يدور نقاش واسع داخل فرنسا وخارجها، لاسيما بالنسبة للدول الشريكة لباريس، مثلما هو الأمر مع المغرب، وذلك فيما يخص التوجه السياسي المستقبلي لقصر “الإليزيه”؛ عقب إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن إجراء انتخابات تشريعية مبكرة يومي 30 يونيو الجاري و7 يوليوز المقبل، بعد قيامه بحل الجمعية الوطنية (البرلمان) في 9 يونيو الحالي، وذلك في ظل وجود استطلاعات للرأي تمنح الفوز لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف وتولي رئاسة الوزراء لزعيمه جوردان بارديلا، والذي له توجه معادي للمسلمين والأجانب.
♦ استطلاعات الرأي
بعد فوزه في الانتخابات الأوروبية وحصوله على 31.37 % من أصوات الفرنسيين، منحت استطلاعات الرأي بفرنسا التقدم لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف على بقية منافسيه، حيث أبرز استطلاع آراء الناخبين في هذا الجانب أن حظوظ هذا الأخير في تصدر نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية تزداد يوما بعد آخر.
وكشف معهد “إيلاب” في استطلاع للرأي أن التجمع الوطني اليميني المتطرف سيحقق فوزا كبيرا في الانتخابات التشريعية في فرنسا، لكن بدون الحصول على الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية، مشيرا إلى أنه سيحصل على 31% من الأصوات في الجولة الأولى المرتقبة يوم 30 يونيو الجاري.
وأضاف “إيلاب” أن تحالف أحزاب اليسار الذي يحمل اسم “الجبهة الشعبية”، والذي يضم حزب فرنسا الأبية، والحزب الاشتراكي، والحزب الشيوعي، وحزب الخضر، سيحصل على 28%، بينما حزب الجمهوريين الذي أعلن عن تحالفه مع حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف سيكسب 6.5% من الأصوات، في حين أن حزب النهضة الذي يقوده الرئيس ماكرون فكان له برفقة حلفائه 18%.
وحسب الاستطلاع ذاته، اعتبر 43% من الفرنسيين أن حزب التجمع الوطني سيفوز بالانتخابات التشريعية ويحظى بأكبر عدد من النواب في الجمعية الوطنية، و10% منحوا التقدم إلى تحالف اليسار (الجبهة الشعبية)، و10% أعطوا الصدارة للأغلبية الرئاسية الحالية المشكلة من حزب النهضة وحلفائه، و37% لا يعرفون من سينتصر في هذه الاستحقاقات الانتخابية.
وأبرز المعهد أنه بناءً على توازن القوى الحالي وقياسًا بنوايا التصويت ونتيجة الانتخابات السابقة والتاريخ السياسي لكل دائرة، سيحصل التجمع الوطني في نهاية الجولة الثانية على ما بين 220 و270 مقعدًا من مجموع 577، فيما تحالف اليسار فستتراوح عدد المقاعد التي سيحصل عليها ما بين 150 و190 مقعدا، فيما حزب النهضة الرئاسي وحلفاؤه سيحصلون على ما بين 90 و130 مقعدا، والجمهوريون على ما بين 30 و40 مقعدا، فيما تتوزع بقية المقاعد على القوى السياسية الأخرى؛ والذين ستذهب لهم ما بين 10 و20 مقعدًا.
♦ تأثير الانتخابات في العلاقات بين الرباط وباريس
يرى هشام معتضد، الخبير في العلاقات الدولية والأمنية، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن أي تغيير في “القيادة التشريعية” أو “الجهاز التنفيذي” من خلال ما ستسفر عنه الانتخابات البرلمانية بفرنسا سيكون له تأثير على طبيعة العلاقات المغربية الفرنسية.
وأبرز معتضد أن هذا التأثير سيكون إما على مستوى الشكل أو المقاربة، لكن المنهجية الأساسية التي تحكم الديناميكية السيادية بين البلدين لا يمكن المساس بها كيفما كانت “المطبات السياسية” التي تمر منها الساحة السياسية لفرنسا.
وأردف الخبير في العلاقات الدولية والأمنية، أن لكل تمثل حزبي أو فريق سياسي مقاربة عمل سياسية وأولويات إستراتيجية في تدبير السياسات العمومية أو الملفات الخارجية، وبالتالي فصعود اليمين المتطرف أو أي تغيير في الخريطة التشريعية لباريس سيكون لها انعكاساتها الطبيعية والتقليدية كما في أي لعبة سياسية تضبطها الميكانيزمات الديمقراطية.
♦ السيناريوهات المطروحة
يعتبر هشام معتضد أنه لن يكون لصعود حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف توجها راديكاليًا بخصوص العلاقات المغربية الفرنسية، لأن ما يضبط الديناميكية الثنائية بين الرباط وباريس يخضع لمنطق التاريخ السياسي بين البلدين والمعطيات الجيوسياسية على المستوى الإقليمي، بالإضافة إلى التوجهات السياسية العالمية للقيادة الدولية.
وأوضح الخبير في العلاقات الدولية والأمنية، أن المد والجزر الذي يطبع العلاقات الدبلوماسية بين القيادة المغربية ونظيرتها الفرنسية يدخل في خانة التحولات والتطورات التي تشهدها الساحة الدولية من تغيرات جيوسياسية مهمة؛ والتي يجب أن يخضع لها الصبيب التاريخي والسياسي للعلاقات بين البلدين، وأن تعمل القيادات السياسية لكل من الرباط وباريس على تحيينها لتساير التوازنات الدولية الجديدة.
ولفت إلى أن فرنسا تعيش على وقع تغيير في خطها السياسي الداخلي ومنظومتها الفكرية السياسية الوطنية، مشيرا إلى أن هذا التغيير ولو انعكس في نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة، قد يحدث بعض التغييرات على المستوى الداخلي ولكن سيصطدم في الوقت ذاته مع الواقعية السياسية الدولية.
وشدد على أن العلاقات الدولية لا تخضع للحسابات الإيديولوجية للأحزاب، مبرزا أنه مهما كانت نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة فهناك إطار سياسي دولي ومسار تاريخي سياسي يؤطر الخطوط العريضة للتوجهات السياسية لباريس.
فرنسا تطلب مساعدة المغرب لتأمين الألعاب الأولمبية.. لماذا تستنجد باريس بالرباط في ظل الخلافات؟
وأشار الخبير في العلاقات الدولية والأمنية، إلى أنه قد تتغير المقاربة أو حتى المنهجية في بعض الأحيان الخاصة بدبلوماسية بلد ما، إلا أن هناك بوصلة دولية تحكم التوجهات الكبرى لمسار الدول التي لها مصالح مشتركة مع المنتظم الدولي.
واعتبر المتحدث ذاته، أن فوز تحالف “الجبهة الشعبية” اليساري في الانتخابات المقبلة وتولى قائد حزب “فرنسا الآبية” جون لوك ميلونشون؛ -الذي ولد في طنجة وتربطه علاقات قوية بالمملكة-، لرئاسة الوزراء أفضل نسبيا للرباط من صعود حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي لا تزال تقوده فعليا مارين لوبين، لكن ذلك رهين بالديناميكية الشاملة التي ستفرزها نتائج الانتخابات.
وتابع أن “الجبهة الشعبية” تبقى الأفضل للرباط في تدبير المشاورات والمداولات حول العلاقات الثنائية، لكن التدبير السياسي مرتبط بجزيئات وسياقات دقيقة يصعب الجزم معها مسبقًا حول الأفضلية للمغرب بخصوص نوعية المقاربة التي ستحكم العلاقات المغربية الفرنسية، لكن ما هو مؤكد ان هناك إطار لهذه العلاقات الذي لن يتأثر مهما كانت نتائج هذه الانتخابات.