أصدرت مديرية الدراسات والتوقعات المالية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية مذكرتها الظرفية عدد 337 الخاصة بشهر مارس 2025، والتي ترصد تطورات الظرفية الاقتصادية الوطنية والدولية خلال بداية السنة الجارية.
وتكشف المؤشرات عن أداء اقتصادي إيجابي نسبيًا على المستوى الوطني، مدفوعًا بارتفاع الاستهلاك والاستثمار، في مقابل اتساع العجز التجاري في ظل تراجع الصادرات وارتفاع الواردات، وسط بيئة عالمية تتسم بالضبابية وتباطؤ النمو.
♦تحسن ملحوظ في الطلب الداخلي
تشير المذكرة إلى تحسن نسبي في الاستهلاك الأسري، مدفوعًا بارتفاع القروض الاستهلاكية بنسبة 1,6% وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بنسبة 0,5% إلى نهاية يناير 2025.
وساهمت تدابير دعم القدرة الشرائية، التي أقرتها الحكومة، في الحفاظ على دينامية الطلب، خصوصًا في ظل تسجيل معدل تضخم معتدل بلغ 2,6% خلال فبراير 2025.
على مستوى الاستثمار، حافظ المغرب على وتيرته الإيجابية، مدعومًا بالمشاريع الكبرى والارتفاع الملموس في نفقات الاستثمار من ميزانية الدولة التي بلغت 16,8 مليار درهم عند متم فبراير.
كما سجلت واردات معدات التجهيز زيادة بـ10,8%، والقروض الموجهة للتجهيز بنسبة 18%، إلى جانب انتعاش ملحوظ في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة (+24,1%).
♦أداء متباين للقطاعات الإنتاجية
استفاد القطاع الفلاحي من ظروف مناخية مواتية وتحسن معدل ملء السدود (37,3% في 24 مارس)، بالإضافة إلى ارتفاع صادرات المنتجات الفلاحية والغابوية بنسبة 2,2%. كما ارتفعت قيمة مفرغات الصيد الساحلي والحرفي بنسبة 13,5%.
في المقابل، واصل القطاع الصناعي نموه مع تسجيل ارتفاع في الإنتاج الصناعي بنسبة 5,4% عند نهاية 2024، ونمو قوي في الأنشطة الاستخراجية (+21%).
كما ارتفعت إنتاجية الطاقة الكهربائية بنسبة 6,7%، وحققت مبيعات الإسمنت نموًا بنسبة 12,6%، ما يعكس انتعاش قطاع البناء.
أما القطاع السياحي، فقد واصل أداءه الإيجابي مع تسجيل ارتفاع في عدد السياح الوافدين بنسبة 24%، وعدد ليالي المبيت بنسبة 16%، وإيرادات السفر بنسبة 10,1% حتى نهاية يناير.
وشهد قطاعا النقل الجوي والبحري انتعاشًا لافتًا، وسجّلت الاتصالات نموًا في عدد المشتركين بالهاتف والإنترنت.
♦اختلالات في المبادلات الخارجية
رغم الأداء الجيد لبعض القطاعات التصديرية، سجّلت الصادرات الوطنية تراجعًا بنسبة 2,4% إلى غاية يناير، وسط ارتفاع في صادرات الطيران (+14,2%) والنسيج والجلد (+5%). بالمقابل، ارتفعت **الواردات** بنسبة 3,4%، باستثناء المنتجات الطاقية التي تراجعت بـ11,6%.
نتيجة لذلك، توسع العجز التجاري بنسبة 13,3%، وتراجع معدل التغطية بـ3,5 نقاط ليستقر عند 59,1%. وفيما يخص احتياطيات العملة الصعبة، فقد غطت واردات السلع والخدمات لمدة 5 أشهر و5 أيام عند نهاية يناير.
♦تحسن في المالية العمومية وأسواق التمويل
سجلت الإيرادات العادية نموًا بنسبة 7,4% في متم فبراير، مقابل ارتفاع كبير في **النفقات الإجمالية** بنسبة 31,3%. أما على صعيد التمويل البنكي، فقد ارتفعت القروض الموجهة للقطاع غير المالي بنسبة 3,3%، موزعة بين قروض موجهة للمقاولات (+2,3%) والأسر (+2%).
كما واصلت بورصة الدار البيضاء منحاها التصاعدي، إذ ارتفع مؤشرا MASI وMASI 20 بنسبة 2,9% و3,2% على التوالي في فبراير، لتصل نسبة نموهما منذ نهاية 2024 إلى 13,2% و14,1%.
♦سياق دولي محفوف بالمخاطر وتوقعات نمو ضعيفة
على المستوى الدولي، تتوقع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى 3,1% سنة 2025 (مقابل 3,2% في 2024)، وسط تباين في الأداء بين الدول.
ومن المرتقب أن يتباطأ النمو في الولايات المتحدة إلى 2,2%، بينما يُنتظر انتعاش طفيف في منطقة اليورو (1%)، واليابان (1,1%)، مع تراجع في الصين (4,8%) والبرازيل (2,1%).
وتزداد المخاوف العالمية بفعل تصاعد التوترات الجيوسياسية، وعودة السياسات الحمائية، وارتفاع أسعار الفائدة في بعض الاقتصادات الكبرى.
♦أسعار النفط والمواد الأولية: تقلبات مستمرة
سجّل سعر خام برنت74 دولارًا للبرميل في 24 مارس، بتراجع 11% منذ ذروته في يناير، نتيجة فائض العرض وانخفاض الطلب، خصوصًا في الصين ودول منظمة التعاون.
أما أسعار الأسمدة والمعادن، فقد شهدت ارتفاعًا لافتًا بسبب تقلص العرض، بينما ظلّت أسعار **المنتجات الغذائية** متقلبة بفعل تأثيرات مناخية وجيوسياسية.
♦مرونة اقتصادية محفوفة بتحديات داخلية وخارجية
يؤكد التقرير أن الاقتصاد المغربي في مستهل 2025 يُظهر مرونة نسبية تعكسها دينامية الاستهلاك والاستثمار، مدعومة بسياسات عمومية محفزة، رغم استمرار الضغوط الخارجية الناتجة عن اتساع العجز التجاري وتقلبات الأسواق الدولية.
وتبقى استدامة النمو رهينة بقدرة المغرب على الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية، وتكثيف الإصلاحات الهيكلية لتحفيز الإنتاجية وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني في بيئة عالمية تتسم بعدم اليقين.