أعاد الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024 الجاري حاليا، النقاش داخل بعض المقاطعات بالعاصمة الاقتصادية عن أهمية إعادة النظر في التقسيم الترابي لها، وذلك في ظل اعتراض عدد من المنتخبين لهذه المجالس عن الكيفية التي يتم بها منح جماعة الدار البيضاء المخصصات المالية لهم من أجل تدبير الشأن المحلي بهذه المناطق، وهو ما يبرز جليا في مقاطعة الحي الحسني، التي يدعو بعض ساستها لضرورة القيام بتقطيع جغرافي لمنطقتهم أو العودة لنظام الجماعات المستقلة، بعدما أثبتت وحدة المدينة وفقهم فشلها، وامن أسباب ذلك أيضا منح بعض الاختصاصات المحدودة للمقاطعات؛ ما حدّ بشكل كبير من تنزيل سياسة القرب.
♦ الحاجة للتقسيم الترابي
أبرز لحسن لبكوري، عضو مجلس مقاطعة الحي الحسني عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024 سيعطينا أرقاما دقيقة عن عدد ساكنة هذه المنطقة الجغرافية، التي تعتبر الأكبر ترابيا مقارنة بباقي مقاطعات الدار البيضاء، وهو ما سيؤدي لا محالة لإظهار الحاجة اليوم إلى إعادة تنظيم مجالها الترابي وتقسيمه وفق آلية تسمح بتجويد الخدمات المقدمة للمواطنين بها.
وأردف أن الإحصاء العام الذي يعود لسنة 2014، كشف عن أن ساكنة عمالة مقاطعة الحي الحسني بلغت وقتها نحو 476 ألف نسمة، موضحا أن هذه الرقم تضاعف بشكل كبير مع مرور 10 سنوات وذلك إضافة لظهور مجموعة من الأحياء الجديدة وازدياد الكثافة السكانية، لافتا إلى أن هذا العدد من المرتقب أن يصل أو يتجاوز بقليل واحد مليون نسمة.
وأوضح أن هذه الرقم الكبير من الساكنة والمساحة الترابية التي تفوق 45 كيلومتر مربع، لا يمكن أن يستمر في تسيير وتدبير شؤونه من طرف مجلس مقاطعة واحد، الذي بالكاد يحصل من قبل جماعة الدار البيضاء على مخصص مالي سنوي في حدود 30 مليون درهم (3 ملايير سنتيم)، معتبرا أن نفس المبلغ تتلقاه مقاطعات بالعاصمة الاقتصادية بالكاد تصل مساحتها لسبع كيلومترات، ونسبة القاطنين بها قليلة مقارنة بالحي الحسني.
ملف المشاريع المتعثرة بالدار البيضاء.. هل يمر مجلس الرميلي للسرعة القصوى لترى النور في سنة 2024؟
وأشار إلى أن الطرح الذي يدعمه جميع المنتخبين والسياسيين بعمالة مقاطعة الحي الحسني، هو تقسيم المنطقة ترابيا لمقاطعتين إحداها تخص الحي الحسني، والأخرى تتعلق بليساسفة، مبرزا إلى أنه يجب أن يتم ذلك في إطار منحهما آليات توفر لهما موارد مالية كافية لتمويل مشاريعهما، حيث سيتم وفق هذه النظرة إرفاق القطب المالي بالأولى (مقاطعة الحي الحسني)، والحي الصناعي بالثانية (مقاطعة ليساسفة).
وأضاف أن هذا التقسيم المقترح سيلبي احتياجات الساكنة، المرتبطة بوجود فعالية ونجاعة في تدبير الشأن المحلي على مستوى عمالة مقاطعة الحي الحسني، والقطع مع التهميش الذي يعاني منه قاطني عدد من أحياء المنطقة، وذلك في ظل ضعف المخصصات المالية الممنوحة لمجلس المقاطعة الحالي، والتي تبقى غير كافية لتلبية طموح ومتطلبات السكان بها.
وشدد عضو مجلس مقاطعة الحي الحسني، على أن الإسراع بإحداث تقسيم ترابي لمقاطعة الحي الحسني يجب أن يكون ذات أولوية لدى السلطات والجهات المعنية بهذا الأمر، مبرزا أن هذا التوزيع سيكون لصالح الساكنة ولتحقيق أهداف التنمية ككل بهذه المنطقة.
واشار إلى أن الفاعلين السياسيين المتعاقبين على تدبير مجلس مقاطعة الحي الحسني وجدوا صعوبة في تنزيل برامجهم التي أعلنوا عنها خلال حملاتهم الانتخابية، بسبب العوامل المتعلقة بشساعة المنطقة وكثافتها السكانية وضعف مخصصاتها المالية، بالرغم مما تحتويه من مشاريع اقتصادية وحي صناعي.
♦ نظام وحدة المدينة
يعتبر لحسن البكوري أن التقطيع بتراب هذه المقاطعة أصبح ضرورة ملحة ومستعجلة من أجل بلوغ أهداف التنمية المبتغاة من طرف الجميع، سواءً أكانوا منتخبين أو مواطنين، لافتا إلى أن ذلك سيعود بالنفع على الساكنة والوطن ككل، موضحا أن ذلك هو الحل الوحيد لتجاوز الإشكاليات التي تواجه قاطني أحياء الحي الحسني.
وأبرز أنه لا بديل عن هذا التقسيم سوى العودة لنظام الجماعات بالدار البيضاء وتجاوز نظام وحدة المدينة، الذي لم يظهر منذ انطلاقته سنة 2003 أي نجاعة على أرض الواقع، لافتا إلى أن تبعية مقاطعة الحي الحسني لجماعة العاصمة الاقتصادية جعلها تفقد عديد الموارد المالية والاستقلالية لصالح هذه الأخيرة، وهو ما كان له تأثير سلبي على تدبير الشأن المحلي بالمنطقة.
واستطرد أن هناك حديث جانبي اليوم بين الفاعلين السياسيين بالمقاطعة عن أهمية عودة هذه الأخيرة لنظام الجماعة الحضرية المستقل، كما كانت على ذلك قبل 21 عاما، مبرزا أنه للأسف لم ترقى هذه التجربة لتطلعات من بادر إلى خلقها أو لساكنة أحياء الدار البيضاء، وكذا ساكنة المدن الأخرى التي شملهم هذا الأمر.
ولفت عضو مجلس مقاطعة الحي الحسني، إلى أنه إضافة لتقطيع مقاطعة الحي الحسني لقسمين ترابيين، يجب العمل أيضا على عودة نظام الجماعات المستقلة في اختصاصاتها ومواردها المالية، والقائمة بتدبير شؤون ساكنتها دون الحاجة إلى الرجوع لجهة منتخبة أخرى.
♦ إضافة “الرحمة” وتفويت “القطب المالي”
يرى لحسن لبكوري أن تفويت القطب المالي كما يشاع في إطار أي تقسيم ترابي جديد لصالح مقاطعة آنفا أو غيرها ضرب من الخيال، موضحا أن هذه المنطقة جزء لا يتجزأ من مقاطعة الحي الحسني، ولا يمكن لأي كان السماح بمنحه لجهة أخرى، نظرا لأهميته ودوره في تنمية المنطقة، عبر توفير موارد مالية مهمة للمقاطعة.
وأردف أن تفويت القطب المالي يعتبر بمثابة إجراء يعزز الفئوية والتمييز بين المقاطعات 16 بالعاصمة الاقتصادية، مشددا على أن هذا المكتسب لا يمكن لأي من منتخبي مقاطعة الحي الحسني التفريط فيه، موضحا أنه في حالة وجود أي تقسيم ترابي مستقبلي يجب الحفاظ عليه إلى جانب الحي الصناعي المتواجد على مستوى حي ليساسفة، أي ضمن تقطيع يشمل مقاطعتين تابعتين لعمالة مقاطعة الحي الحسني.
وأضاف أن ولوج تراب حي الرحمة التابع لجماعة دار بوعزة بإقليم النواصر، إلى مقاطعة الحي الحسني تبقى ممكنة جغرافيا ولا إشكالية فيها، لكنها ستخلف عديد المشاكل للمقاطعة التي تعاني بدورها في الأصل من كثافة سكانية، مبرزا أن الأول (حي الرحمة) يحتاج لعمل كبير على مستوى البنية التحتية، وموارد مالية كبيرة للاستجابة لتطلعات ومطالب قاطنيه الذين يعدون بعشرات الآلاف.
واستطرد أن مقاطعة الحي الحسني إن كانت ستسعى من خلال أي تقسيم ترابي مستقبلي لتجاوز الإشكاليات التي تقع فيها اليوم، فإنه بضمها لحي الرحمة ستعود لنقطة الصفر وخطوات عديدة للوراء، مبرزا أنه سيصعب على أي مجلس قادم بالمقاطعة التعامل مع الاستمرار على نفس هذه المساحة الشاسعة والكثافة السكانية الكبيرة ومشاكل ضعف المرافق والبنية التحتية بالمنطقة.
“الزنقة 18”.. الشجرة التي تخفي غابة المشاكل البنيوية والتجاذبات السياسية بمقاطعة الحي الحسني
وشدد على أنه كلما كانت المقاطعة بمساحة معقولة، أي أنها تتراوح ما بين 15 و25 كيلومتر مربع، كلما أمكن تدبير شؤونها المحلية بشكل أفضل وتنزيل البرامج التنموية وتحسين البنية التحتية وتأهيل مرافقها الاجتماعية والترفيهية والرياضية، بصيغة تلبي تطلعات وآمال ساكنة أحياء الحي الحسني.
وأوضح أن المقاطعات الـ16 للدار البيضاء تحتاج اليوم لاستقلالية أكثر على مستوى اختصاصاتها التي صارت محدودة في ظل نظام وحدة المدينة، وكذا ما يتعلق بالرفع من الموارد المالية المخصصة لها أو ما يرتبط بآليات الرفع من مداخيلها، من أجل المساهمة في تلبية طموحات المغاربة ككل، المتمثلة في إنجاح استضافة العاصمة الاقتصادية لكأس العالم 2030.
وتابع أن مونديال كرة القدم الذي ستحتضنه المغرب سيكون فرصة للدار البيضاء من أجل تطوير بنيتها التحتية ومرافقها وتجاوز الإشكاليات والإكراهات التي تعيشها ساكنة مجموعة من الأحياء بها اليوم، موضحا أنه لإنجاح هذه التظاهرة العالمية يجب الحفاظ على المكتسبات الموجودة بالعاصمة الاقتصادية ومقاطعاتها، والعمل في الوقت ذاته على معالجة المشاكل البنيوية التي تعتريها؛ وفي مقدمتها وضع تقسيم ترابي يسهل تدبير أمورها بالنسبة للجهات المنتخبة.