تبذل دول الخليج، بقيادة السعودية والإمارات، جهودًا دبلوماسية لرأب الصدع بين المغرب وإيران، وسط تعقيدات إقليمية متزايدة.
وتأتي هذه المبادرة بعد اتهام المغرب لإيران بتقديم دعم عسكري لجبهة البوليساريو، مما أدى إلى تصعيد التوترات بين الجانبين.
وأكد المغرب تمسكه بسيادته ووحدته الوطنية، مشددًا على أن أي تقارب مرهون بوقف إيران لدعمها للبوليساريو وامتناعها عن التدخل في شؤونه.
ومن جانبها، تسعى إيران إلى إعادة ترتيب علاقاتها الإقليمية في ظل متغيرات دولية متسارعة. حيث تشكل هذه الوساطة اختبارًا حقيقيًا لقدرة الخليج على التوسط بين المصالح المتضاربة وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
بين تسليح البوليساريو وطلب الوساطة لرأب الصدع مع المغرب .. هل تسعى إيران لإبتزاز المملكة ؟
♦وضع حساس
أكد صبري عبد النبي صبري، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن العلاقات المغربية الإيرانية تشهد منعطفًا حساسًا، مع استمرار الحديث عن وساطات خليجية لإعادة العلاقات بين البلدين.
وفي حديثه لجريدة “شفاف”، أوضح أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن إيران، التي كانت تراهن على دعم جبهة البوليساريو من خلال الجزائر، أدركت أن هذا الرهان لم يحقق أي مكاسب تُذكر، بل أدى إلى مزيد من العزلة الدولية لها، مقابل تعزيز المغرب لمكانته الإقليمية والدولية.
♦رهانات إيران وواقع الفشل
وأشار عبد النبي إلى أن إيران تبنّت، منذ فترة طويلة، استراتيجية التدخل غير المباشر في الشؤون الداخلية للدول، من خلال دعم الجماعات الانفصالية وإثارة التوترات الإقليمية.
وأضاف أن دعمها لجبهة البوليساريو عبر الجزائر كان جزءًا من هذه الاستراتيجية، لكنها وجدت نفسها تعبث دون منفعة، حيث لم تسفر هذه التحركات عن أي تأثير حقيقي على موقف المغرب الراسخ بشأن قضيته الوطنية.
وأوضح عبد النبي أن إيران حاولت على مدى السنوات الماضية توظيف جبهة البوليساريو كأداة لزعزعة استقرار المغرب، لكنها اصطدمت بمواقف مغربية صلبة، حيث نجحت الرباط في تحقيق مكاسب دبلوماسية كبرى، تمثلت في اتساع رقعة الدول الداعمة لمغربية الصحراء. مؤكدا أن هذا الدعم الدولي المتزايد جعل من محاولات إيران والجزائر مجرد “جعجعة بلا طحين”.
مقدوفات البوليساريو في المحبس .. هل يتحرك المغرب دبلوماسيا وعسكريا لحماية أراضيه ؟
♦وساطات خليجية ورهانات جديدة
ولفت صبري إلى أن التغيرات الإقليمية والدولية، بما في ذلك المصالحة الإيرانية السعودية، دفعت إيران إلى إعادة النظر في استراتيجيتها الخارجية.
وفي هذا السياق، أبان عبد النبي أن وساطات خليجية، تقودها السعودية والإمارات، تسعى لإعادة العلاقات بين الرباط وطهران إلى مسارها الطبيعي. ومع ذلك، شدد المتحدث على أن المغرب متمسك بمواقفه الثابتة، التي تقوم على رفض أي تدخل في سيادته أو دعم لجماعات انفصالية تستهدف استقراره.
وأضاف أن المغرب رفع سقف شروطه في أي حوار مستقبلي مع إيران، إذ يشترط بشكل واضح وقف طهران لأي دعم مادي أو لوجستي لجبهة البوليساريو.
بوريطة يحذر من محاولة الجزائر جر المنطقة للحرب.. فماهي احتمالات نشوب حرب بين المغرب والجزائر؟
وأشار إلى أن المملكة المغربية، التي تتمتع بدبلوماسية عريقة وسياسة خارجية متزنة، منفتحة على الحوار والتعاون مع كل الدول التي تحترم وحدتها الترابية وسيادتها الوطنية.
♦موقف المغرب: الثبات في السيادة والانفتاح على التعاون
وكشف صبري أن المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، يتمسك بثباته الدبلوماسي في التعامل مع القضايا الوطنية والإقليمية، بما في ذلك قضية الصحراء المغربية.
وشدد أن الرباط تتبنى مبدأ الحوار والتعاون المبني على الاحترام المتبادل، لكنها في الوقت نفسه لا تقبل بأي مساس بوحدتها الترابية، وهو ما تجلى في قرارها قطع العلاقات مع إيران سابقًا، عندما ثبت تورطها في دعم البوليساريو عبر الجزائر.
وأشار إلى أن المغرب يعتمد على نهج دبلوماسي حكيم ومبني على خلق شراكات استراتيجية مع دول كبرى، مثل الصين وروسيا وفرنسا، إضافة إلى تعزيز مكانته كشريك رئيسي في القارة الإفريقية.
ولمح عبد النبي إلى أن المملكة من خلال استثماراتها في إفريقيا وتعاونها مع دول القارة، أثبتت أنها لا تسعى فقط لتحقيق مكاسب اقتصادية، بل تسعى أيضًا لدعم الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة.
أنباء عن وساطة خليجية لرأب صدع الخلافات بين إيران والمغرب.. فهل تخضع طهران لشروط الرباط؟
♦رسائل المغرب لإيران والعالم
وشدد صبري على أن الرسالة المغربية واضحة، حيث المملكة منفتحة على إعادة العلاقات مع إيران إذا ما تخلت عن دعمها لجبهة البوليساريو واحترمت سيادتها.
وأكد أن إيران بحاجة إلى إدراك أن رهاناتها السابقة على الجزائر والبوليساريو لم تؤتِ ثمارها، وأن المغرب أصبح لاعبًا رئيسيًا في الساحة الدولية، يتمتع بدعم واسع في قضيته الوطنية وباستقرار سياسي واقتصادي يجعله وجهة جذابة للاستثمارات.
إيران تجدد عدائها للوحدة الترابية للمملكة.. قراءة في أسرار وخلفيات الأزمة بين الرباط وطهران
♦المغرب في موقع قوة
وفي ختام حديثه، أكد صبري أن المغرب اليوم في موقع قوة، بفضل استقراره الداخلي، وحضوره الدبلوماسي الوازن، وشراكاته الاقتصادية العالمية.
وأورد أن المملكة تظل منفتحة على الحوار مع أي دولة ترغب في بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون الحقيقي، بعيدًا عن سياسات التدخل أو دعم الجماعات الانفصالية.
وأشار إلى أن موقف المغرب تجاه إيران هو امتداد لرؤية متكاملة تعتمد على احترام سيادة الدول وحل النزاعات بطرق سلمية، لكن دون التفريط في الحقوق الوطنية أو التهاون مع أي تهديد لأمنه واستقراره.