قام الدكتور العباس الوردي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط والمدير العام للمجلة الافريقية للسياسات العامة، في مقال توصلت جريدة “شفاف” بنسخة منه، برصد أهم خصائص ومميزات البنية التي تتمركز حولها المملكة المغربية في ظل العهد الجديد، مبرزا المتغيرات التي شهدها المغرب في كافة المجالات والمستويات.
نص المقال:
تعيش المملكة المغربية في ظل العهد الحديث جملة من المتغيرات التي طالت جملة من الاصعدة الاقتصادية الاجتماعية السياسية والثقافية الروحية بل وحتى الرياضية.
فمن الناحية السياسية ارتفع منسوب التجربة الدبلوماسية في هذه المرحلة بالذات، وهو ما يبرز في باب الحضور المكثف للدبلوماسية المغربية الرصينة والمتبصرة سواء تعلق الأمر بخدمة التوجهات الكبرى للسياسة العامة للدولة وخاصة ملف الصحراء المغربية والنزاع المفتعل حولها أو بالوقوف الى جانب مجموعة من الدول في السراء والضراء كالأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي أو الدول المغاربية كالأشقاء في ليبيا وموريتانيا وتونس، بل وحتى الجزائر بمنأى عن مواقفها المعادية للوحدة الترابية للمملكة.
وهذا دون أن ننسى الاستمرار اللامشروط في دعم القضية الفلسطينية ووضعها في نفس كفة القضية الوطنية، وتقديم الدعم اللازم لإخوتنا في فلسطين الأبية عبر بوابة بيت مال القدس الشريف، الذي يرأسه جلالة الملك محمد السادس، مع الاشارة الى سياسية التلاحم والتعاون المبني على الثقة والاحترام، الذي دشن في العهد الجديد مع الشركاء التقليديين للمملكة كالمملكة الايبيرية والفيديرالية الألمانية والمملكة المتحدة وغيرها.
وذلك ناهيك عن تطوير العلاقات التاريخية مع مجموعة من الدول العظمى كالولايات المتحدة الامريكية وروسيا الاتحادية والصين الشعبية، والحضن الافريقي باعتباره البيت الطبيعي للمملكة، والذي خصه جلالة الملك محمد السادس لمجموعة من الزيارات الميدانية اللامتناهية منذ توليه عرش أسلافه الميامين.
وهذه سياسة دبلوماسية حديثة قطعت مع سياسة الكرسي الفارغ والعودة بالقوة الى رحاب الاتحاد الافريقي، ناهيك عن حضورها المتميز على مستوى منظمة الأمم المتحدة والتحدث بلغة البراهين والدلائل الدامغة التي تؤشر على صدق المملكة تجاه المنظومة الدولية ودعمها اللامشروط لكل القضايا المصيرية العادلة؛ في احترام تام للشرعية الدولية وللأعراف الدولية التي تؤطر مجال العلاقات الدولية وتدبير الخلاف وخاصة ما يتعلق بمقومات القانون الدولي.
لقد تمكنت المملكة المغربية في ظل العهد الجديد من تحقيق مكاسب جمة على المستوى السياسي، وهو ما تكرس بفتح جبهة واسعة النطاق امام جميع الفرقاء الدوليين الذين يشيدون بالدور الذي ما فتئت تلعبه المملكة المغربية في حل الأزمات ولعب دور الوساطة، كما هو عليه الأمر بالنسبة للقضية الفلسطينية التي هي قضية وطنية اولى، ناهيك عن التقدم المنقطع النظير الذي أحرزه اخواننا الليبيين عقب لقاءات الصخيرات وبوزنيقة وغيرها.
كما لا يفوتنا في هذا الباب من التذكير بالتقدم المتنامي لملف قضية الصحراء المغربية التي عزفت منعطفا إيجابيا خلال هذا العهد وخاصة فيما يتعلق بتوجه المنظومة الدولية الى اعتماد مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب سنة 2007 وسارت على رسله والإشادة به جملة من قرارات مجلس الأمن الدولي، ومن بينها القرارات 2548 و2602، والاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية، ناهيك عن فتح سلة عريضة من القنصليات العامة الاجنبية وخاصة بمدينتي العيون والداخلة.
إنه نموذج سياسي متفرد لا يقوم على اللغط أو البروباغندا الفارغة المحتوى وانما على براغماتية القول والفعل، كما لا يفوتنا في هذا الباب التذكير بالأدوار الطلائعية التي تلعبها المملكة المغربية في ظل العهد الحديث؛ وخاصة فيما يتعلق بتنويع الشراكات التي تبنى على منطق رابح-رابح سواء تعلق الأمر بالشراكات التقليدية مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي والإفريقي، وهي سلسلة تمخضت عنها مجموعة من المشاريع الاقتصادية الكبرى سواء على المستويين الوطني أو الخارجي.
وهو ما يمكن المملكة من تحقيق نتائج اقتصادية أشادت بها كبريات المؤسسات الائتمانية الدولية الكبرى كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي هذا دون أن ننسى التقدم الذي أحرزته المملكة في التقارير الدولية لترتيب المؤشرات الاقتصادية للدول وهو أمر بوأ المملكة المغربية مركزا من مراكز صدارة التقدم الاقتصادي على جميع الاصعدة الاقليمية القارية والدولية.
وينضاف إلى كل من الجانبين السياسي والاقتصادي، المجالين الثقافي والروحي، وهما توجهان استطاعت من خلالهما المملكة أن تحرز جوائز باسم جلالة الملك في باب التسامح ونبذ الكراهية وتعايش الأديان، ووضع له مسوغاته، ذلك أن سياسة المملكة في الحقلين الديني والثقافي هي ذات توجه معتدل تحترم فيه الاختلاف بين المعتقدات وتبني من خلاله جسورا لتلاقح الأديان والثقافات، وهو ما تكرس من خلال الصرحة المؤسساتية للتكوين والمواكبة؛ ومن بينها معهد محمد السادس لتكوين الأئمة الذي يساهم في بناء قامات دينية لها ثقافة الوسطية والاعتدال ونبذ كل أشكال العنف والكراهية.
زد على ذلك أن الاستقبال الكبير الذي حضي به بابا الفاتيكان من لدن الملك محمد السادس والشعب المغربي ينم عن وعي متجذر لدى المملكة من خلال نهج الحوار بدل المواجهة في التلاقح بين الأديان والثقافات.
هذا بالإضافة الى حالة الاستقرار الذي تعيشه شريحة عريضة من المهاجرين الأفارقة والذين وجدوا في المملكة منطقة استقرار آمن بعدما كانت في البداية مجرد منطقة عبور نحو المجهول.
إن بنية التطوير والتحديث ستستمر ومن دون شك، وخاصة أن المملكة مملكة الاستثناء من الحركة الوطنية، والاستقلال والمسيرة الخضراء وتدبير الأزمات ككورونا والزلازل، ووصولا إلى استقبال الاجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتنظيم كأس الأمم الإفريقية 2025 وكأس العالم الثلاثي من حيث التنظيم لسنة ،2030 وبناء النموذج التنموي الجديد وغيره من مؤشرات النجاح المنقطع النظير، استمرارية بتوجه الصدق واحترام الآخر، وقبل ذلك اللحمة بين العرش والشعب إنه المغرب مغرب العهد الجديد.