أعفت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة 16 مديرًا إقليميًا، مبررة القرار بمعطيات تفتيشية مرتبطة بتنزيل البرامج التربوية، غير أن تضارب الروايات حول فحوى هذه المعطيات أثار تساؤلات.
وتعد هذه الإعفاءات غير مسبوقة في تاريخ الوزارة، ما يطرح تساؤلات حول دوافعها الحقيقية، بين احتمال ارتباطها بإعادة الهيكلة أو ببلوغ المستفيدين سن التقاعد.
كما يثير قرار وزارة التربية الوطنية تساؤلات حول مدى ارتباطه بأخطاء تدبيرية تستدعي كشف التقارير التي تثبت ذلك، أم أنه يحمل أبعادًا أخرى.
♦معايير غير واضحة
أكد عبد الله غميميط، الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي، أن قرارات الإعفاء التي اتخذتها وزارة التربية الوطنية مؤخراً بحق عدد من المديرين الإقليميين تطرح العديد من التساؤلات حول تأثيرها على استقرار المنظومة التعليمية، خاصة في ظل المرحلة الثانية من تنفيذ خارطة الطريق الإصلاحية.
وأشار الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي في تصريح لجريدة “شفاف”، إلى أن إعفاء 16 مديراً إقليمياً بعد فترة قصيرة من تولي الوزير الجديد لمنصبه، وقبيل الاستحقاقات الإشهادية، يعد خطوة قد تؤثر سلباً على الاستعدادات لهذه المحطات التعليمية المهمة.
وأضاف الفاعل النقابي على أن هذا القرار جاء بشكل مفاجئ، ما يثير علامات استفهام حول مدى انسجامه مع متطلبات الاستقرار الإداري والتربوي.
وشدد غميميط على أن وزارة التربية الوطنية بررت هذه الإعفاءات بكونها مبنية على تقييم لأداء المديريات الإقليمية، خصوصاً فيما يتعلق بمشاريع “مدارس الرياضة”.
واعتبر المتحدث التفسير الذي قدمته وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة يطرح إشكالات عدة، إذ أن الوزارة كانت قد أصدرت تصنيفاً يحدد أداء المديريات الإقليمية وفق ثلاثة ألوان: الأخضر (متميز)، الأصفر (متوسط)، والأحمر (ضعيف).
وأوضح أن الغريب في الأمر هو أن معظم المديرين الذين تم إعفاؤهم ينتمون إلى الفئة المصنفة ضمن المنطقة الخضراء، في حين أن بعض المديريات المصنفة ضمن الفئة الحمراء لم يطلها أي تغيير، ما يثير التساؤل حول المعايير الحقيقية التي تم اعتمادها في اتخاذ هذه القرارات.
♦إعفاءات تثير التساؤلات
وفي هذا السياق، تساءل غميميط عن مدى ارتباط هذه الإعفاءات باعتبارات مهنية صرفة، معتبراً أن المعطيات المتوفرة توحي بعكس ذلك.
وأكد الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي، أن هناك مديرين إقليميين سبق أن رصدت تقارير المفتشية العامة اختلالات واضحة في أدائهم، ورغم ذلك لم يتم إعفاؤهم، بينما تم استبعاد آخرين مشهود لهم بالكفاءة وحسن التدبير.
واعتبر أن هذا الأمر يعزز فرضية أن القرارات لم تكن مبنية فقط على معايير مهنية، بل قد تكون محكومة بخلفيات سياسية تهدف إلى إعادة ترتيب مواقع النفوذ داخل القطاع.
وأضاف غميميط أن هذه التحولات تعكس محاولة لإحلال مسؤولين جدد قد يكونون أكثر قرباً من التوجه السياسي للوزير الحالي، مشيراً إلى أن بعض المديريات التي يديرها مسؤولون مقربون من حزب الوزير لم تتأثر بهذه التغييرات، رغم وجود تقارير تؤكد سوء تدبيرها.
وأبان المتحدث أن هذا الوضع يعزز الشكوك حول وجود نية لإعادة توزيع المناصب وفق الولاءات السياسية، وليس بناءً على معايير الكفاءة والأداء.
♦غياب الضمانات
وفيما يتعلق بالضمانات التي تؤكد أن التعيينات الجديدة ستكون بعيدة عن أي اعتبارات سياسية أو ولاءات حزبية، شدد غميميط أنه لا توجد أي ضمانات تضمن حيادية هذه التعيينات.
وأشار إلى أن التكليفات التي باشرتها الوزارة مؤخراً في عدد من المديريات الإقليمية تدعو إلى التساؤل، حيث يظهر جلياً أن الاختيارات كانت موجهة نحو أشخاص منتمين إلى ألوان سياسية معينة، ما يجعلهم مستقبلاً المرشحين الطبيعيين لشغل هذه المناصب بصفة دائمة.
وأبرز غميميط أن قطاع التعليم يفترض أن يكون مجالاً محايداً ومؤسساتياً، إلا أن القرارات المتخذة مؤخراً تظهر أن الوزارة تتعامل مع هذا القطاع بمنطق المقاولة وليس بمنطق المرفق العمومي.
وانتقد المتحدث هذا التوجه الذي اعتبره يكرس التدبير القائم على الولاءات بدل الكفاءة، محذراً من أن استمرار هذا النهج سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإداري داخل قطاع التربية الوطنية.
♦تأثيرات مستقبلية
أما بخصوص تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي دعا إلى تبني “مدرسة جديدة” تقوم على تعاقد مجتمعي جديد من أجل التربية والتكوين، فقد اعتبر غميميط أن ما تشهده الوزارة حالياً يتعارض مع هذا الطرح.
وأوضح أن التقرير لم يشر إلى “المدرسة الرائدة” التي تتحدث عنها الوزارة، مما يعكس وجود اختلاف في الرؤى والتوجهات بين الوزارة والمجلس الأعلى.
وأشار إلى أن هذه التباينات تطرح تساؤلات حول مدى وجود تصور موحد لإصلاح المنظومة التعليمية في المغرب، معتبراً أن غياب الانسجام بين مؤسسات الدولة في وضع سياسات تعليمية واضحة وثابتة يؤدي إلى ارتباك في تنفيذ الإصلاحات.
وأكد غميميض أن التعليم في المغرب أصبح يخضع لإملاءات مؤسسات مالية دولية، حيث يتم تغيير المخططات باستمرار دون تقييم حقيقي لمدى نجاعتها، ما يساهم في إضعاف المدرسة العمومية بشكل متواصل.
وحذر غميميط من أن استمرار هذه السياسات التي ستؤدي إلى مزيد من تدهور التعليم العمومي، مما سيزيد من اعتماد الأسر على التعليم الخاص، الذي يحظى بدعم غير مباشر من الدولة على حساب المدرسة العمومية.
وخلص الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي في الأخير، إلى أن المتضرر الأكبر من هذه التوجهات هو المجتمع المغربي، وخاصة الفئات الفقيرة، التي كانت ترى في المدرسة العمومية وسيلة لتحقيق الترقي الاجتماعي، لكنها اليوم تواجه واقعاً يسير في اتجاه تدمير هذا الحلم.

