لا يزال يشهد المغرب بشكل متسارع ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار العقارات السكنية، وهو ما كان له تأثير على شريحة كبيرة من الأسر الراغبة في اقتناء سكن خاص بها، ومن جانب آخر يربط المنعشون العقاريون هذا الارتفاع بغلاء أسعار مواد وتكلفة البناء، وهو ما يطرح عديد التساؤلات عن أسباب ذلك، ودور الإجراءات الحكومية في معالجة هذه الإشكالية.
♦ مطالب برلمانية
تعالت أصوات عدد من البرلمانيين للمطالبة بمعالجة إشكالية ارتفاع أسعار العقارات المخصصة للسكن، وبنهج سياسات فعالة لتنظيم السوق وحماية المواطنين، وتوفير الشقق لشريحة واسعة من المغاربة الساعية لتملك سكن خاص بها مقابل أثمنة مناسبة.
في هذا الصدد، توجه النائب البرلماني رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، بسؤال كتابي إلى نادية فتاح، وزارة الاقتصاد والمالية، حول الوضع الحالي الناتج عن انحراف مبادرات توسيع ملكية السكن عن أهدافها التي حددتها الحكومة في القانون المالي لعام 2023، وتعمقت في القانون المالي لعام 2024.
وساءل حموني الوزيرة فتاح عن التدابير التي ستتخذها وزارة الاقتصاد والمالية لتفادي انفجار فقاعة اقتصادية في هذا القطاع، حيث ستؤدي تلك التداعيات إلى آثار كارثية على الاقتصاد الوطني والمديونية والاستهلاك، حيث استغل البعض هذه المبادرات لتحقيق أرباح شخصية على حساب مصالح المواطنين.
♦ أسباب الارتفاع
أبرز محمد جذري، الخبير والمحلل الاقتصادي، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن سوق العقار بالمغرب يشهد ارتفاعا في الأسعار منذ مدة طويلة، وذلك لعدة أسباب؛ وفي مقدمتها الطلب الداخلي المتزايد من طرف المغاربة على السكن الاقتصادي والمتوسط، مشيرا لوجود عجز ببلادنا في الصنفين العقاريين الأخيرين.
وأردف جذري أن المعروض من الشقق والمنازل يلقى طلبا كبيرا على المستوى المحلي، لافتا إلى أن ثاني العوامل يرتبط بالارتفاع المتصاعد الذي تشهده مواد البناء، حيث وصلت لمستويات قياسية غير مسبوقة.
ولفت إلى أن أسعار هذه المواد تضاعفت لمرتين أو ثلاث على الأقل خلال الآونة الأخيرة وتحديدا في السنة الماضية، ولاسيما أثمنة الإسمنت والحديد والزجاج والألمنيوم والرخام وغيرها من المنتجات الأساسية في قطاع العقار.
وأوضح الخبير والمحلل الاقتصادي أن تكاليف الإنتاج في مجال العقار تصاعدت خلال المرحلة الأخيرة، وهو ما تسبب بشكل مباشر في ارتفاع أسعار الشقق والمنازل الجديدة، مشيرا إلى أن ذلك يضاف لكون أن الأراضي والتجزئات السكنية بالمغرب تعود للخواص ما يجعل أثمنتها مرتفعة خصوصا في المدن الكبرى والمتوسطة.
وأردف أن المنعش العقاري غايته الاستثمارية المشروعة تكمن دائما في الربح، فهامش هذا الأخير يُبقي على نسبته في عمليات بيعه للشقق السكنية التي تعود إليه، ما يجعل الفرق في تكاليف الإنتاج المرتفعة بين اليوم والأمس يتحملها الزبائن، الذين يضطرون لأداء المبلغ الإضافي الناتج عن هذه الزيادات في المواد الأولية.
♦ الإجراءات الحكومية وتقليص الأسعار
يرى محمد جذري، أن الحكومة عبر وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة؛ قامت بمجموعة من الإجراءات المتميزة لتوفير السكن للمغاربة بأثمنة مناسبة، مثلما هو الشأن مع برنامج دعم السكن الذي انطلق في 2024 وسيستمر لغاية 2028.
وأضاف أن برنامج دعم السكن، الذي جاء بفكرة منح مبلغ 7 أو 10 ملايين سنتيم للراغبين في شراء شقق سكنية والذين ليس لهم أي منازل في ملكيتهم، وهو ما ساعد اليوم شريحة كبيرة من المغاربة على تملك السكن من خلال مساعدة مالية مباشرة للمقتني.
وأوضح أن هذا البرنامج يبقى مهما للغاية، باعتبار أنه يسمح باستفادة المغاربة المقيمين بالمغرب أو بالخارج، الذين لا يتوفرون على سكن بالمملكة، ولم يسبق لهم الاستفادة من مساعدة خاصة بالسكن، وهو ما من شأنه التقليص ولو نسبيا من هذه الأزمة التي تشهدها بلادنا منذ عقود.
وأبرز الخبير والمحلل الاقتصادي أن مثل هذه البرامج التي تدعم اقتناء المواطنين لفئتي السكن الاقتصادي والمتوسط يعد أمرا مهما للغاية، لكونه سيدعم القدرة الشرائية للأسر وسيجعلها قادرة على امتلاك شقة خاصة بها بدل الاستمرار في الكراء.
ولفت إلى أن منح دعم للمستفيدين من هذا البرنامج يصل لثلث مبلغ الحصول على السكن البالغ ثمنه لـ30 مليون سنتيم مثلا، يعتبر خطوة جد محمودة وستكون لها في القريب آثار إيجابية، لافتا إلى أنها إجراءات مهمة ستخدم كثيرا فئة ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة.
وشدد على أن عودة الأسعار لما كانت عليه أو التقليص من هذا الارتفاع في أثمنة العقار يفرض الاشتغال على ثلاثة (3) مداخل أساسية؛ ألا وهي توفير العقارات أي الأراضي للمنعشين العقاريين بأثمنة مناسبة لتفادي أن تكون تكلفة البناء كبيرة.
وتابع الخبير والمحلل الاقتصادي، أن ثاني الأمور ترتبط بمحاربة لوبي العقار الذي يتحكم في الأسعار بشكل كبير، مبرزا أن نشاط هذا الأخير بالمغرب يشهد توسعا يوما بعد آخر، والعمل في المقابل على دعم الشركات والمقاولات الصغرى والمتوسطة من أجل الدخول بقوة إلى هذا المجال.
وأشار إلى أن ثالث المداخل يتعلق بأسعار الفائدة التي تطرحها الأبناك بخصوص قروض العقار، والتي لا تزال مرتفعة مقارنة مع القدرات الشرائية للمواطنين، مبرزا أن ذلك يحد من إمكانية تملك شريحة كبير من المغاربة للسكن، وهو ما يجب معالجته من خلال تحديد أسعار فائدة مناسبة في هذا الجانب.
وأردف جذري أن حل الإشكاليات الثلاثة المطروحة، سيمكن لا محالة من وصول أسعار العقار بالمغرب إلى مستويات مقبولة للغاية خلال القادم من السنوات، وهو ما من شأنه ولو نسبيا المساهمة في التقليص من أزمة السكن المتفاقمة منذ عقود ببلادنا.