سجلت منطقة محاميد الغزلان بإقليم زاكورة، خلال اليومين الماضيين، تسلل أسراب من الجراد عبر الحدود الشرقية للمملكة، مهددة المحاصيل الزراعية بالمنطقة بالضياع.
وخلف زحف أسراب من الجراد قلقا لدى الفلاحين بسبب أنه يشكل خطرًا حقيقيًا على موارد العيش الخاصة بهم ، داعين الجميع لليقظة والتبليغ عن أي تحركات جديدة للجراد.
كما أن السلطات بالمنطقة تدخلت بسرعة، حيث باشرت عمليات رش المبيدات في المناطق التي سجلت أسراب الجراد، في محاولة للحد من انتشاره الفتاك وتقليل الأضرار المحتملة.
♦مبيدات تقتل البيئة
حذر محمد بنعطا، الخبير البيئي، والمهندس الزراعي والناشط في المجال البيئي، من خطورة المبيدات المستعملة حاليًا في مواجهة أسراب الجراد، مشيرًا إلى أنها تُشكل تهديدًا مباشرًا لصحة الإنسان والحيوان، وتُحدث اختلالًا عميقًا في المنظومة البيئية، بما يشمل النحل والطيور والغزلان والماشية، فضلًا عن تلويث المياه والنباتات والأعشاب البرية.
وأوضح بنعطا، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن الطريقة المعتمدة في رش هذه المواد بواسطة الطائرات “لا تساهم سوى في تفاقم الوضع، حيث تُلقي بظلالها على اتساع رقعة الأضرار، لدرجة تجعلنا نُشبهها بما كان يُعرف بالحروب الكيماوية التي عانت منها أوروبا في القرن الماضي”، مؤكدًا أن “الضرورة أصبحت ملحة لتقييم نوع المبيدات المستعملة وطريقة استعمالها، بما يضمن احترام الصحة العامة وحماية البيئة”.
ودعا بنعطا إلى إعادة النظر في الطريقة التي يُنظر بها إلى الجراد، مُشيرًا إلى أنه “لا ينبغي التعامل معه فقط كخطر زراعي، بل يمكن اعتباره مصدرًا غنيًا بالبروتين، وهو ما تعتمده العديد من الثقافات كمكون غذائي تقليدي”.
وفي سياق تقديم البدائل، قال الخبير البيئي إن “هناك تقنيات فعّالة لم يتم بعد تبنيها في المغرب، من بينها معالجة الجراد خلال الليل، حيث يتكدس في مناطق محدودة ويسهل استهدافه بأقل كمية ممكنة من المبيدات، مما يُقلص الأضرار ويُحافظ على التوازن البيئي”.
وتأسف بنعطا من كون الجهات المعنية تفضل استعمال طائرات ضخمة من طراز ‘كاندير’ و‘C-130’، والتي تُستخدم عادة في عمليات واسعة النطاق، بدافع استجابة لمصالح لوبيات ترى في هذه الأزمات فرصًا للربح السريع.
وأوصى بنعطا باعتماد مقاربة تشاركية تُشغّل اليد العاملة المحلية، والاستعانة بمخبرين ميدانيين لرصد أماكن مبيت الجراد ليلًا، ومعالجتها بشكل دقيق ومدروس، بدل اللجوء إلى الرش العشوائي عبر الطائرات، موضحًا أن “هذا النهج البديل كفيل بتقليص الأضرار البيئية، وترشيد استخدام المبيدات، وخلق فرص شغل، بعيدًا عن منطق الربح السريع”.
ودعا الجهات الوصية إلى تغليب المصلحة العامة، والتفاعل الجاد مع التحديات البيئية التي تهدد التوازن الطبيعي، حفاظًا على صحة الإنسان وكل الكائنات الحية”.
♦خطر المبيدات العشوائية
أكد عبد المجيدة هيكون، رئيس الجمعية المغربية لموزعي المبيدات الفلاحية، أن المبيدات الزراعية، ورغم ضررها البيئي المعروف، تبقى خيارًا لا مفر منه في حالات استثنائية مثل اجتياح الجراد أو تفشي أمراض تهدد سلامة التربة والنبات، مشددًا على أن الخطر الأكبر يكمن في الاستعمال العشوائي وغير المراقب لهذه المواد.
وأوضح هيكون في تصريح لجريدة “شفاف” أن الاعتماد على مبيدات غير موصى بها أو استعمالها بشكل اعتباطي يهدد بتدمير المحاصيل الزراعية والمساحات الخضراء، خصوصًا في سنة تعرف تراجعًا ملحوظًا في الغطاء النباتي.
واعتبر أن أي تدخل لمكافحة الجراد يجب أن يتم حصريًا وفق المعايير الوطنية والدولية، وباعتماد أدوية مرخصة من قبل الجهات الرسمية، في مقدمتها المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية ووزارة الفلاحة.
وفيما يتعلق بنوعية المبيدات المستخدمة، أشار هيكون إلى أن هناك اختلافًا في تركيبة الأدوية بحسب طبيعة المنطقة المستهدفة، حيث تُستخدم مبيدات خفيفة التأثير في الأراضي الزراعية النشيطة، فيما يتم اللجوء إلى مواد أقوى في المناطق القاحلة أو غير المأهولة بهدف التصدي الفوري لأسراب الجراد.
وبخصوص الأثر المحتمل لهذه المواد على التربة والمياه، أوضح المتحدث أن مدة فعالية المبيدات المرخصة لا تتجاوز في الغالب خمسة أيام، وهي فترة كافية لتقليل الضرر البيئي، ما يجعل التنقل أو استخدام الموارد الطبيعية في هذه المناطق آمنا بعد انقضاء المدة المحددة.
ومع ذلك، حذر رئيس الجمعية من تسرب هذه المواد إلى الآبار أو أماكن تجميع المياه، مؤكدًا أن هذا السيناريو يمكن أن يؤدي إلى تلوث يضر بصحة الإنسان والحيوان، ما يستدعي اتخاذ تدابير وقائية صارمة من قبل السلطات المختصة.
واعتبر المتحدث أن الخطورة الحقيقية تظهر حين تُترك عملية المكافحة للفلاحين دون تأطير، حيث يلجأ بعضهم إلى حلول خطيرة كاستعمال سم الفئران أو مواد تنظيف منزلية مثل “جافيل” و”سانيكروا”، وهي ممارسات تهدد التوازن البيئي وتزيد من خطورة الوضع.
وأضاف أن إشراف السلطات المختصة على هذه العمليات يضمن التحكم في نوعية المبيدات وكمياتها، ويقلل من الأضرار على الإنسان والطبيعة.