أثرت التساقطات المطرية الأخيرة التي عرفتها عدد من أقاليم المملكة بشكل سلبي على المحصول الفلاحي للكثير من الفلاحين (الصغار والمتوسطين) وخلفت الزخات المطرية الرعدية التي كانت مصحوبة بالبرد (التبروري) خسائر جسيمة طالت الحقول الفلاحية وتسببت في نفوق عدد من رؤوس الماشية.
وتسبب قوة الأمطار والبرد على مستوى جهة فاس مكناس في تضرر الأشجار المزهرة (الزيتون) إضافة إلى إتلاف ثمار بعض أشجار الفواكه، و محاصيل الفول والطماطم والخيار وفاكهة البطيخ الأحمر .
فلاحون يكشفون عن خسائرهم ويطالبون بتدخل وزارة الفلاحة
وفي هذا الصدد كشف بشار حسن وهو فلاح يقطن بجماعة أولاد ميمون التابعة لإقليم مولاي يعقوب، عن تضرر محصوله المكون من الفول وأشجار الزيتون بسبب الزخات الرعدية التي عرفتها جهة فاس مكناس في الأسبوع الماضي.
وقال بشار حسن في تصريح لجريدة “شفاف”، “بعدما استبشرت خيرا بأن الموسم الفلاحي لهذه السنة سوف يشهد تحسنا بعد الأضرار والخسائر التي تكبدناها في السنتين الأخيريتين بسبب غلاء الأسمدة والمحروقات وقلة التساقطات المطرية، فوجئنا خلال الأسبوع الماضي بتساقطات مطرية جد قوية أتت على محصول الفول وأشجار الزيتون”. مضيفا، أن خسارته كبيرة، ومطالبا في الآن ذاته، من الجهات المعنية بالتدخل من أجل معالجة الأضرار التي تعرض لها الفلاحون وتعويضهم عن الخسائر .
وفي السياق ذاته، كشف رشيد وهو فلاح شاب بمدينة فاس، عن تعرضه لخسائر مادية كبيرة وذلك بعد خسارته لمحصوله كاملا من فاكهة البطيخ الأحمر بسبب ارتفاع منسوب سد علال الفاسي الذي بلغ منسوبه بعد التساقطات المطرية الأخيرة 98 في المائة.
وقدر المتحدث ذاته، حجم خسارته بالملايين بعدما غزت المياه 13 هكتارا كانت معدة لإنتاج فاكهة البطيخ الأحمر. مضيفا، أن هناك العديد من الفلاحين الذين تضررت محاصيلهم الفلاحية إما بشكل كلي أو جزئي (الطماطم، الفلفل، الأشجار المثمرة، الفول، الخيار..) بعد التساقطات المطرية التي عرفتها الجهة.
من جهة أخرى، كشف بشار، أن محصوله الذي كان يعتمد عليه في إعالة أسرته خلال كل عام خسره هذه السنة بنسبة كبيرة، موضحا، أن موسم الحصاد تضرر هو كذلك بفعل التساقطات المطرية، على اعتبار أن القمح الصلب يعرف تراجعا في قيمته الغذائية، وقد يكون عرضة للتلف إذا لم توفر له سبل الحماية عبر التخزين أو الإسراع باستهلاكه خلافا للقمح اللين(فرينة) الذي لم يتضرر وبقي على حاله.
وطالب المتضررون من وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية، عبر ممثليها بالجهة، بالتدخل العاجل من أجل رفع الضرر عن الفلاحين الذين خسروا محاصيلهم وتعرضوا لأضرار جسيمة.
المديرية الجهوية للفلاحة بجهة فاس مكناس ترفض الرد على تساؤلات الجريدة
وأمام الأضرار التي تعرض لها العديد من الفلاحين خصوصا بجهة فاس مكناس وتواصل العديد منهم مع الجريدة من أجل نقل معاناتهم إلى وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية، حاولت جريدة “شفاف” التواصل مع المدير الجهوي للوزارة بالجهة كمال حيدان واتصلت به مرار وتكرارا لكنه فضل التزام الصمت وتجاهل رسائلنا النصية رغم اطلاعه عليها ، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول السياسة التواصلية لممثلي الوزارة مع وسائل الإعلام فما بالك مع المواطنين المتضررين.
خبراء فلاحيون يعددون محاسن ومساوئ التساقطات المطرية في يونيو
كشف رياض وحتيتا، خبير فلاحي، أن التساقطات المطرية المتأخرة التي يعرفها شهر يونيو لها إيجابيات كبيرة على الفرشة المائية والمواشي وكذا الغطاء النباتي، مضيفا، أن المتضرر الوحيد منها هو الفلاح.
وقال وحتيتا في تصريح لجريدة “شفاف”، أن الأمطار الأخير التي عرفتها مختلف جهات المملكة ستعمل على إغناء الفرشة المائية في المغرب وكذا الرفع من مخزون السدود بالإضافة إلى ذلك سيكون لها أثر إيجابي على المواشي وذلك بسبب الوفرة في الكلاء (الحشائش) وتحسين الغطاء النباتي، بالإضافة إلى تقليص نسبة السقي عند الفلاح.
بالتزامن مع فصل الصيف ..شبح العطش يداهم الأمن المائي للمملكة
أما بخصوص الأضرار التي يمكن أن يتعرض لها الفلاح، فقد أرجعها الخبير الفلاحي، إلى قوة الأمطار وكذا اصطحابها بالبرد، حيث ستتضرر الأشجار المثمرة وأي نوع أخر من الخضر والفواكه إذا لم يتخذ الأخير احتياطاته وهذا ما شهدناه في العديد من المناطق أثناء التساقطات المطرية الأخيرة. موضحا، أن هذا الأمر لن يحدث في حالة كانت الأمطار خفيفة.
وأضاف أن من بين الفلاحة الذين يمكن أن يتضرروا بسبب التساقطات المطرية الأخيرة، أولئك الذين تأخروا في الشروع في عملية الحصاد، خصوصا الذين ينتمون لمنطقة فاس مكناس على اعتبار أنهم آخر من يزرعون ومن يقمون بعملية الحصاد.
وأوضح المتحدث، خلال هذه الفترة تكون الحبوب كاملة النضج وصلبة، وهذه التساقطات ستتسبب في ضياع المحصول. مردفا، أن الأشخاص الذين قاموا بحصاد أراضيهم ولم يقوموا بجمع التبن (البال) كذلك، سيتكبدون بدورهم خسائر لأن التبن الموجه لتغدية الدواب سيفقد جودته وقيمته الغذائية وقد يتعرض للتلف بسبب التسوس.
وكشف رياض وحتيتا، أن التقلبات المناخية المفاجئة تعتبر أفضل وقت لظهور وتكاثر بعض الأمراض مثل السوسة، عين الطاووس وغيرها من الأمراض الأخرى، وذلك عبر توفر البيئة المناخية المناسبة والمتمثلة في ارتفاع درجة الرطوبة، حيث أن الحرارة تكون مرتفعة ولكن في نفس الوقت هناك تساقطات مطرية.
وفي سياق متصل قال موحى هربو، تقني فلاحي سابق بمصلحة وقاية النباتات بأزرو إقليم ايفران، أن التساقطات المطرية كان لها أثر إيجابي في تحسن الفرشة المائية والغطاء النباتي للماشية، وكذا على الزراعات الربيعية التي هي في حاجة ماسة إلى الماء.
خبير بيئي يكشف لـ”شفاف” آثار التغير المناخي على الغطاء الغابوي والمياه في المغرب
وأرجع هربو الخسائر التي تكبدها الفلاحة إلى العامل البشري أولا، ثم إلى قوة الرياح التي وصلت في بعض المناطق إلى 90 كيلومتر في الساعة، وإلى الصقيع الذي ضرب العديد من المناطق في المملكة وتسببت في سقوط زهور الأشجار المثمرة ذات النواة العظمية.
وأوضح التقني المتخصص، أن التغيرات المناخية والرطوبة المرتفعة وعدم أخذ الاحتياطات من الفلاح هو من يساعد على ظهور الأمراض (الفطرية، والحشرات، والبكتيريا)، خصوصا مع التقلبات الجوية التي تعرفها المملكة حاليا.
وكشف المتحدث أن الأرض الفلاحية إذا عرفت تساقطات مطرية ولم يتم معالجتها من طرف الفلاح وتكرر الأمر ولم يتخذ الأخير أي عمل استباقي، فيٌتوقع أن يتضرر محصوله أو منتوجه، موضحا، على الفلاح أن تكون تدخلاته استباقية في مثل هذه الأمور وليس علاجية. كاشفا، إذا اعتمد على الخطة العلاجية فستكون تكلفتها باهظة فيما يخص الأدوية المستعملة في العلاج (المبيدات ).
وعن الأمراض التي يمكن أن تظهر في فترة التقلبات المناخية، يقول هربو، أنها تختلف على حسب المنطقة ومناخها والمزروعات، كاشفا، أن فطر البياض الدقيقي Oidium: يضرب الورود والكروم وأشجار الفاكهة ونباتات الخضروات، وذلك حينما تتوفر ظروف تكاثره (الرطوبة والحرارة المرتفعة)، ويقوم هذا الفطر بتغطية الأوراق والثمار. ولمقاومته ينصح المتحدث ذاته بإزالة الأغصان المريضة وبحرقها أو استعمال المبيدات.
وتابع المتحدث، أما مرض فطر التبقع la tavelure du pommier فهو يعتبر مرضا خطيرا يصيب الأوراق والأزهار والثمار وتؤدي العدوى الخاصة به إلى تساقط الأوراق مما يجعل ثمار الشجرة التي أصيبت بالمرض غير قابلة للبيع.
وفيما يخص العلاج الوقائي، يكشف التقني المتخصص في النباتات، يجب استعمال مبيد التلامس قبل إصابة الأوراق بالعدوى. موضحا، أن الاستراتيجية العلاجية للعدوى تعتمد على استعمال مبيد ضد الفطر من 3 إلى 4 أيام بعد تساقط الأمطار الأولى.
وعن الحشرات المضرة، يقول موحى هربو، أن هناك أنواع كثيرة من الحشرات التي تهاجم الأشجار المثمرة من بينها القراديات (Acariens)، إذ هناك نوعان أساسيان يصيبان أشجار التفاح والمتمثل في القرديات الحمراء والقرديات الصفراء ذات النقطتين.
وأبان هربو، أن أضرر هذه الحشرات قد تكون كبيرة. حيث تميل أوراق التفاح إلى اللون الأصفر فالبني وتأخذ صفة رصاصية وقد تسقط قبل الأوان. بالإضافة إلى ذلك فلدغات القرديات تقلل من عملية التمثيل الضوئي ((Photosynthèse وتسبب فقدان الماء.
وفيما يتعلق بالعلاج المعقلن، يضيف المتحدث ذاته، فلا يجب التدخل إلا إذا تم الوصول إلى العتبة:
+العتبة الشتوية المقبولة هي 200 بيضة في كل غصن من 20 سم؛
+العتبة الشتوية المقبولة بعد فصل الشتاء هي: %60 من الأوراق المصابة أو 3 إلى 3 أشكال متحركة في كل ورقة؛
+وفي فصل الصيف فإن هذه العتبة هي %40 من الأوراق المصابة أو 5 إلى 7 أشكال متحركة في كل ورقة.
وبالنسبة للعلاج الكيميائي، فينصح المتحدث ذاته، بالاعتماد على تقني متخصص في هذا المجال والابتعاد عن العشوائية في العلاج، وكذا يجب الرجوع إلى دليل الصحة النباتية المعد من قبل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية من أجل الاقتصار على المبيدات المسجلة والمسموح باستعمالها.
أما بخصوص مرض المن الرمادي فيقول الخبير التقني المتخصص، أن لدغات الأخير تصيب الأوراق وتؤدي إلى توقف النمو وتشوه الأغصان. مبينا، إذا أراد الفلاح محاربتها فيجب عليه القيام برش المبيد المناسب خلال نهاية شهر مارس وبداية شهر أبريل.، كاشفا، أن هذا النوع من المرض لديه تفرعات أخرى مثل المن الأخضر المتعلق بشجرة التفاح وشجرة الخوخ وكل له خصائصه وطرقه العلاجية.
وبخصوص الأمراض الفطرية، فيكشف المتحدث ذاته، أن الأمر يتعلق بالبينيسليوم والبوتربتيس والمولينيا والفيتوفتورا. وبعض هذه الأمراض يكون سببها إصابة الثمار بالجروح.
وفي الأخير يضيف موحى هربو، أن الوقاية بإمكانها أن تجنب الفلاح الكثير من الأضرار، وذلك عبر اتباع تدابير وقائية معتمدة على تقنيات زراعية مناسبة.
العامل البشري عنصر رئيسي في الخسائر التي طالت الضيعات والمواشي
قال علي دادون متخصص في قضايا الماء، وأستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر، أن الانتاجية الفلاحية للمغرب خلال العشر سنوات الأخيرة كانت على حساب الاحتياطي من الفرشة المائية، خصوصا في السهول مثل سهل سايس وسوس.
بنعبو يبرز حيثيات قرار الحكومة وقف دعم المشاريع الزراعية المستهلكة للماء
وأبان دادون في تصريح لجريدة “شفاف”، أن الفرشة المائية والسدود في المغرب لم تعد في مستوياتها العادية، والتساقطات المطرية الأخيرة لديها دور مهم جدا في تطعيم طبيعي للفرشة المائية الباطنية والسطحية وإعادة ملأ السدود.
ومياه التساقطات المطرية، حسب المتحدث ذاته، لن يتم استغلالها حاليا وإنما ستبقى احتياطي للسنة القادمة أو السنوات المقبلة في حالة ما إذا شهد المغرب تساقطات مطرية مهمة. موضحا، أن الفرشة المائية ليس لها حدود إذ من الممكن أن تعرف مدينة تطوان تساقطات مطرية مهمة وتستفيد منها مدينة الرباط لأن الفرشات المائية الباطنية متصلة فيما بينها.
والميزة الثانية للتساقطات المطرية، وفق الخبير، تتمثل أيضا في التنقية الذاتية للأودية عبر إغناء الجريان المائي السطحي، بمعنى أن الأودية التي تكون جافة بفعل الجفاف والسدود المتواجدة فوقها وتتحول إلى مطارح عمومية ويتم رمي فيها المواد الصلبة ومياه الواد الحار وغيرها من الأشياء الضارة، وبفعل التساقطات ستعمل على التخفيف من التلوث في المجاري المائية المتواجدة في المغرب.
أما بخصوص الخسائر التي تكبدها الفلاح، يؤكد علي دادون، أن أغلبها بسبب العامل البشري الذي يلعب دورا كبيرا في هذه العملية، وللأسف الإنسان لديه ذاكرة هشة وينسى أن هذه الأودية كانت نشيطة ويمكن لها أن تعود في أي وقت لنشاطها الطبيعي وعليه الانسان هو من يبحث عن الأودية عبر الزراعة أو البناء أو جلب ماشيته إليها وهذه الخسائر التي وقعت هي من إنتاج بشري وليس طبيعي.
واستطرد المتحدث أنه وبالرغم من أن هنالك عوامل طبيعية وراء تضرر الأشجار المثمرة وكذا بعض الخضر والفواكه،، إلا أن العامل البشري يتحمل بدوره النصيب الأكبر من هذه الخسائر فالفلاح في المغرب لم يستفد بشكل قط من التقدم التكنولوجي في المجال الفلاحي وفي علم الأرصاد الجوية، ولم ينخرط في استعمال الوساءل والتقنيات الحديثة من أجل الوقاية ومواجهة الأمطار الطوفانية بشكل استباقي .
وكشف المتحدث ذاته، أن الفلاح في السابق كان يعتمد على وسائل رغم أنها بدائية وفيها بعض الأضرار، إلا أنه تمكن من تذويب البرد في السماء وجعله يهطل على شكل ماء إما عبر جلب إطارات السيارات وحرقها إذ تسمح هذه العملية على تذويب البرد أو استعمل المفرقعات النارية للقيام بنفس العملية.
وأمام التقدم العلمي، يقول الخبير في قضايا الماء، أن الفلاح اليوم لم يعد في حاجة إلى مثل تلك الطرق، فهناك تطبيقات واليات جد متطورة تسمح للفلاح بمعرفة وقت حصول موجة حر أو هطول أمطار (خفيفة، قوية) بأسابيع.
وأبان، أن تكَيف الإنسان مع طول مدة الجفاف جعلته لايصدق أنه بإمكان المناطق التي لم تعرف تساقطات مطرية لمدة طويلة يمكن لها أن تشهد زخات مطرية جد قوية في أي وقت من السنة. كاشفا، أن الأمطار التي عرفها المغرب كان له علم بها قبل 15 يوما من هطولها، لأن هناك خرائط جوية وأقمار اصطناعية وبرامج معلوماتية متطورة جدا تتنبأ بحدوث وضع استثنائي مطري أو حراري قبل أسابيع من وقوعه.
وأضاف، علي دادون، أن أصحاب القرار والفاعلين في المجال الفلاحي في المغرب لا يأخذون هذه المعطيات بعين الاعتبار، ولو انحرطوا بشكل ايجابي في اعتماد التكنولوجيا الحيوية في مواجهة التغيرات المناخية لتجنبنا الكثير من الخسائر البشرية والمادية، مبينا، أن هناك الكثير من الفلاحة يحملون أفكار تقليدية عن المطر وينتظرون أن تجود عليهم السماء بالغيث ويجهلون شئيا اسمه الاستمطار الصناعي .
ودعا دادون إلى “الاستثمار في تقنية الاستمطار الصناعي بالمغرب”، لافتا إلى أنه يمكن الرهان على هذه التقنية كحل بديل لتجاوز شح الأمطار شريطة توجيهها إلى مناطق ذات تضاريس مساعِدة لافنا إلى أن هذه التقنية قد تساعد في زيادة في هطول الأمطار بنسبة من 14 إلى 17 في المئة.