اعتبر حزب التقدم والاشتراكية أن مشروع قانون مالية 2025، يتضمن فعلاً إيجابياتٍ قليلة، ولكن التدابير التي أتى بها، وتلك التي لم يأتِ بها، تجعله لا يَعكِس تَوَجهَاتِهِ المعلنة، كما أنه، على غرار سابِقِيه الثلاثة، لا يرقى إلى أنْ يشكِّـــــلُ عاملاً لاستعادة الثقة، ولا جَواباً على الصعوبات الاقتصادية والمعضلات الاجتماعية.
وقال النائب البرلماني أحمد العبادي ، عضو فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، في الجلسة العامة المتعلقة بمناقشة والتصويت على مشروع قانون مالية 2025، اليوم الخميس، إنه مشروعٌ مِن دونِ نَـفَسٍ إصلاحي أو إبداعٍ سياسي للحلول، يُقَدِّمُ كلَّ القضايا على أنها أولوية، في مقابِل منجزٍ متواضعٍ على المستويات الديموقراطية والاقتصادية والاجتماعية.
وأبرز العبادي أنه مشروعٌ يقومُ على فرضياتٍ مُضَخَّمَة وغير واقعية، وليس فيه ما يُعزز فعلاً سيادَتنا الاقتصادية، ولا ما يبرهن على حُسنِ استثمار الفرص والإمكانيات الذاتية لبلادنا، مشيرا إلى أن اقتصادَنَا الوطني وماليتَنا العمومية لهما مناعة، تمَّ اكتسابُها بفضل تَراكُمِ الإصلاحات التي باشَرَتها بلادُنا منذ نهايات التسعينات، وكانت محمولةً سياسيا بقوة، وهي فرصة لمساءلة الحكومة حول استفادتها بهذا الرصيد، والكيفية التي وضَعَت بها وثيقةَ النموذج التنموي الجديد فوق الرفوف.
وأضاف أن مشروع القانون المالي الذي يناقش اليوم “لا يَخرُجُ عن قاعدةِ عملِ هذه الحكومة، التي في عهدها تفاقَمَت أزمة الثقة، وبرزت احتقانات اجتماعية في أوساطِ معظم القطاعات والفئاتٍ، وهناك حيرةٌ لدى المواطن بين ما يسمعه من برامج معلَنَة بملايير الدراهم، وبين ما يعيشه من ارتفاعٍ فاحشٍ للأسعار ولكُلفة المعيشة، ومن تدهورٍ للقدرة الشرائية”.
وأبرز أن انخراطهم في ورش الحماية الاجتماعية لا يُضَاهِيهِ سوى حرصهم على توفير شروطِ حُسن تفعيلِه، وفي مقدمتها إحداثُ قانون تمويل الحماية الاجتماعية، لتتوضَّح الموارد والنفقات الحقيقية، دون تضخيمٍ في الأرقام، ودون عتباتٍ إقصائية، موضحا أنه تقريباً 4 ملايين أسرة تستفيد الآن من الدعم الاجتماعي المباشر، يعني أنَّ حواليْ 14 مليون مغربية ومغربي، كلهم يعيشون على إعانة الدولة، وذلك ما يُبيِّنُ الحجم المتصاعد والمقلق للفقر، بما يُسائلُ الحكومةَ أساساً حول إشكالية عُظمى هي كيفياتُ إدماج جميع المغاربة في مسلسل الإنتاج والتنمية والشغل.
وتابع أنه أمام كلِّ هذه الأوضاع، تُصِرُّ الحكومة على الرضى عن الذات، وادِّعاءِ إنجاز كل شيء. وهو خطابٌ خطير من شأنه أن يُفاقِمَ الاحتقان، وأنه عِوض أن تُغَيِّرَ الحكومةُ سياساتها، اكتفتْ فقط بتغيير أشخاص بأشخاص آخرين، نتمنى لهم النجاح.
ولفت إلى أن مشروع قانون المالية يُخبرنا بنجاح الحكومة في إنجازِ خُطاطةٍ حول سوق الشغل، بغلاف مالي قدره 14 مليار درهماً، لكن دون أيِّ تفاصيل، وأن الجميع يعلمُ أنَّ خلق مناصب الشغل يتطلب تحقيقَ نِسَبِ نموٍّ مرتفعة، من خلال خلق مناخ جاذبٍ للاستثمار. لكن الحكومة لم تحقق سوى نِسَبَ نُموٍّ ضعيفة (بين 1 و3%)، على عكس 4% التي التزمت بها.
واستطرد أنه أمام وَعْدِ الحكومة بإحداثِ مليون منصب شغل، فَـــــقَدَ اقتصادُنا الوطني مئات الآلاف من مناصب الشغل؛ وقَفَزَ معدلُ البطالة إلى 13,1% عموماً و36,1% في أوساط الشباب كما قَفَزَ عددُ “Les NEET” إلى 4.3 مليون، مشيرا إلى أنه كان ينتظر أن تعترفَ الحكومةُ بفشل برنامج فرصة، وبرنامج أوراش، لكنها مُصِرَّةٌ على التَّعَالي وعدمِ الإقرار بأخطائها.
واعتبر أن الإخفاقَ في التشغيل هو برهانٌ على محدودية المقاربات الاقتصادية للحكومة، وعلى عجزها في تطويرِ قُدراتِ المقاولات المغربية وفي اعتماد تطويرٍ حقيقي لتصنيعٍ حديث. حيث لا يمكن للحكومة أن تُفَسِّر هذه الوضعية فقط بالجفاف الذي رافَقَ جُلَّ الحكوماتِ دون أن تَصِلَ البطالةُ إلى كلِّ هذا المستوى المقلق والخطير.
وواصل أنه “إذ كنا نثمن مجهوداتِ الرفع من الموارد وتحصيلِها، وتخصيص 340 مليار للاستثمار العمومي، فإننا نُنَبِّهُ إلى معضلات: تواضُع نسبة التنفيذ لدى عددٍ من القطاعات؛ والترحيل المتواصل لبعض الاعتمادات؛ والتوزيع غير العادل ترابيا”، مسجلا تواضُع الاستثمارات الأجنبية المباشرة. أما مشاريع اللجنة الوطنية للاستثمار، فنبه إلى ضرورة تتبُّع الحكومة لمدى تنفيذها الفعلي، وإلى ضُعف مردوديتها من حيث الشغل.
ونبه الحكومة إلى أنها لم تُخرِج بعدُ مرسوم دعم المقاولات الصغرى والصغرى جدًّا، وهو أمرٌ غير قانوني وغير مفهوم، لافتا إلى أنه إذا كان تحفيزُ الاستثمار الخصوصي رهيناً بالتحسين الحقيقي لمناخ الأعمال، وبإعمال دولة القانون في المنافسة الاقتصادية، ومكافحة الريع والفساد، فإنه على عكس هذا الاتجاه، تراجَعَتْ بلادُنا خلال السنوات الأخيرة في مؤشرات إدراك الفساد والحرية الاقتصادية، ويَسود جوٌّ من عدم الثقة لدى المقاولات، بشهادة تقارير رسمية وطنية.
وأوضح أنه بالنسبة لغلاء الأسعار، فإن مشروع قانون المالية، يُخبِرُنا بأنه يتم التحكُّم في التضخم حاليا، فيما بين 1 و2%، لكن على الحكومة أنْ تُراجِعَ الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك، حيث بسبب الغلاء: 82.5% من المواطنين صرَّحُوا بتدهور مستوى معيشتهم، كما التحقَ 3.2 مليون مواطناً بدائرة الفقر والهشاشة.
وأضاف أنه “إذ كنا ندعمُ بعض التدابير، من قبيل دعم المقاصة وأسعار الكهرباء، فإننا نتساءلُ عن جدوى إصرار الحكومة على الاستمرار في تقديمِ الدعم والامتيازات الضريبية والجمركية، بشكلٍ سخٍيٍّ لفئة قليلة، بدون أثرٍ إيجابي على المواطن، (مثلاً أرباب النقل ومستوردي الأبقار والأغنام)؛ ودون إرادةٍ في ربط الدعم بتسقيف الأسعار؛ ودون مكافحةٍ حقيقية للمضاربات؛ ودون تدخلٍ لضبط هوامش الربح، ودون إرادةٍ في رفع الضريبة على الفاعلين في سوق المحروقات والاتصالات”.