يشهد قطاع الإنتاج الدرامي في المغرب خلال شهر رمضان هيمنة بعض الشركات على السوق، مما يقلص هامش التنوع ويحد من الفرص المتاحة للمواهب الصاعدة. وهذا الوضع يثير تساؤلات حول تأثيره على جودة المحتوى الفني ومدى استجابته لتطلعات الجمهور.
ويرى متابعون أن تركّز الإنتاج والتوزيع في أيدي فاعلين محددين يسهم في إنتاج أعمال متشابهة، حيث تُمنح الأولوية للاعتبارات التجارية على حساب الابتكار والإبداع.
كما أن هذه الدينامية تحدّ من إدماج الأصوات الجديدة في المشهد الدرامي، ما قد يدفع بالمواهب الناشئة إلى البحث عن فرص خارج القطاع، مما يهدد استمرارية التجديد في الدراما المغربية.
في المقابل، تتحمل المؤسسات الإعلامية الرسمية مسؤولية إرساء آليات تضمن تكافؤ الفرص وتشجع على تنوع الإنتاجات، بما يسهم في إثراء المشهد الدرامي الوطني.
ويبدو أن تجاوز هذه الإشكالية يتطلب رؤية واضحة وإرادة حقيقية لدعم صناعة درامية أكثر شمولية، قادرة على تحقيق التوازن بين متطلبات السوق والبعد الإبداعي.
♦احتكار يهدد الدراما
يرى الفنان والمخرج سعيد الناصيري، على أن احتكار بعض شركات الإنتاج للأعمال الدرامية في المغرب يشكل خطرًا كبيرًا على التنوع الفني ويؤثر بشكل مباشر على جودة المحتوى، ومحذرًا من استمرار هذه الممارسات التي تقوض فرص المواهب الصاعدة وتحد من تطور الدراما الوطنية.
وأرجع سعيد الناصيري قي تصريح لجريدة “شفاف”، مسؤولية الاحتكار وسيطرة بعض شركات الإنتاج على مختلف الأعمال التي تمر على مختلف القنوات العمومية إلى الرئيس المدير العام للتلفزيون المغربي، باعتباره المسؤول الأول عن اختيار الأعمال المعروضة خلال شهر رمضان، مشيرًا إلى أن قراراته تؤثر بشكل مباشر على المشهد الدرامي، سواء من حيث الاختيارات أو مستوى الإبداع.
وأضاف المخرج أن وزارة الاتصال تتحمل أيضًا جزءًا من المسؤولية، باعتبارها الجهة الوصية على القطاع، مطالبًا إياها بالتدخل لضبط معايير اختيار الأعمال الدرامية وضمان منافسة عادلة بين المنتجين.
وشدد المتحدث على أن وجود معايير واضحة في هذا المجال أمر ضروري للحفاظ على هوية الدراما المغربية، ومنع احتكار الساحة من قبل مجموعة محددة من الأسماء التي تتكرر في كل موسم رمضاني.
♦تكرار يضعف الدراما
أشار الناصيري إلى أن تكرار نفس الوجوه في الأعمال الرمضانية ينعكس سلبًا على جودة الدراما المغربية، إذ يؤدي الوضع إلى غياب التنوع الفني، مما يُضعف اهتمام الجمهور بالأعمال الدرامية المعروضة في رمضان.
وتابع سعيد قائلا: عندما يرى المشاهد نفس الممثلين في كل عمل، يفقد عنصر التشويق، حيث المحتوى يصبح متوقعًا، كما أن طريقة الأداء نفسها تتكرر، مما يفقد الأعمال أصالتها ويجعلها تبدو وكأنها إعادة إنتاج مستمرة.
وأبان الفنان أن التنوع ضروري للحفاظ على تفاعل الجمهور، موضحا أن أعظم الفنانين قد يصبحون مملين إذا لم يتم تقديمهم في سياقات جديدة.
وعن تأثير هذا الاحتكار على الفنانين، أوضح الناصيري أن الاعتماد المتكرر على نفس الأسماء لا يخدم حتى الممثلين أنفسهم، حيث يجعلهم عرضة للإرهاق ويضعف قدرتهم على تقديم أداء متجدد ومتنوع.
وأكد سعيد أن الفنان يحتاج إلى وقت كافٍ لتحضير أدواره والتفاعل معها، وهو أمر يستحيل تحقيقه إذا كان مضطرًا للمشاركة في عدة أعمال خلال فترة قصيرة.
وقال: “من المستحيل أن يقدم الفنان أداءً متميزًا إذا شارك في خمسة أو ستة أعمال سنويًا، فهذا يستهلك طاقته الفنية ويؤدي إلى تكرار الشخصيات بأسلوب نمطي دون تطوير أو ابتكار.”
♦أزمة الدراما في رمضان
سلط سعيد الناصيري عبر تصريحه الضوء على التأثير السلبي لهذا الوضع على المواهب الشابة، مشيرًا إلى أن استمرار هذا الاحتكار يجعل المجال مغلقًا أمام الوجوه الجديدة، مما يدفعهم للبحث عن فرص خارج المجال الفني.
وأضاف: عندما يرى الشاب أن الساحة محتكرة من طرف نفس الوجوه، دون أن تتاح له فرصة لإثبات نفسه، فإنه سيشعر بالإحباط ويفكر في خيارات أخرى، مما يمثل خسارة حقيقية للدراما المغربية التي تحتاج إلى دماء جديدة لإثرائها.
وتطرق المخرج إلى مسألة برمجة الأعمال الرمضانية، موضحًا أن كثافة الإنتاجات المعروضة خلال فترة الإفطار تجعل من المستحيل على المشاهد متابعة أي عمل بتركيز، بالإضافة إلى كثرة الإعلانات التي تزيد من التشتت.
وأوضح قائلا: في وقت الإفطار، يتم عرض أربعة أو خمسة أعمال دفعة واحدة على القنوات الوطنية، مما يجعل التركيز مستحيلاً. لذا يجب أن تكون هذه الفترة مخصصة لبرامج خفيفة ترفيهية، بينما تُعرض الدراما بعد صلاة العشاء عندما يكون المشاهد مستعدًا لمتابعة عمل درامي متكامل.
♦احتكار يهدد الإبداع
وفيما يتعلق بالمستفيدين من هذا الوضع، أشار الناصيري إلى أن بعض المنتجين استطاعوا أن يصبحوا من الأثرياء خلال فترة قصيرة، في حين لا يزال الفنانون الذين يعملون في هذه الإنتاجات يعانون من مشاكل مالية.
وقال: “إذا نظرنا إلى أوضاع بعض المنتجين قبل سنوات قليلة، سنجد أنهم لم يكونوا يملكون شيئًا، لكنهم الآن أصبحوا يمتلكون الفيلات والعقارات الفاخرة، بينما لا يزال الفنانون الذين يساهمون في هذه النجاحات يواجهون تحديات مادية، وهذا أمر غير مقبول.”
وتابع الناصيري قائلاً: إن هذه الهيمنة على الإنتاج الدرامي تؤدي إلى حالة من الركود الفني، حيث يتم تدوير نفس الأفكار والشخصيات، مما يحد من تطور الدراما المغربية.
وأبرز المخرج أن الدراما تحتاج إلى تجديد مستمر، ولا يمكن أن تظل محصورة في نفس القوالب والأساليب، مبينا أنه إذا لم يتم إعطاء الفرصة لمخرجين ومؤلفين وممثلين جدد، فسنظل نعيد إنتاج نفس الأعمال دون أي تقدم حقيقي.
وخلص الناصيري في نهاية تصريحه إلى أن المسؤولية الكبرى في إصلاح واقع الإنتاج الدراما في رمضان تقع على عاتق الرئيس المدير العام للتلفزيون المغربي، الذي يجب عليه أن يضع معايير عادلة لاختيار الإنتاجات، وإعطاء فرصة لكل من يستحقها، لضمان التنوع والارتقاء بجودة الدراما المغربية.
وأضاف: “من الضروري إعادة النظر في طريقة اختيار الإنتاجات التلفزيونية لضمان التنوع والإبداع، حتى يتمكن المشاهد المغربي من الاستمتاع بدراما تعكس فعلاً قدرات الفنانين والمبدعين المغاربة.”
كما دعا في الأخير إلى ضرورة تبني إصلاحات جذرية في سياسة الإنتاج التلفزيوني، بحيث يتم التركيز على المحتوى الهادف والمتنوع بدلاً من إعادة تدوير نفس الأسماء والمفاهيم.