في خطابه بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء، وجّه الملك محمد السادس دعوة مفتوحة للجزائر للانضمام إلى المبادرة الأطلسية التي تهدف إلى تعزيز التعاون الإقليمي في شمال وغرب أفريقيا.
وركّز الملك في خطابه على أهمية المبادرة كوسيلة لتمكين الجزائر ودول المنطقة من الاستفادة من فرص الولوج إلى المحيط الأطلسي، بما يسهم في تعزيز التكامل الاقتصادي ودعم التنمية المستدامة.
وأكد الملك أن المغرب يتبنى سياسة منفتحة توفر للدول المجاورة منفذًا استراتيجيًا على الأطلسي، ما يفتح لها آفاقًا واسعة للتنمية ويعزز الاستقرار في المنطقة.
رسائل الملك لخصوم الوحدة الترابية .. هل تلتقط الأطراف المعنية الإشارات الملكية ؟
♦معالم ديبلوماسية جديدة
أكد الدكتور مشيج القرقري، المسؤول عن العلاقات الخارجية بحزب الاتحاد الاشتراكي، أن خطاب الملك محمد السادس الأخير بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء ا كان واضحًا وحاسمًا في رسم معالم جديدة للدبلوماسية المغربية، وجاء كتكملة للخطاب الملكي السابق خلال افتتاح الدورة التشريعية بالبرلمان، حيث ركز فيه على التطور النوعي الذي شهدته الدبلوماسية المغربية على المستويين الرسمي والبرلماني.
وأشار المسؤول عن العلاقات الخارجية بحزب الاتحاد الاشتراكي في تصريح لجريدة “شفاف”، إلى أن الخطاب الملكي كان بمثابة رسالة واضحة إلى المنظومة الدولية، وخصوصًا إلى الأمم المتحدة، داعيًا إياها إلى إدراك الواقع الجديد الذي تشهده المنطقة، حيث يَبرز المغرب كدولة تسير بسياسات واضحة وفعالة، في حين لا تزال الجزائر عالقة في أجواء الحرب الباردة.
وأضاف القرقري أن الملك محمد السادس أكد في خطابه أن المغرب لم يعد يكتفي بردود الأفعال تجاه التحديات الإقليمية، بل أصبح لاعباً فعالاً في المنطقة، مشيرًا إلى أن المملكة باتت تتحرك نحو تفعيل استراتيجياتها على أرض الواقع. ومن هذا المنطلق، دعا الملك إلى اتخاذ خطوات عملية، حيث يمكن البدأ في الاشتعال على ملف طرد جبهة البوليساريو من الاتحاد الأفريقي، وهو ما يتطلب تعديل القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي لتحقيق هذا الهدف.
كما أشار المتحدث إلى ضرورة سحب ملف الصحراء المغربية من اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، التي تعنى بتصفية الاستعمار، مؤكدًا أن هذا الملف لم يعد ينتمي إلى هذا السياق، وأن استمراره في هذه اللجنة يعكس تقادم الرؤية التي تتبناها بعض الأطراف تجاه هذا النزاع.
♦المغرب دولة منفتحة
وفيما يتعلق بعلاقة المغرب بالجزائر، أوضح القرقري أن الملك محمد السادس ترك الباب مفتوحًا أمام الجزائر، إذا كانت لديها رغبة في الوصول إلى المحيط الأطلسي، مؤكدًا أن المملكة كدولة منفتحة تدعو إلى التعاون الإقليمي وتشجع على خلق روابط اقتصادية وشراكات من شأنها تحقيق التنمية في المنطقة.
واقترح الملك، ضمن خطابه، وفق المتحدث، أن تكون المبادرة الأطلسية هي الوسيط التي تمر عبرها الجزائر إلى المحيط الأطلسي من خلال الاستفادة من ميناء الداخلة والبنية التحتية المتطورة في البلاد لإنعاش اقتصادها.
ويرى القرقري أن خطاب الملك كذلك يتسم بالواقعية والتوجه نحو الحلول العملية، خصوصا أن المغرب في ضل وضعه الإقليمي والجيوسياسي لم يعد يقبل بسياسة وضع الشروط من جانب واحد. واصفا واقعة انسحاب الجزائر من اجتماع مجلس الامن بعد رفض مقترحاتها بخصوص ملف الصحراء بغير المشرف ويقوض صورتها على الساحة الإفريقية والدولية.
انتقاد شديد اللهجة من المغرب لدي ميستورا .. هل تتجه المملكة لتبني نهج جديد تجاه المبعوث الأممي؟
♦دعم دولي
ويعتقد القرقري أن خطاب الملك يشير إلى نية المغرب للتعامل بحزم مع قضية الصحراء المغربية، مشيرًا إلى أن هناك دعمًا دوليًا واسعًا لموقف المملكة، حيث تحظى مغربية الصحراء باعتراف من أكثر من 100 دولة، فضلاً عن دعم دولتين دائمتي العضوية في مجلس الأمن.
وأوضح أن هناك أكثر من ثلاثين قنصلية أجنبية توجد في مدينتي الداخلة والعيون، وهو ما يعكس الإجماع الدولي المتزايد حول مغربية الصحراء. مؤكدا على أن المغرب يجب أن ينتقل إلى مرحلة جديدة، تتسم بخطوات عملية أكثر جرأة وحزمًا على المستوى الدولي، تبدأ بطرد جبهة البوليساريو من الاتحاد الأفريقي، وسحب الملف من اللجنة الرابعة في الأمم المتحدة بهدف طي هذا النزاع بشكل نهائي.
ويرى القرقري أن الجزائر تواجه موقفًا صعبًا على الصعيد الإقليمي والدولي، مشيرًا إلى أنها تعاني من عزلة سياسية بسبب تدخلاتها المتكررة في شؤون دول الجوار، ما أدى إلى خلق توتر دائم مع مختلف جيرانها وليس المغرب وحده. موضحا أن الجارة الشرقية تعيش وضعًا داخليًا هشًا، حيث تواجه ضغوطًا اقتصادية واجتماعية متزايدة يجعلها تميل إلى تصدير مشاكلها الداخلية نحو الخارج، وخصوصًا نحو المغرب ودول الساحل والصحراء.
ويرى القرقري أن النظام الجزائري يفتقر إلى الرؤية الديمقراطية، حيث سيستمر في سياساته العدائية التي تستند إلى عقيدة عسكرية تقوم على معاداة المغرب لتغطية مشاكله الداخلية. كما أنه لن يتجاوب مع الرسائل الملكية.
♦تفعيل الحكم الذاتي
وأشار القرقري إلى أن المغرب يجب أن يستغل هذه اللحظة التاريخية لتعزيز موقفه على الصعيدين الداخلي والدولي، مؤكداً أن تفعيل الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية قد حان وقته، ويجب أن يتم تفعيله بشكل أقوى عبر نظام الجهوية الموسعة، الذي يمتلك أسسًا قانونية ودستورية راسخة في المغرب.
واختتم القرقري تصريحه بالتأكيد على أن المغرب يسعى إلى بناء شراكات استراتيجية في إطار التعاون الإقليمي، ليس فقط مع الدول المجاورة، وعليه أيضا أن يذهب في هذا الاتجاه مع دول أمريكا اللاتينية التي تشترك مع المغرب في الموقع الجغرافي على المحيط الأطلسي.
ويرى القرقري أن المغرب يمكنه توسيع دائرة التعاون الدولي ليشمل دولاً تتمتع بموقع استراتيجي مشابه، مما يتيح له فرصًا جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي بين دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا، ويعزز مكانة المغرب كدولة محورية في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأكد القرقري أن الرسالة التي وجهها الملك للجزائر جاءت في وقت حاسم، داعيًا الأخيرة إلى الاندماج في المشروع الذي اقترحه المغرب لفتح منفذ لها على المحيط الأطلسي. ومشيرا إلى أن الجارة الشرقية مطالبة بإعادة النظر في مواقفها وتجاوز العقيدة القديمة المبنية على الصراع، والانخراط في مسار التعاون الإقليمي الذي من شأنه تحسين ظروف الحياة للمواطنين في المنطقة.
وأكد القرقري على أن المغرب مستعد لمواجهة أي تحديات مستقبلية، وأنه عازم على المضي قدمًا في تحقيق الاستقرار والتنمية للمنطقة ككل، مشددًا على أن المملكة قد طوت صفحة الصراع التقليدي، وتركز الآن على بناء مستقبل أفضل لها ولجيرانها، بما يتماشى مع متطلبات العصر والمنظومة الدولية الجديدة.
عمر هلال : اقتراح تقسيم الصحراء المغربية ذريعة جزائرية معتادة للهروب من انتكاساتها الدبلوماسية