أثار استغلال الأغلبية الحكومية للمساعدات الإنسانية لأغراض انتخابوية جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والحقوقية، حيث تتزايد الاتهامات بتوظيف هذه المساعدات لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الفئات الهشة والمتضررة.
وتشير معطيات ميدانية إلى أن بعض الهيئات التابعة للأغلبية تستغل توزيع الدعم الإنساني والمواد الغذائية لربطها بالحملات الانتخابية، مما يثير تساؤلات حول شفافية العملية واحترام مبادئ النزاهة والتجرد في تدبير الأزمات.
وفي هذا السياق، نددت هيئات معارضة وجمعيات مدنية بما وصفته بـ”التلاعب بمآسي المواطنين”، داعية إلى فرض رقابة صارمة على توزيع المساعدات وضمان استفادة المستحقين منها بعيدًا عن أي حسابات سياسوية.
ويأتي هذا الجدل في ظل تزايد الأزمات الاجتماعية التي تتطلب مقاربة عادلة وشفافة، بعيدًا عن أي استغلال انتخابي قد يكرس منطق الولاءات السياسية بدل تعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات.
♦أسلوب يعكس انحدار سياسي غير مسبوق في المغرب
انتقدت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، بشدة استغلال الأغلبية الحكومية للمساعدات الإنسانية وتوظيفها في حملات انتخابية قبل أوانها، مؤكدة أن هذا السلوك يعكس انحدارًا سياسيًا غير مسبوق، حيث يتم استغلال الفقر ومعاناة المواطنين لأغراض انتخابوية، بدلًا من توفير حلول جذرية لمشاكلهم.
وأوضحت التامني في تصريح لجريدة “شفاف”، أن ما يحدث اليوم ليس إلا استمرارًا لنهج قائم على استغلال النفوذ والمال العام في تحقيق مكاسب سياسية على حساب الفئات الهشة، مشيرة إلى أن هذه الممارسات أصبحت أكثر وضوحًا خلال الأشهر الأخيرة، خاصة بعد بروز فضائح متعددة مرتبطة بأعضاء الحكومة وأغلبيتها.
وأكدت النائبة البرلمانية، أن الحكومة بدلًا من أن تُولي اهتمامًا حقيقيًا لمعاناة ضحايا الزلزال، الذين لا يزالون يعيشون في خيام بعد مرور أكثر من 18 شهرًا تحت ظروف قاسية من البرد والثلوج، اختارت توجيه جهودها نحو إطلاق حملات انتخابية مبكرة واستغلال المساعدات الإنسانية كوسيلة لشراء الولاءات واستمالة الناخبين.
واعتبرت المتحدثة، أن هذه الأساليب تكرّس واقعًا خطيرًا يتم فيه تحويل الدعم الاجتماعي الذي هو من حقٍّ للمواطن إلى أداة للابتزاز السياسي، مما يعمّق انعدام الثقة في الحكومة وفي المؤسسات بشكل عام.
♦فضائح الأغلبية.. تضارب المصالح والمحسوبية
أبانت التامني على أن الأغلبية الحالية بسبب تلك الممارسات تفتقد للنزاهة السياسية، حيث جاءت إلى الحكم عبر حملات انتخابية ممولة بأموال لا يُعرف مصدرها، واليوم، تظهر المتابعات القضائية الجارية لبعض برلمانييها ومنتخبيها لتؤكد أن العديد منهم متورطون في قضايا فساد خطيرة، تشمل التلاعب في قطاع المحروقات، وتجارة المخدرات، والصفقات المشبوهة.
وأشارت المتحدثة إلى أن هذه الحكومة لم تكتفِ بهذه الانحرافات، بل واصلت تعيين مسؤولين محسوبين على رئيسها وشركاته في مناصب حساسة داخل الدولة، ما يعزز هيمنة منطق الزبونية والمحسوبية على حساب الكفاءة والاستحقاق.
وأكدت أن هذه التعيينات لا تخدم الصالح العام، بل تخدم أجندة حكومة تبحث عن تأمين مصالحها عبر وضع الموالين لها على رأس قطاعات استراتيجية، حتى وإن كانوا يفتقدون للخبرة المطلوبة، وهو ما يزيد من تعميق أزمة عدم الشفافية وانعدام تكافؤ الفرص، فضلًا عن تكريس هيمنة النفوذ المالي والسياسي على مؤسسات الدولة.
تهميش الأولويات.. غلاء المعيشة والبطالة في مهب الريح
أوضحت التامني أن الحكومة تتجاهل تمامًا القضايا الحقيقية التي يعاني منها المواطنون، مثل غلاء الأسعار والبطالة التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث أصبح المواطن المغربي يواجه أزمة اقتصادية خانقة دون أي حلول جادة من الحكومة، التي تركز كل جهودها على حماية مواقعها في السلطة بدلًا من تحسين ظروف عيش المواطنين.
وأضافت النائبة البرلمانية، أن الأولويات يجب أن تكون مساعدة الفئات الهشة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، بدلًا من استغلال الحاجة الاقتصادية للناس كوسيلة لترسيخ النفوذ السياسي.
♦أزمة النزاهة السياسية والانتخابية في المغرب
في السياق ذاته، شددت التامني على أن ما يجري اليوم يكشف عن أزمة غير مسبوقة في نزاهة الحياة السياسية والانتخابية في المغرب، حيث أصبح العمل السياسي مرادفًا للمصالح الشخصية واستغلال الدولة لخدمة أجندات حزبية.
وأكدت أن البلاد تعيش في حالة من الانحطاط السياسي والتراجع الأخلاقي، مشيرة إلى أن هناك حاجة ملحة إلى إعادة تخليق الحياة السياسية ومحاربة الفساد، وإعادة الاعتبار للعمل البرلماني والفعل السياسي النزيه.
وأضافت أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر دون محاسبة، لأن استغلال النفوذ أصبح قاعدة، والفساد صار سياسة رسمية، مما يجعل الثقة في المؤسسات مهددة بشكل خطير.
وأوضحت أن المواطنين باتوا يشعرون بأن العملية السياسية لا تمثلهم، وأن الحكومة غير معنية بحل مشاكلهم، وهو ما قد يؤدي إلى عزوف أوسع عن المشاركة السياسية، وتفاقم الأزمة الديمقراطية في البلاد.
♦استغلال النفوذ والمال السياسي يهدد الديمقراطية
وبخصوص تأثير هذه الممارسات على مستقبل الديمقراطية في المملكة، قالت التامني إن استمرار استغلال المال السياسي والنفوذ في العملية الانتخابية يعمّق فقدان الثقة في المؤسسات السياسية، ويجعل المواطنين يشعرون بأن الانتخابات ليست سوى وسيلة لإعادة إنتاج نفس النخب الفاسدة.
وحذرت النائبة البرلمانية من أن هذا الوضع قد يؤدي إلى تفكيك أسس العملية الديمقراطية، وإضعاف الدولة أمام تحديات كبرى تتطلب مؤسسات قوية وذات مصداقية.
وفي ردّها على سؤال حول المراسلة التنبيهية التي أصدرها وزير الداخلية لمنع استغلال المساعدات الإنسانية في أغراض انتخابية، اعتبرت التامني أن هذه الخطوة غير كافية، قائلة:”إذا لم تكن هناك محاسبة حقيقية، فإن هذه التنبيهات لن يكون لها أي تأثير، لأن هؤلاء السياسيين يرون أنفسهم فوق القانون. والمشكلة ليست في إصدار التنبيهات، بل في غياب آليات الردع والتنفيذ. ونحن اليوم أمام حكومة يدافع رئيسها بشكل علني عن تضارب المصالح، وعن صفقات واضحة للعيان، سواء في قطاع الماء أو المحروقات، فكيف نتحدث عن نزاهة سياسية في ظل هذا الوضع؟”
وأضافت أن ما حدث في قطاع المحروقات مثال صارخ على هذا الوضع، حيث لا تزال الأسعار مرتفعة رغم انخفاضها في السوق الدولية، وذلك لضمان تحقيق أرباح ضخمة لجهات معينة دون أي اعتبار لقدرة المواطنين الشرائية.
♦ضرورة المحاسبة والاستقالة
خلصت التامني على أن هذه الفضائح المتتالية تستدعي مساءلة فعلية، وليس فقط تصريحات إعلامية، مشددة على أنه إذا كانت الحكومة غير قادرة على محاربة الفساد داخل مكوناتها، وإذا كانت ممارساتها تُعمّق أزمة الثقة في المؤسسات، فإن أقل ما يجب أن تفعله هو تقديم استقالتها.
وأكدت أن المواطنين بلغوا أقصى درجات الغضب من تكرار الفضائح، وانكشاف فساد الحكومة بشكل متتالٍ، محذرة من أن استمرار هذا الوضع قد يقود إلى مزيد من التدهور السياسي والاجتماعي، مما ستكون له انعكاسات خطيرة على مستقبل المغرب الديمقراطي.