كشفت نتائج الانتخابات التشريعية الجزئية في كل من دائرة المحيط في الرباط ودائرة الفقيه بن صالح، التي جرت أمس الخميس، عن تواصل تفوق حزب التجمع الوطني للأحرار عن باقي منافسيه السياسيين، حيث تمكن مرشحيه من نيل ثقة الناخبين بالمنطقتين المذكورتين لتمثيلهم داخل مجلس النواب، وذلك بالرغم من الانتقادات الموجهة لـ”الأحرار” من طرف شريحة كبيرة من المغاربة خلال المرحلة الأخيرة؛ وهو ما يطرح مجموعة من التساؤلات عن دلالات ما أفرزته هذه الاستحقاقات، وعلاقتها باستمرار ثقة المغاربة في “الحمامة” من عدمه.
♦ نتائج الانتخابات
أفرزت النتائج الأولية للانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة المحيط في الرباط، عن فوز سعد بنمبارك عن حزب التجمع الوطني للأحرار بالمقعد برلماني الخاص بهذه المنطقة بعد حصوله على نسبة 48.36% من الأصوات، والذي جاء متبوعا بمرشح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبي بـ28.06%، تلاه ممثل حزب العدالة والتنمية بـ 14.92%، فيما المرشح عن فيدرالية اليسار الديمقراطي حل في المركز الأخير بنسبة 8.66%.
ولم تتجاوز نسبة المشاركة في هذه الانتخابات 6.6% من الأصوات المسجلة، التي جرت يوم الخميس، إذ من أصل 179036 ناخب لم يقم بالتصويت سوى 7524 فردا منهم، حيث كانت فقط 6307 منها صحيحة، بينما اعتبرت 1217 في خانة الملغاة، وهو ما أبرز وجود عزوف انتخابي كبير في هذه الدائرة الانتخابية؛ المعروفة بالتنافسية العالية على مقاعدها سواءً تلك المتعلقة بالاستحقاقات التشريعية أو نظيرتها المحلية.
الحصيلة المرحلية لحكومة أخنوش.. ماذا تحقق وهل فعلا وفت الحكومة بوعودها الانتخابية؟
وكرر “الأحرار” نفس التفوق على مستوى الاستحقاقات التشريعية الجزئية؛ من خلال نجاح مرشحه صالح حنين، في الفوز بالمقعد البرلماني الشاغر بالدائرة الانتخابية الفقيه بن صالح، بعد حصوله على 15756 صوتا أي حوالي 50 % من الأصوات الصحيحة البالغ عددها 28500 صوتا.
وجاء مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ثانيا بـ9439 صوتا (30 %)، بينما حل ثالثا ممثل حزب الوحدة والديمقراطية بـ2327 صوتا ( 7.36 % )، فيما جاء رابعا المرشح عن حزب التقدم والاشتراكية بـ 691 صوتا (2.19 %)، وأخيرا أتى مرشح حزب الإنصاف بـ287 صوتا (0.91 %)، أما نسبة المشاركة فوصلت في هذه الاستحقاقات إلى 11.28% أي 31618 ناخبا، في حين قدرت عدد الأوراق الملغاة بـ 3118 أي بنسبة 10 % من الأصوات المعبر عنها.
ويذكر أن هذين المقعدين اللذين حازهما حزب التجمع الوطني للأحرار، كان قد فقدهما في وقت سابق بعدما قرر المحكمة الدستورية عزل عضويه بمجلس النواب عن الدائرتين الانتخابيتين المذكورتين، حيث جرد من مقعد البرلماني كل من عبد الرحيم واسلم عن دائرة المحيط الرباط، وكمال محفوظ عن دائرة الفقيه بن صالح.
♦ دلالات تفوق “الحمامة”
اعتبر بوبكر أونغير، الباحث في العلوم السياسية وقضايا التنمية والديمقراطية وحقوق الانسان، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن الانتخابات التشريعية الجزئية التي شهدتها بلادنا مؤخرا في كل من دائرة المحيط في الرباط التي تعرف بـ”دائرة الموت” ودائرة الفقيه بن صالح أظهرت أن حزب التجمع الوطني للأحرار ما يزال يتصدر اتجاهات الناخبين في المغرب.
وأبرز أونغير أنه تفوق الأحرار يعزى إلى عدة أسباب رئيسية، من أهمها الأمل الكبير الذي يعلقه المغاربة على الأوراش الكبرى التي وعدت بها الحكومة الحالية؛ خصوصا في المجال الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
وتابع أن استمرار تصويت الناخبين لصالح حزب “الحمامة، ساهمت فيه الهزة الكبيرة التي عرفها الجانب الاجتماعي بعد “لإصلاحات القاسية والمؤلمة” التي نفذتها الحكومتين السابقتين تحت قيادة حزب العدالة والتنمية، والمتعلقة بتمرير قوانين مجحفة مست المتقاعدين والمتعاقدين وأثرت سلبا على جودة حياة المغاربة.
♦ سقوط “البيجيدي” وفوز “الأحرار”
يشير بوبكر أونغير إلى أن النتائج الكارثية لإلغاء صندوق المقاصة أدى إلى استفحال التضخم وتضرر القدرة الشرائية للمواطنين، مبرزا أن ذلك هو السبب الأساسي الذي أدى إلى عدم تصويت المغاربة مجددا على العدالة والتنمية في كل دوائر المغرب التي تمت إعادة الانتخابات فيها.
وأوضح الباحث في العلوم السياسية وقضايا التنمية والديمقراطية وحقوق الانسان، أن الطبقة الصغيرة والمتوسطة التي كانت السند الرئيسي للحزب الإسلامي تم سحقها والإضرار بموقعها الاجتماعي؛ ما جعل عددًا منها يلجأ إلى الصمت الانتخابي فيما اختار البعض الآخر التصويت لأحزاب الأغلبية الحكومية.
وشدد على أنه في المقابل، استطاع حزب التجمع الوطني للأحرار تسويق برامجه السياسية بنجاح وفعالية مرتكزا على الأرقام والمعطيات وعلى الحملات الإعلامية الممنهجة التي تصل الى الجميع، مرتكزا في ذلك على خطاب واقعي يلامس هموم الناس مباشرة بغض النظر عن التزامه بتطبيق برامجه من عدمه.
ولفت إلى أن الحديث عن التنمية والأوراش الكبرى والتجاوب مع انشغالات الناس ولو في الخطاب السياسي والاستجابة لمطالب بعض فئات الشغيلة المغربية، كلها عناصر ساهمت في استمرار حزب “الأحرار” والأحزاب الحكومية عموما في تصدر المشهد السياسي.
واستطرد أنه في جانب آخر، نرى المعارضة سواء داخل البرلمان أو خارجه منعدمة التنسيق كما حدث عندما فشلت في إيداع ملتمس الرقابة، مبرزا أن خطابها السياسي يركز على قضايا خارجية مثل الحرب ضد غزة والخطاب الأخلاقي الذي أصبح لا يهم المغاربة، فيما تركز الأحزاب الحكومية على الترويج للدولة الاجتماعية وقضايا التشغيل والتضخم.
♦ ثقة المغاربة والعزوف السياسي
يبرز بوبكر أونغير أن السياق السياسي والتاريخي المغربي ينتج براديغمات سياسية من الصعب تجاوزها في الأمد المنظور في السياق المغرب، ومنها أن الحزب الذي يرأس الحكومة مرتين لا يمكن أن يعود للمرة الأخرى لترؤس الحكومة.
وأوضح أن الناخبين المغاربة فعلوها مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سابقا وكرروها مع حزب العدالة والتنمية، مشيرا إلى أن عودة “البيجيدي” بقوة إلى المشهد السياسي بعيد المنال بفعل أخطائه السياسية والتدبيرية وفشله الذريع في تحقيق كل الشعارات التي تبناها.
وأرجع عزوف الناخبين وتدني نسب المشاركة الى أسباب كثيرة، أهمها إجراء الانتخابات في يوم عمل مما أدى الى حرمان العديد من الموظفين من المشاركة، وثانيا لارتفاع منسوب اللاثقة في العملية الانتخابية وفي جدوائيتها؛ خصوصا في الأوساط الحضرية التي إكتوت بارتفاع الأسعار والبطالة ومشاكل النقل والكراء وغير ذلك.
وأردف الباحث في العلوم السياسية أن هذه النتائج تؤكد أن المغاربة لا يزالون غير مقتنعين بالبرامج الانتخابية وبخطاب المعارضة، موضحا أن ذلك لا يعني أن الناخبين أعطوا ضمانة نهائية للأحزاب الحكومية .
وشدد على أن الانتخابات الجزئية اختبار جزئي للرأي العام، لكن من المبكر أن تبنى عليها تخمينات وتكهنات بالنسبة للانتخابات التشريعية باعتبار أن مجال السياسة يتغير باستمرار بتغير مجموعة من العوامل الأخرى كالجانب الاقتصادي والاجتماعي وكذا الظرفيات الإقليمية والدولية.