قال الدكتور عز الدين خمريش مدير مختبر القانون العام والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء أن المكاسب والانتصارات التي حققتها الدبلوماسية المغربية على المستوى الدولي يعود الفضل فيها للرؤية الملكية ، التي رجحت كفة قضية الصحراء المغربية على المستوى الإقليمي والدولي ودفعت دول عظمى للاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه .
وأوضح خمريش خلال مداخلته ضمن فعاليات الندوة الوطنية حول موضوع”حسم قضية الصحراء المغربية في ظل التحديات الاستراتيجية العالمية وتعداد اعتراف الدول الكبرى بالسيادة المغربية “والمنظمة من طرف جمعية أصدقاء الثقافة والرياضة بمديونة بشراكة مع جامعة الحسن الثاني وعمالة إقليم مديونة، بالمركب الثقافي تيط مليل “أوضح” أن المغرب ومنذ السادس من نونبر من عام 1975 وهو تاريخ انطلاق ملحمة المسيرة الخضراء ولغاية اليوم ،وهو يجاهد ويقاوم يدافع ويترافع عن قضية وحدته الترابية في مواجهة مخططات أعداء الوحدة الترابية للتشكيك في عدالة وشرعية القضية الوطنية أمام المجتمع الدولي.
وأكد مؤلف كتاب “حفريات في تاريخ الصراع المغربي الجزائري” أن الجزائر لاتدخر جهدا في معاكسة الوحدة الترابية للمملكة عبر تسخير جميع إمكانياتها ومواردها اللوجستيكية لتشكيك المنتظم الدولي في الوحدة الترابية للمملكة لافتا أن الجارة الشرقية أنفقت في هذا الجانب ما يقارب ثلاثة أضعاف ما صرفه المغرب في تنمية أقاليمه الجنوبية .“
وأشار المتحدث إلى أن الصحراء المغربية تنعم اليوم بالتنمية والرخاء بفضل الرؤية الملكية المتبصرة والتي حولت هذه المناطق التي كانت بالأمس القريب مجرد صحاري ورمال إلى عواصم وحواضر ومدن تضاهي المدن العالمية .
وبخصوص الزخم الذي يعرفه الدبلوماسية المغربية أبرز خمريش أن توالي الاعترافات بمغربية الصحراء هي طفرة لم تأتي من فراغ بقدر ماهي نتيجة مجهود دبلوماسي واقتصادي بالدرجة الأولى .
وتابع في هذا الإطار “الورقة الاقتصادية اليوم تتحكم في المواقف السياسية وهو مايعني بصيغة أخرى أنك كدبلوماسي إذ أردت تسجيل موقف سياسي لمصلحتك لابد أن تضحي بالجانب الاقتصادي وتوظف الاقتصاد بأسلوب ذكي ،وهو مايحيلنا على الدبلوماسية الناعمة للملك محمد السادس والتي تعتمد على مجموعة من الركائز والمبادئ أهمها التوظيف الذكي للورقة الاقتصادية بالإضافة لاستمالة الدول الافريقية عبر توظيف الموقع الجيواستراتيجي للمملكة فضلا عن استغلال المجال الجغرافي لصالح القضايا الكبرى .“
• الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء
وسلط الدكتور خمريش الضوء على الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية مؤكدا أن القرار لم يأتي نتيجة العلاقات التاريخية بين البلدين كما يبدو للبعض، مشددا على أن الجانب الاقتصادي كان حاسما وهو ما دفع الولايات المتحدة لافتتاح قنصلية ذات طابع تجاري بالداخلة وذلك بالنظر للزخم الكبير للاستثمارات التي ستضخها الشركات الأمريكية بالصحراء مستقبلا.
وفي سياق تداعيات الاعتراف الأمريكي على خصوم الوحدة الترابية خاطب منسق ماستر القانون الدولي والترافع الدبلوماسي هؤلاء قائلا “لكل من يشكك ولم يصدق أن اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على صحرائه قانوني حسب قواعد القانون الدولي ومبادئ العلاقات الدولية أقول لهم أن اعتراف أمريكا لم يأتي عن طريق تصريح أو تدوينة وإنما عن طريق مرسوم رئاسي صادر عن الرئيس دونالد ترامب” .
وتابع ” وبلغة قانونية فالمرسوم في دستور أمريكا يتخذ طابعا قدسيا والفصل 501 من دستور الولايات المتحدة الأمريكية واضح في هذا الجانب حيث يؤكد بالحرف أنه لايمكن لرئيس أمريكا سحب وإلغاء أو توقيف مرسوم رئاسي سابق في القضايا الخارجية إلا اذا عرض هذا المرسوم على مجلس الكونغرس وحصل على ثلثي أصوات أعضاءه، وهو الأمر الذي يبدو من الناحية العملية والسياسة من شبه المستحيلات وبالمناسبة لم يسبق لأي رئيس أن قام بتفعيل هذا الاجراء السياسي لأنه بكل بساطة يستحيل عليه الحصول على أغلبية الأصوات لإلغائه .
وأردف ” معطى آخر ينبغي الإشارة إليه هو أنه بعد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على صحرائه تم تسجيل هذا المرسوم بالسجل الرسمي للولايات المتحدة الامريكية ليحوز الصفة القانونية ، كما تم إعلام وإخبار الأمين العام للأمم المتحدة بشكل رسمي بهذا الاعتراف من خلال رسالة رسمية ،وفي هذا السياق دائما تم توجيه رسالة مماثلة لأعضاء مجلس الامن وبالتالي فكل هذه العناصر القانونية المديلة بالصيغة التنفيدية للأمر الرئاسي تفند الأكاذيب والمغالطات التي يروج لها أعداء الوحدة الترابية حول الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء” .
• الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء
وبخصوص الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء أوضح خمريش أنه لابد من الإشارة إلى أن فرنسا لم تسجل اعترافها من أجل سواد عيون المغاربة بقدر ما دفعت للاتخاذ الخطوة التاريخية نتيجة مجموعة من العوامل والأسباب وعلى رأسها الضغوط الدبلوماسية التي مارسها الجهاز الدبلوماسي المغربي.
وتوقف المصدر ذاته على الكواليس التي سبقت الاعتراف الفرنسي قائلا “المغرب كان يطمح لحسم هذا الملف سنة 2022 مباشرة بعد اعتراف أمريكا ودخل في صراع مع فرنسا آنذاك من أجل الإسراع بالاعتراف بمغربية الصحراء ، لكن باريس في تلك الفترة كانت تمر من ظروف سياسة معقدة خاصة وأن الرأي العام الفرنسي كان غير مهيئ بعد لتقبل القرار كما أن الأوضاع داخل البيت السياسي الفرنسي لم تكن مستقرة بالشكل الذي يمكنه أن يساعد في إقناع الفرنسيين بهذه الخطوة “.
وأضاف “ثانيا لايجب أن ننسى طبيعة وحجم الشراكات والعلاقات الاقتصادية الكبيرة مع الجزائر ،ولذلك فرنسا كانت تلعب على الحبلين في هذا الملف تارة من أجل إرضاء المغرب وتارة مع أجل تطمين الجزائر وهو ماجعل باريس تلزم المنطقة الرمادية “.
وفي سياق متصل أشار خمريش إلى أنه وللموضوعية التاريخية والقانونية فرنسا لم تكن يوما من الأيام ضد الوحدة الترابية للمملكة والدليل أنه خلال سنة 2014 كانت مسودة مشروع جدول أعمال مجلس الأمن حول الصحراء والذي أعدته الولايات المتحدة الأمريكية يتضمن نقطة غاية في الخطوة وهي توسيع صلاحية بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان داخل الصحراء ،وهذا أمر خطير ولوتمت المصادقة عليه آنذاك كان سيمس بمبدأ أساسي يتعلق بسيادة المغرب على صحرائه وهو الأمر الذي لم يحدث بفضل تدخل فرنسا بمعية اللوبي اليهودي المغربي في أمريكا حيث بدلت مجهودات دبلوماسية تكللت بإزالة هذه النقطة من جدول أعمال مجلس الأمن ،وهي خطوة تحسب لفرنسا يضيف المتحدث.
و استطرد ” وخلال سنة 2012 أيضا كان هنالك موقف فرنسي شجاع حيث رفعت باريس حق الفيتو داخل مجلس الأمن الدولي من أجل منع إصدار قرارا ضد مصلحة المغرب وهو ما يؤكد أن فرنسا وقفت دائما إلى جانب المملكة في المحطات الحرجة التي مر منها قضية الوحدة الترابية باستثناء بعض المناوشات وسياسة لي الدراع التي كانت تمارسها باريس في فترات متقطعة من أجل حصولها على أكبر المغانم الاقتصادية من المغرب”.
وأشار مدير مختبر القانون العام والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء أن “الاعتراف الفرنسي كان سيأتي عاجلا أم أجلا لأسباب مختلفة وفي مقدمتها الاحراج السياسي للنظام الفرنسي مباشرة بعد اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء وهنا قد يتساءل المغاربة ومعهم الفرنسيون كيف لدولة تعد الشريك الاقتصادي الأول للمغرب والمستثمر الأبرز فوق تراب المملكة لم تحسم اعترافها في حين أن دولة بعيدة جغرافيا كأمريكا ولا تستفيد اقتصاديا من علاقاتها بالمملكة بحجم استفادة فرنسا وبادرة للاعتراف بمغربية الصحراء .
ثانيا يضيف المتحدث اعتراف فرنسا كان استجابة لمبادئ الجمهورية الخامسة التي تنادي بالديمقراطية واحترام حقوق الاخر وفرنسا كمستعمرة سابق لديها من الوثائق والأدلة والحجاج التاريخية على مغربية الصحراء وبالتالي فأي قرار خارج الاعتراف كان سيكون بمثابة خيانة لمبادئ الجمهورية الخامسة .
وأورد خمريش أن هناك معطى أخر يتعلق بحملة اليمين الفرنسي اثناء الانتخابات الرئاسية والتي جعلت من مسالة الاعتراف بمغربية الصحراء مسالة أساسية في البرنامج الانتخابي نظرا للكتلة الانتخابي للناخبين من أصول مغربية .
وتابع المصدر عينه أن النقطة التي أفاضت الكأس وحسمت الاعتراف هي الشراكات الاقتصادية الكبرة التي سوف تستفيد منها فرنسا بالأقاليم الجوبية ،علما أن هذه الشراكات أصبحت تصاغ ويتم توثيقها وفقا لمبدا رابح رابح ومبدأ دولة في مقابل دولة وهو ما يجعلنا نتجاوز النظرة الاستعلائية والاستعمارية التي كانت تنظر بها فرنسا للمغرب، وهو الأمر الذي تحقق بفضل حنكة وحرفية الدبلوماسية المغربية التي نجحت في فرض شروطها ووضعت محددات واضحة للعلاقات الخارجية .
وشدد خمريش على أننا اليوم كمغاربة يجب أن نتساءل عن حجم وطبيعة الرهانات التي تنتظرنا فقي طل الزحم والانتصارات والمكاسب القانونية والسياسية والدبلوماسي لاسيما وأن هناك واقع ساسي وتنموي معين داخل الأقاليم الجنوبية لايمكن إنكاره من طرف المجتمع الدولي وهو ما جعل الملك في خطاب المسيرة الخضراء يدعو الأمم المتحدة لتحمل مسؤوليتها وهو يؤكد في إشارة ضمنية للواقع التنموي والسياسي بالأقاليم الجنوبية .
ولفت أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني إلى أن المغرب يبني ويشيد وينمي الانسان والمواطن الصحراوي ويدير الأقاليم بأبناء الصحراء ، وهو بذلك يمهد لتنزيل الحكم الذاتي في مرحلة مقبلة قد لا تتعدى سنتين أوثلاث سنوات .
• رهانات الدبلوماسية المغربية
وبخصوص الرهانات التي تنتظر الجهاز الدبلوماسي يؤكد خمريش على أن توظيف وتسويق الاعترافات ينبغي أن يتم بشكل ذكي أمام الهيئات والمنظمات والأجهزة الدولية خاصة أمام مجلس الامن الدولي باعتباره الجهاز الذي يسهر على الملف وهيئة والأمم المتحدة .
وأكد أنه بالرغم من أنه منذ 2007سنة ومجلس الأمن يشيد بأهمية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي لحل النزاع، لكن يبقى الانتصار الحقيقي الذي ينبغي أن نحققه داخل أروقة مجلس الأمن الدولي هو ان يتم الإشارة في قرار مجلس الأمن إلى أن مبادرة الحكم الذاتي تبقى المبادرة الوحيدة لحل النزاع .
وتابع “وحين يقر مجلس الأمن بقرار مصادق عليه من الأغلبية بمبادرة الحكم الذاتي يمكن آذاك أن نسجل تحقيق انتصارا دبلوماسيا أما الإشارة إلى المقترح في تقارير المجلس والأمين العام فهي من الناحية الدبلوماسية جيدة لكنها من الناحية القانونية وقواعد القانون الدولي فلابد من تضمينها داخل قرار مجلس الأمن لتحوز الحجية القانونية .
ودعا خمريش في هذا الجانب لمضاعفة الجهود داخل أروقة مجلس الأمن للوصول لهذه النتيجة لافتا إلى ضرورة توظيف الاعترافات داخل الأجهزة الفاعلة في القرار السيادي الدولي والترافع بشكل قانوني ودبلوماسي واقناعي وأكاديمي بالاعتماد على الحقائق القانونية والتاريخية والسياسية والجغرافية من أجل تحقيق النتائج المرجوة لصالح قصية الوحدة الترابية .