أثار الارتفاع الملحوظ في أسعار البيض خلال الأسابيع الأخيرة تساؤلات واسعة لدى الرأي العام، في وقت تتصاعد فيه المخاوف بشأن استمرار موجة غلاء تطال المواد الغذائية الأساسية الأخرى.
وهذا التوجه التصاعدي في أسعار منتوج يعتبر من بين الأغذية الأكثر استهلاكًا يوميًا في المغرب، سلط الضوء مجددًا على هشاشة السوق الداخلية أمام تقلبات العرض والطلب، وضعف التدخل التنظيمي الكفيل بضبط الأسعار والحد من المضاربات.
ويأتي هذا الارتفاع في سياق اقتصادي يتسم بتأزم القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة، ما يجعل من أي زيادة في أسعار المواد الأساسية عبئًا إضافيًا على الأسر، خاصة العائلات ذات الدخل المحدود.
كما أن غياب تدخل فعّال لضبط الأسعار أو تقديم توضيحات رسمية بخصوص أسباب هذا الارتفاع، زاد من حدة القلق لدى المواطنين الذين باتوا يتساءلون عن خلفيات هذه الزيادة ومآلاتها.
ويعيد هذا الارتفاع إلى الواجهة النقاش الدائم حول العلاقة غير المتوازنة بين حرية التسعير وحماية المستهلك، خاصة في غياب آليات شفافة لتبرير الكلفة النهائية للمنتجات الغذائية.
وفي ظل هذا الوضع، يجد المستهلك المغربي نفسه أمام خيارين: إما قبول أسعار متزايدة دون تفسير واضح، أو التخلي عن منتوجات كانت حتى الأمس القريب جزءاً من الحاجيات اليومية.
وهذا الواقع يفرض على الجهات الوصية مراجعة آليات ضبط السوق وتكثيف المراقبة، لضمان توازن حقيقي بين مصلحة المنتج، وحق المواطن في الولوج إلى غذاء آمن وبأسعار معقولة.
وهذا الارتفاع السريع في سعر مادة أساسية كالبِيض يعيد طرح الحاجة إلى مراجعة شاملة لسياسات التسعير، وتفعيل آليات الرقابة الزجرية والوقائية، بما يضمن توازناً بين حقوق المنتجين ومصالح المستهلكين.
♦خلل في تطبيق القانون
أوضح أحمد بيوض، مستشار في مشاكل المستهلك لدى مركز حماية المستهلك، أن ارتفاع الأسعار، سواء المتعلقة بمنتوج البيض أو غيره، أصبح ظاهرة مقلقة تعكس خللا واضحا في تطبيق الإطار القانوني المنظم للسوق المغربي.
وقال بيوض في تصريح لجريدة “شفاف”، إن القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة يؤكد مبدأ حرية تحديد الأسعار، مما يعني عدم تدخل الدولة في ضبط أسعار البيض أو أي منتج آخر.
أشار بيوض إلى أن كثيرين يغفلون عن وجود فصول في هذا القانون تضمن تحقيق توازن السوق وحمايته من الاحتكار، إلا أن هذه الأحكام غير مطبقة بشكل فعّال، مما يفتح الباب لاستغلال القانون من قبل بعض التجار والمضاربين الذين يفرضون أسعاراً مرتفعة دون قيود.
وأوضح المستشار في مشاكل المستهلك لدى مركز حماية المستهلك، أن غياب سلطة رقابية قادرة على الحد من هذه الزيادات غير المبررة يُسهل انتشار ممارسات غير عادلة.
جمعية مهنية ترجع أسباب الزيادة في أثمنة البيض إلى ارتفاع أسعار الإنتاج والمواد الأولية
ولفت المتحدث إلى أن المغرب كان ينتج سابقاً نحو 7 مليارات بيضة سنوياً، ما كان يوفر اكتفاءً ذاتياً بالإضافة إلى تصدير الفائض، إلا أن الإنتاج انخفض مؤخراً إلى حوالي 2 مليار حبة فقط، ما تسبب في نقص المعروض وارتفاع ملحوظ في الأسعار.
وأوضح أن المداجن تقلصت في إنتاجها بسبب عدم كفاية هامش الربح، رغم محاولات المهنيين تبرير الزيادة بارتفاع تكاليف المواد الأولية والنقل، وهو ما اعتبره بيوض غير كاف لتفسير حجم الزيادة المسجلة.
وطالب بيوض بتشكيل لجنة متخصصة لدراسة تأثير المواد الأولية وتكاليف الإنتاج على تحديد الأسعار النهائية، مؤكداً أن هذه الخطوة ضرورية لضمان شفافية السوق ومصداقية الأسعار.
وأكد أن الأسعار محررة منذ عام 2008، ما منح الحرية الكاملة للمهنيين في تحديدها دون رقابة فعلية، مما يجعل المستهلك الحلقة الأضعف التي تتحمل تبعات هذه الزيادات.
♦دعوات لضبط السوق
ونفى بيوض أن يكون التصدير سببا في ارتفاع الأسعار محليا، مشدداً على ضرورة إعطاء الأولوية لتلبية حاجيات السوق الوطنية وضمان توفر المنتجات الأساسية بأسعار تراعي القدرة الشرائية للمستهلك المغربي.
وشدد على أهمية توثيق الزيادات في الأسعار بشكل واضح في الفواتير والضرائب، لا سيما في ظل غموض هذا القطاع وغياب الشفافية الذي يفتح المجال لممارسات غير قانونية.
وأوضح كذلك أن البيض لا يندرج ضمن المواد المدعمة كالخبز أو السكر أو الدقيق، ولهذا السبب لا يتم ضبط سعره بشكل مباشر، مما يزيد من هشاشة المستهلك أمام تحركات السوق، مشيرا إلى غياب مراقبة المنافسة من قبل مجلس المنافسة وعدم احترام قواعدها، ما يسمح لبعض التجار بفرض أسعار مرتفعة دون محاسبة.
أزمة غلاء السمك.. كيف يؤثر تحكم المضاربين في ارتفاع الأسعار ؟
وأوصى بيوض بوضع آليات رقابية صارمة وشفافة تضمن مراقبة السوق بشكل مستمر، وداعيا إلى تأسيس لجان متخصصة تتابع سوق البيض وتدرس تأثير ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل على الأسعار النهائية.
وكشف أن غياب تدخل حكومي فعال يعمق معاناة المستهلك ويهدد القدرة الشرائية، لا سيما في ظل تراجع الإنتاج وعدم وضوح الأسباب الحقيقية للارتفاعات.
ونوّه إلى أن غموض القطاع وغياب الشفافية يزيدان من استغلال المستهلك، خصوصاً الفئات الهشة، مؤكداً ضرورة توثيق أي زيادة في الأسعار في الفواتير والضرائب للحد من الممارسات الاحتكارية، ومؤكدا على أهمية تدخل عاجل لإنقاذ القطاع عبر اعتماد آليات رقابية شفافة تعيد التوازن وتحمي المستهلك.
وخلص مستشار في مشاكل المستهلك لدى مركز حماية المستهلك، على أن القوانين وحدها لا تكفي دون إرادة حقيقية في تطبيقها، مشيراً إلى أن المسؤولية تقع على عاتق الجهات المختصة لاتخاذ إجراءات عملية تعيد الثقة للسوق وتحمي المستهلك من مزيد من التدهور في القدرة الشرائية.
وحذر من أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، داعياً إلى تحرك سريع وحاسم من الجهات المعنية للحفاظ على استقرار السوق وضمان حقوق المستهلكين.
ارتفاع الأسعار في عيد الأضحى.. هل يتحول تحدي المستهلك إلى تهديد لتماسك المجتمع المغربي؟

