراء، وذلك إلى جانب إهمال فرنسا لعلاقاته مع المغرب بشكل خطير لصالح الجزائر.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم نشر عديد المقالات والمواد الأخرى من قبل إعلاميين ومؤسسات صحافية فرنسية خلال الفترة الأخيرة، إذ نشرت مجلة “لوبوان” الفرنسية مؤخرا عمودًا للكاتب المغربي الطاهر بن جلون انتقد فيه أيضًا إيمانويل ماكرون “للتضحية بالتفاهم الجيد مع المغرب على أمل الحصول على امتيازات ظرفية من الجزائر”.
وقال بن جلون في مقاله إن “السيد ماكرون مخطئ، لا يفهم آلية تعامل النظام العسكري الجزائري مع الملفات السياسية، وأن مسألة المصالحة مع الذاكرة التي تخص مرحلة الاستعمار وطي الخلافات التاريخية بين باريس والجزائر لن تجد طريقا لها نحو الحل، مشيرا إلى أن النظام القائم بالجزائر لن يقدم أي تنازلات”.
كما نشرت مجلة “ماريان” مقالا أوضحت فيه أن المغرب هو الحليف الوحيد الموثوق لفرنسا، إذ قال الكاتب هادريان ديسوين إن “بين الجزائر مع حكومة معادية لفرنسا، والمغرب الذي لا ينتظر سوى إشارة منا في الصحراء حتى تتمكن فرنسا من لعب دورها الريادي مرة أخرى في إفريقيا، لذلك وجب ألا يكون أي تردد في التوجه نحو الرباط، والاعتراف بدور باريس التاريخي في ملف الصحراء”، متسائلا عن الإصرار على أمر المصالحة المستحيلة مع الجزائر.