يخيم شبح نذرة المياه على مدن وقرى المغرب في ظل وجود مؤشرات عدة تدق ناقوس الخطر حول العجز المائي المسجل على صعيد الأحواض المائية في البلاد .
وقد أظهرت بيانات لوزارة التجهيز والماء أن حجم الواردات المائية المسجلة في مجموع السدود الكبرى مند الأول من شتنبر 2021وحتى 28فبراير 2022 قدر بنحو 714 مليون متر مكعب, الأمر الذي يشكل عجزا بنحو 89 في المائة مقارنة بالمعدل السنوي للواردات .
وتطرح إشكالية ندرة المياه العديد من الأسئلة بخصوص غياب إستراتيجية واضحة لتدبير المياه لدى الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام فضلا عن ارتباط الأزمة بعوامل التغيرات المناخية .
أزمة الماء وغياب عقلنة تدبير الموارد
وجوابا على هذا السؤال يرى المحلل الاقتصادي عمر الكتاني أن إشكالية ندرة وشح المياه ورغم المخاطر التي تطرحها على الأمن المائي للمملكة , إلا أن الحكومات التي تعاقبت على تدبير الشأن العمومي لم تتعامل مع هذا الملف الحساس بالأهمية اللازمة.
وأوضح الكتاني في تصرح لموقع “شفاف” أنه بالعودة للتاريخ نجد أن الإشكالات المرتبطة بالماء والقمح والبترول تعالج من لدن بعض الدول قبل خمسة عشر سنة وهو مالم يتحقق في المغرب .
واستطرد الخبير الاقتصادي “فقبل عشرين سنة كنا نقول أن المغرب تموضع في منطقة متصحرة وهي مسالة لامناص منها وكنا نحذر مرارا وتكرارا من تراجع الغطاء الغابوي بالمغرب وما يرتبط به من نقصان الأمطار والمياه الجوفية , في الوقت الذي تزاد فيه وثيرة استهلاك المياه بفعل النمو السكاني المتسارع .
وأردف الكتاني “نحن نؤد ثمن السياسة اللامائية حيث كان المخطط السياحي في المغرب قبل سنوات خلت يرتكز على تشييد ملاعب الغولف ولك أن تتخيل أن ملعبا واحدا يستهلك كمية من المياه بحجم مدينة كالجديدة .
وتابع ” في عهد البصري كنت أستغرب كيف أن مخطط سياحي يرمي لإحداث أربعة عشرا ملعبا للغولف دون مراعاة للنتائج الوخيمة على الموارد المائية, ونحن اليوم نؤدي فاتورة غياب النظرة المستقبلية لترشيد المياه وهي النظرة التي كانت متجاهلة لواقع جغرافي متغير عالميا ووطنيا ” .
واعتبر الكتاني أن الغابات تؤدي وظيفة حيوية في توفير المياه لتأثيرها على حركة السحاب ومنعها الأمطار من التبخر وتحويلها لمياه جوفية , لافتا إلى أن التغطية الغابوية حاليا في المغرب لاتتعدى ثمانية في المائة في حين أن المعايير الدولية في هدا المجال تتحدث عن عشرين في المائة , بمعنى أن المغرب لديه نقص بمعدل إثتا عشر بالمائة وهنا بيت القصيد حيث يلزم الربط بين سياسة التشجير وسياسة المحافظة على المياه على حد تعبيره .
مشكل المياه وارتباطه بالتغيرات المناخية
محمد بهناسي مدير مركز الأبحاث والدراسات حول البيئة والأمن الإنساني يرى من جهته أن الأزمة المائية في المغرب هي أزمة
ذات بعد هيكلي ويعاني منها المغرب مند عقود, ولها ارتباطات بعوامل مناخية وأنشطة بشرية بالإضافة إلى عوامل النمو الديمغرافي وإعداد المجال الترابي .
ويوضح بهناسي في اتصال مع موقع “شفاف” أنه فيما يخص العوامل الطبيعية المرتبطة بالأزمة المائية يمكن الإشارة للطابع الجاف وشبه الجاف للطبيعة في المغرب , وهذا الطابع يؤدي لندرة الموارد المائية المتاحة بالإضافة لتأثير عوامل مرتبطة بمشكل تغير المناخ على الموارد المائية الموجودة .
وبحسب المتحدث فالمغرب وعطفا على تقارير الهيئة الدولية لتغير المناخ بات من الدول التي تتواجد في منطقة تتأثر بتغير المناخ وهذا يؤدي إلى المساس بالأمن المائي للدولة وقدرتها على تلبية حاجياتها من المياه لتحقيق أهداف التنمية الشاملة .
ويضيف الخبير البيئي ” هنالك عوامل أخرى لها ارتباط بالأنشطة البشرية فمثلا اعتماد المغرب على قطاعات لها ارتباط باستهلاك المياه في كل من القطاع الفلاحي السياحي الصناعي يؤدي حتما إلى التأثير الكمي والكيفي على الموارد المائية المتاحة , فضلا على أن هنالك أنشطة بشرية تلوث المياه وتؤثر على جودتها وقابليتها للاستهلاك وهي أنشطة تؤدي إلى تزايد الطلب على الماء .
ويشير المتحدث إلى أن عامل التمدد الديموغرافي يساعد في تزايد الطلب على الموارد المائية , بالإضافة إلى إعداد التراب في المغرب وتأثيره على المياه , وهنا نتحدث بالخصوص عن مشكل التصحر واجتثاث الغابات و تراجع الغطاء النباتي الذي يؤثر على قدرة الأنظمة البيئية في المغرب وتخزيين الموارد التي لها ارتباط بالتساقطات, وهي عوامل تزيد من حدة الأزمة وتدفع للتفكير في إستراتيجية شاملة لتدبير الأزمة وتحقيق الأمن المائي بشكل يسمح بتفادي الانعكاسات السلبية لغياب الأمن على التنمية الشاملة للبلاد وتفادي المساس بقدرة الإنسان على تلبية حاجياته الضروية وحق الولوج للمياه كحق إنساني.
ويقف بهناسي عند واقع الأزمة المائية بالمغرب ليؤكد أن هنالك هوة بين مايسعى المغرب لتحقيقه وبين الواقع على الأرض لافتا إلى أن الهوة تعود بالأساس لمشكل الجفاف الذي أصبح مشكل هيكيلي يعاني منه المغرب مند سنوات, فضلا عن اعتماد المغرب على استراتيجيات في قطاعات اقتصادية لازالت تؤثر على الأمن المائي بشكل مخيف ضاربا المثل بوجود استراتيجيات في الفلاحة والصناعة تعتمد بالأساس على منطق مبني على الموارد المائية المتاحة في حين يجب إعادة النظر فيها في سياق ظاهرة الجفاف والتغيير المناخي والآمن المائي .
ويستطرد المتحدث “هنالك هوة في مجال تطبيق القوانين المرتبطة بالماء بالمغرب وهو الأمر الذي لايمكن من تطبيق نظام الحكامة بفاعلية واستمرارية في سياق التنمية المستدامة ومقاومة الأزمات .
ويختم الخبير البيئي حديثه بالتأكيد على أن المغرب يتواجد في مفترق طرق على مستوى أمنه المائي المهدد بعوامل على رأسها تغير المناخ وعامل الأنشطة البشرية التي يجب تدبيرها بشكل فعال وعقلاني , حتى نتمكن من بناء نموذج تنموي لايرتكز على استنزاف الرأسمال المائي للدولة ويتجه نحو تنويع الأنشطة البشرية التي ليس من الضرورة أن تستمر في الاعتماد على الموارد المائية النادرة وغير المتجددة .