يحتفي المغرب، إلى جانب دول العالم، باليوم العالمي للمرأة في 8 مارس، وهي مناسبة لاستعراض المكتسبات التي حققتها النساء المغربيات، وتسليط الضوء على التحديات التي لا تزال قائمة.
وشهد المملكة في العقود الأخيرة تطورات مهمة على مستوى تعزيز حقوق المرأة، حيث عرفت التشريعات تحولات بارزة، من بينها تعديل مدونة الأسرة، وتعزيز المشاركة السياسية، واعتماد سياسات لدعم التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء.
كما برزت المرأة المغربية في مختلف المجالات، من السياسة إلى الاقتصاد، مرورًا بالثقافة والعلوم
ورغم هذه المكتسبات، لا تزال هناك تحديات تحتاج إلى مجهودات مستمرة، مثل الفجوة في الأجور، وضعف تمثيلية النساء في مواقع القرار، إضافة إلى ظواهر العنف والتمييز التي تتطلب آليات أكثر صرامة للحماية.
وفي هذا السياق، يشكل اليوم العالمي للمرأة فرصة لمناقشة سبل تعزيز المساواة الفعلية، وضمان تمكين النساء في كافة المجالات، بما يرسخ دورهن كفاعل أساسي في تحقيق التنمية المستدامة بالمغرب.
♦محطة لتقييم المكتسبات
ترى الدكتورة نجاة الوافدي، عضو مجلس الإدارة المكلفة ببرامج المساواة وتكافؤ الفرص وتمكين الفتاة، أن الاحتفال بيوم الثامن من مارس لا ينبغي أن يظل مجرد محطة احتفالية، بل يجب أن يكون مناسبة لتقييم المكتسبات ورصد التحديات التي لا تزال تعيق تحقيق المساواة الفعلية بين النساء والرجال في المغرب.
وأكدت عضو مجلس الإدارة المكلفة ببرامج المساواة وتكافؤ الفرص وتمكين الفتاة، أن المرأة المغربية رغم المكتسبات التي تحققت على مدى السنوات الأخيرة، لا تزال تواجه تحديات تحول دون تحقيق المساواة الفعلية.
وشددت الدكتورة نجاة الوافدي في تصريح لجريدة “شفاف”، على أن أي تقدم حقيقي في هذا المجال يقتضي إصلاحات جذرية في مدونة الأسرة، وتعزيز التمكين الاقتصادي والسياسي للمرأة، مع ضرورة تغيير العقليات والصور النمطية التي تحد من مشاركتها الكاملة في مختلف مجالات الحياة.
♦مدونة الأسرة.. بين المكتسبات والاختلالات
أوضحت الدكتورة أن مدونة الأسرة التي تم اعتمادها سنة 2004 مثلت خطوة مهمة في سبيل تعزيز حقوق المرأة، إلا أن التطبيق العملي لها أظهر اختلالات جوهرية حالت دون تحقيق العدالة المنشودة بين الجنسين.
وأشارت المتحدثة إلى أن هذه المدونة، التي كانت تقدمية عند صدورها، لم تعد تواكب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي شهدها المغرب، مما يستدعي إصلاحا جذريا وليس مجرد تعديلات جزئي.
وأكدت الدكتورة الوافدي، أن المراجعة المرتقبة يجب أن تركز على إلغاء الاستثناء المتعلق بزواج القاصرات، حيث أظهرت الإحصائيات أن الآلاف من الفتيات المغربيات يتم تزويجهن سنويا تحت غطاء الاستثناء القانوني، مما يؤدي إلى الهدر المدرسي، وحرمانهن من فرص التعليم والتكوين، فضلا عن المخاطر الصحية والنفسية التي ترافق هذا النوع من الزواج.
كما شددت المتحدثة على ضرورة وضع شروط صارمة لتعدد الزوجات، حيث كشفت الدراسات أن هذا النظام يؤدي إلى تفكك الأسر، وزيادة الضغط الاقتصادي، وارتفاع معدلات الفقر والهدر المدرسي بين الأطفال.
وأكدت أن المصلحة الفضلى للأسرة والمرأة تقتضي تقييد هذا النظام بشكل يجعله حالة استثنائية نادرة، وليست قاعدة يسهل استغلالها، مضيفة أن من الإصلاحات الضرورية أيضا جعل النيابة القانونية على الأبناء حقا مشتركا بين الزوجين أثناء الزواج وبعد الطلاق، مما يضمن توازنا في المسؤوليات الأبوية، ويحفظ حقوق الطفل.
كما دعت إلى تعزيز حقوق الأم المطلقة في الحضانة والسكن، حتى لا تكون عرضة للتشرد أو الابتزاز بسبب فقدانها لحضانة أبنائها عند زواجها من جديد
ومن بين النقاط التي اعتبرتها أساسية، شددت المتحدثة أن المدونة يجب أن تشمل إصلاحا لقوانين تقسيم الممتلكات، بحيث يتم الاعتراف قانونيا بمساهمة المرأة في تنمية الثروة الأسرية، سواء كانت تعمل خارج المنزل أو تقوم بأدوار غير مدفوعة الأجر داخل الأسرة، مثل رعاية الأطفال وإدارة شؤون البيت.
♦التمكين الاقتصادي.. ضرورة لتحقيق الاستقلالية المالية للمرأة
إلى جانب الإصلاح القانوني، شددت الدكتورة نجاة على أن التمكين الاقتصادي للمرأة يظل أحد المحاور الرئيسية لتحقيق المساواة الفعلية.
وأشارت إلى أن النساء المغربيات يضطلعن بدور المعيل الرئيسي للأسر في الكثير من الحالات، حتى في ظل وجود الرجل، إلا أن العراقيل القانونية والتمييز في الأجور، وصعوبة الوصول إلى التمويلات، تحد من قدرتهن على تحقيق استقلاليتهن المالية.
ودعت إلى إطلاق برامج حكومية جديدة لدعم المشاريع النسائية، خاصة في المناطق القروية، وتوفير تمويلات ميسرة للنساء الراغبات في إطلاق مقاولاتهن الخاصة، إلى جانب تعزيز التكوين المهني والتقني للنساء، بما يضمن لهن فرصا أفضل في سوق العمل.
كما أكدت على ضرورة مراجعة قوانين العمل لضمان مساواة الأجور بين النساء والرجال في الوظائف المتشابهة، وإقرار آليات صارمة للتصدي للتمييز المهني والتحرش الجنسي في أماكن العمل، باعتبارهما من العوامل التي تعيق اندماج المرأة في الحياة الاقتصادية.
♦المشاركة السياسية.. بين التقدم والعراقيل
وفيما يخص الحضور السياسي للمرأة، أشارت الدكتورة نجاة إلى أن المغرب حقق تقدما ملحوظا في هذا المجال، حيث ارتفعت نسبة النساء المنتخبات في البرلمان إلى 24 بالمئة خلال انتخابات سنة 2021، بعدما كانت صفر بالمئة سنة 1963.
ورغم هذا التقدم العددي، أكدت أن المرأة لا تزال تواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى مراكز القرار داخل الأحزاب السياسية والمؤسسات الحكومية، حيث غالبا ما يتم إقصاؤها من المناصب القيادية، أو يتم تعيينها في مواقع رمزية لا تتيح لها التأثير الفعلي في عملية صنع القرار.
وأضافت أن استمرار العقليات الذكورية والتقاليد الاجتماعية التي تشكك في قدرات المرأة على القيادة واتخاذ القرار، يظل من أكبر العراقيل التي تعيق مشاركتها السياسية، داعية إلى إصلاح القوانين الانتخابية لضمان تمثيلية أكبر للنساء، وتعزيز آليات دعم القيادات النسائية داخل الأحزاب السياسية.
♦العنف ضد النساء.. عقبة أمام تحقيق المساواة
أبرزت الدكتورة الوافيدي أن العنف ضد النساء لا يزال يشكل إحدى أبرز العقبات أمام تحقيق المساواة الفعلية، حيث سجلت النيابة العامة ارتفاعًا بنسبة 3.9% خلال سنة 2023، وفقًا لتقرير رئاسة النيابة العامة، خصوصا أنه انتقل عدد القضايا المعروضة على المحاكم من 28,816 قضية في سنة 2022 إلى 29,950 قضية في سنة 2023. مضيفة أن العنف الإلكتروني أصبح ظاهرة متزايدة في حق النساء والرجال.
ودعت إلى تعزيز القوانين الخاصة بحماية النساء من العنف، إلى جانب إطلاق حملات توعوية وإصلاحات اجتماعية تهدف إلى تغيير العقليات التي تبرر العنف أو تتسامح معه.
♦دعوة إلى إصلاح شامل وتضافر الجهود
وخلصت الدكتورة نجاة الوافدي، أن تحقيق المساواة الفعلية للمرأة المغربية لن يتم إلا عبر إصلاح جذري لمدونة الأسرة، إلى جانب تنفيذ سياسات قوية في التمكين الاقتصادي والسياسي، ومواصلة الجهود لمحاربة العنف والتمييز ضد النساء.
ودعت إلى تضافر جهود جميع الفاعلين، من مؤسسات حكومية، وأحزاب سياسية، ومجتمع مدني، ووسائل الإعلام، لضمان تنفيذ هذه الإصلاحات بفعالية، مؤكدة أن تمكين المرأة ليس قضية نسائية فقط، بل هو قضية مجتمعية تعني الجميع، لأن تحقيق المساواة يساهم في تحقيق تنمية مستدامة وشاملة للمغرب.