عبرت عدد من الهيئات الخاصة بالأطباء، عن رفضها لتضمين الحكومة لمقتضيات في مشروع قانون المالية لسنة 2023، تنص على فرض اقتطاع الضريبة على الدخل من المنبع على مزاولي هذه المهنة بنسبة تصل لـ 20 %، وهو ما جاء ضمن باب إحداث أنظمة ضريبية خاصة في مجال الضريبة على الدخل التي ستطبق على عدد من المهن الحرة.
ومن أجل معرفة رأي المهنيين حول فرض الضريبة على الدخل، عن طريق الخصم من المنبع بالنسبة للأطباء الخاضعين للضريبة المهنية، وغيرها من الأمور المتعلقة أو المتداخلة مع هذا الموضوع، حاورت جريدة “شفاف” أحمد بنبوجيدة، رئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الحر.
كيف ترى هذا القرار الضريبي الذي ضمَّنته الحكومة في مشروع قانون مالية لسنة 2023؟
إن الحكومة تريد من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2023 الاقتطاع مباشرة من المصدر، أي أن المصحات ستقتطع من المنبع 20 % من أتعاب الأطباء الناتجة عن الخدمات التي يقدمونها من عمليات جراحية وغيرها من العلاجات المقدمة للمرضى، وهو أمر يرفضه الأطباء.
والمهنيون لا يريدون أن تكون المصحات هي المسؤولة عن أداء ضرائبهم لمديرية الضرائب، لأن الطبيب لديه رسم ضريبي خاص به، وهو من يجب أن يقوم بالتصريح بمداخيله بشكل سنوي في إطار الضريبة على الدخل، باعتبار أن الأطباء الخواص أو المصحات الخاصة تدخل ضمن نظام الشركات ذات المسؤولية المحدودة وليس شركات المساهمة.
وبهذه الطريقة سيضطر الطبيب لمسك ووضع محاسبة لتصريحه الضريبي مرتين عن كل من عيادته الخاصة والمصحة التي يعمل بها، وهو ما سيخلق مشاكل بين المهنيين والمصحات الخاصة، وكرامة الطبيب تفرض عليه أن يبقى مستقلا فيما يخص العلاقة التي تربطه بالضرائب، التي يصرح بها ويكون ملزما بأدائها عند نهاية كل سنة.
رفض الكثير من الأطباء الصيغة التي جاءت بها هذه الضريبة؛ ما الأسباب؟
هناك مجموعة من القوانين التي جاءت موازية لهذه الأمور المرتبطة بالضرائب، بداية من أن نسبة الضريبة على الدخل تصل لـ 38 % بالنسبة للأطباء التي تزيد مداخيلهم عن 180 ألف درهم كرقم معاملات، وهذا الوضع الضريبي المفروض علينا يعد مبالغا فيه، لذلك يجب مراجعة وتعديل هذا الأمر، لأن قطاعات كالأبناك الذين يحققون رقم معاملات يفوق 100 مليون درهم يؤدون 40 %، لهذا أستغرب من أن كل من الطبيب والبنك بالرغم من الفرق بينهما في المداخيل يؤديان نفس القيمة الجبائية تقريبا.
والطبيب إلى جانب ما سبق له مجموعة من الالتزامات كأداء مساهماته سواءً في التغطية الصحية، أو في التقاعد بداية من السنة المقبلة، إضافة لمجموعة من المصاريف التي تثقل كاهل العيادات الطبية، علما أن 80 % منها لا تحقق أرقاما كبيرة على مستوى المداخيل، وأنه لا يمكن النظر فقط لما بين 6 % و10 % من الأطباء أو المصحات التي لها رقم معاملات مالي كبير.
ما التأثير الذي يمكن أن يخلقه هذا المستجد الضريبي داخل المنظومة الصحية؟
أشير هنا إلى أن عددا كبيرا من الأطباء يفكرون منذ مدة في مغادرة أرض الوطن بسبب الأوضاع الحالية واليوم هذه الفكرة ستتعزز أكثر لديهم، فيما آخرون يريدون العودة من أجل إفادة ومساعدة بلدهم بخبراتهم، لكن غياب تحفيزات للاستثمار في قطاع الصحة، على مستويات صناعة واقتناء الآلات الطبية والتخفيضات الضريبية يجعل أزمة النقص في عدد الكوادر الطبية تستمر وقد تزداد مع الوقت.
ورقم 32 ألف طبيب الذي يجري الحديث عن حاجة المغرب له، يبدو أن تحقيقه لا يزال بعيدا في ظل تواصل هجرة الأطباء المغاربة نحو الخارج، وإحجام زملائهم العاملين بالخارج على العودة لأرض الوطن، بسبب الإشكاليات التي يشهدها القطاع، لذلك يجب على الحكومة الإنصات للمهنيين وإيجاد حلول تكون أنسب بالنسبة للجميع؛ سواءً للأطباء أو الدولة أو المواطنين.
كممثل لفئة من الأطباء؛ ما هي مطالبكم؟
في الهيئة الوطنية لأطباء القطاع الحر، نقدم خدمات اجتماعية مقابل تلقي أتعاب ينص القانون المنظم لها على تغيير التعريفة المرجعية بها كل 3 سنوات، لكن الدولة لم تعدلها منذ 2006، وهو ما يجعل السداد الخاص بها في التغطية الصحية لصالح الطبيب المعالج بالطب العام يبلغ حاليا 80 درهما بدلا عن 200 درهم التي يجب أن تكون الآن، وبالنسبة للطبيب الأخصائي تصل لـ 150 درهم عوضا عن 300 درهم، إضافة لمجموعة من الإجراءات المرتبطة بهذا الأمر، والتي تنكب وزارة الصحة اليوم على تعديلها.
وأيضا لابد من خلق توازنات مالية ما بين المداخيل والمصاريف، فنحن نحترم التعريفة المرجعية للعلاجات، بالرغم من أننا نستطيع ألا نكون طرفا في الاتفاقية المتعلقة بها كوننا ننتمي للقطاع الحر، لكننا نهتم لأمر المواطن الذي يؤدي 54 % من التغطية الصحية لتلقي العلاجات الخاصة به، ولهذا العامل نرى أنه يجب أن يكون تضامن ما بين الأطباء والدولة والمشغل.
وفي هذا الباب، نريد مناصفة ضريبية بالنسبة للأطباء، الذين بالكاد يتمكنون من التعامل مع مصاريف عياداتهم، في ظل ارتفاع التكاليف المرتبطة بالمهنة أو تلك المتعلقة بالحياة اليومية، والتي أثقلت كاهل مهنيي القطاع، لذا نطالب بتحفيزات من الدولة.
ارتباطا بالإشكاليات التي يعرفها القطاع، هل هناك حوار بين الهيئات الممثلة للأطباء والحكومة؟
بالنسبة لمشروع قانون المالية فهو يناقش داخل المؤسسات المعتمدة، أي عبر البرلمان من خلال كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين، وللأسف الجهة التي تكون في الواجهة كممثلة للمقاولات بهذا الأخير، هي الاتحاد العام لمقاولات المغرب، والتي تمثل الشركات فقط، ما يجعل المهن الحرة كالأطباء والمهندسين والمحامين وغيرها غير ممثلين بالقبة الثانية للبرلمان وغير قادرين على مناقشة وإبداء آرائهم في مشاريع القوانين التي تهم مجالاتهم.
وحوار الحكومة في هذا الجانب يتم مع النقابات المهنية الأكثر تمثيلية، أما نحن فنستعمل وسائلنا الذاتية من أجل الدفاع عن الملفات المطلبية الخاصة بنا؛ فيما يخص التغطية الصحية والضرائب والتقاعد وغير ذلك، أي أننا نحن من نتوجه للدولة من أجل فتح باب الحوار، وليست هي من تفتح باب النقاش مع المهنيين، على عكس البلدان الديمقراطية التي تبادر للتواصل مع من يهمهم الأمر في مثل هذه الوضعيات.
وقانون المالية يتهيأ حسب حاجيات الدولة، وهو ما يجعل الحكومة تتلكأ، إضافة لأنها غير جادة في الانفتاح على المهنيين وبسط الأمور أمامهم، وإشراكهم بشكل أو آخر في وضع وتنظيم الأمور المرتبطة بمجال اشتغالهم، وهنا أؤكد أن الحوار المباشر بين المهنيين والمسؤولين غائب.
في حال عدم تفاعل الحكومة مع مطالبكم، ما هي خطواتكم المقبلة؟
البلد تعرف أزمة اقتصادية، ولا يمكننا المساهمة في تأزيم الوضعية أكثر من خلال التوقف عن العمل أو تنظيم وقفات احتجاجية، التي سيكون لها تأثير سلبي كبير على فئة عريضة من المواطنين، ونحن أبناء الشعب ولن نرضى بتضرر إخواننا من أي خطوة قد نقبل عليها.
وفي هذا الصدد، نطالب الحكومة والمسؤولين بمراعاة ظروف الأطباء وما يتحملونه من ثقل كبير، في سبيل الارتقاء بالخدمات الصحية ببلادنا وتقديم العلاجات اللازمة للمواطنين، وهنا نستحضر التضحيات التي قدمتها الكوادر الصحية خلال مرحلة “كوفيد-19″، وليس بهذا الشكل يتم مجازاة الأطباء، ولذا يجب إيجاد حلول ناجعة وفعالة تراعي مصالح الجميع.