عاد الجدل والنقاش مجددا حول استخدام المسؤولين بالإدارات والمؤسسات العمومية ونظيرتها المنتخبة للغة الفرنسية بدل اللغة الرسمية للمملكة المغربية (العربية)، وذلك بعد لجوء نبيلة الرميلي، رئيسة مجلس جماعة الدار البيضاء، مجددا لاستعمال لغة “موليير” بحسابها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”؛ من أجل التواصل مع الساكنة البيضاوية واطلاعهم على مستجدات تدبير مدينتهم.
♦ امتعاض واستغراب
في عدد من التعليقات والردود على منشورات العمدة الرميلي، عبر عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عن امتعاضهم واستغرابهم من استمرارها في استعمال اللغة الفرنسية بدل العربية أو الأمازيغية، بالرغم من الانتقادات التي وجهت لها في وقت سابق.
وارتباطا بذلك، جدد المدون أسامة الحرش، تذكير رئيسة مجلس جماعة الدار البيضاء، بأنها في المغرب، مبرزا أن دستور المملكة في فصله الخامس ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلد.
فيما طالب فهد السبتي في تعليق له على منشوراتها، المتعلق بمشروع إحداث حديقة بمقاطعة سباتة على مساحة 3 هكتارات، بالتواصل بالعربية مع المواطنين الذين انتخبوها، وكانوا سببا في توليها هذا المنصب، قائلا: “نحن مغاربة و لغة تواصلنا هي العربية، الفرنسية استعمليها مع الفرنسيين”.
واستغرب حساب يوسف لُون تواصل مسؤولة منتخبة باللغة الفرنسية علما أنها قدمت برنامجها الانتخابي باللغة العربية خلال الحملة الانتخابية التي تحدثت بها مع ساكنة عدد من الأحياء بالدار البيضاء، داعيا لضرورة التواصل باللغة الرسمية للبلاد والتي يفهمها كافة البيضاويين.
بينما أشار حسن القاسيمي في تعليق على التدوينة ذاتها، إلى أن الرميلي رئيسة لمجلس جماعة العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية، وليست بعمدة مدينة ستراسبورغ الفرنسية، معبرا عن شجبه لمخاطبتها لساكنة الدار البيضاء بغير اللغة العربية.
♦ التشريعات واللغة الرسمية للمملكة
ينص الفصل الخامس من دستور المملكة المغربية على أنه “تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها، وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء”.
ويضيف الفضل ذاته، أنه “يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية”.
وفي سياق متصل، دعا سعد الدين العثماني رئيس الحكومة السابق في منشور له، صادر بتاريخ 20 أكتوبر 2014، مستندا إلى كل من دستور 2011، ومنشور الوزير الأول رقم 53/98 بتاريخ 11 دجنبر 1998، ومنشور الوزير الأول رقم 4/2008 بتاريخ 22 أبريل 2008، إلى إلزامية استعمال الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية بجميع مرافقها للغة العربية أو اللغة الأمازيغية أو هما معا، في جميع تصرفاتها وأعمالها، وقراراتها وعقودها ومراسلاتها وسائر الوثائق، سواء كانت وثائق داخلية أو موجهة للعموم.
وطالب العثماني وقتها وبشكل استعجالي، إلى العمل على أن يلتزم جميع المسؤولين والأطر والموظفين والمستخدمين التابعين لكم أو للهيئات والمؤسسات والمقاولات العمومية الخاضعة لوصايتكم، باستعمال اللغة العربية أو اللغة الأمازيغية، في إصدار القرارات أو تحرير الوثائق الرسمية والمذكرات الإدارية وكافة المراسلات.
في السياق ذاته، أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط سنة 2017، في سابقة تاريخية قرارًا يقضي بإلزامية استعمال الدولة بجميع مرافقها اللغتين العربية أو الأمازيغية في جميع تصرفاتها وأعمالها.
واعتبرت المحكمة في نص الحكم أن “القرارات الإدارية المحررة باللغة الفرنسية تعد غير مشروعة لأنها مخالفة للدستور ومشوبة بعيب المخالفة الجسيمة للقانون ومآلها الإلغاء من طرف القضاء الإداري في إطار دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المنصوص عليها بالفصل 118 من الدستور”.
وتابعت أن “الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بجميع مرافقها تظل ملزمة باستعمال اللغتين العربية أو الأمازيغية في جميع تصرفاتها وأعمالها، من بينها اعتمادها في تحرير قراراتها وعقودها ومراسلاتها وسائر الوثائق المحررة بمناسبة تدبير جميع المرافق التابعة لها سواء كانت وثائق داخلية أو موجهة للعموم، وفي جميع حالات التواصل الكتابي أو الشفهي مع المواطنين:.
وأضافت أيضا أن ذلك يكون في جميع حالات التواصل والتخاطب الكتابي والشفهي بأي وسيلة كانت مع المغاربة والأجانب، سواء داخل التراب الوطني أو خارجه، من قبل ممثلي الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والمرافق والإدارات العمومية التابعة بصفتهم هاته، في الحالات التي يكتسي فيها الأمر طابعا رسميا وعلنيا، فضلا على ما يتعين على الدولة القيام به من إجراءات وتدابير بغاية حماية اللغة العربية وتطويرها وتنمية استعمالها، وفقا للمقطع الأول من الفصل الخامس أعلاه”.
وأوضحت أن “اللغة الرسمية المقررة بنص دستوري تُعد مظهرا من مظاهر سيادة الدولة، في بعدها الثقافي والتاريخي ذي الامتداد القانوني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ولذلك فإن استعمال الإدارة للغة أجنبية بديلة عن اللغة الرسمية في المجالات المذكورة أعلاه يشكل تنازلا عن هذه السيادة في أبعادها المشار إليها، وانتهاكا لإرادة المواطنين المُجسدة بنص الدستور الذين اختاروا العربية والأمازيغية لغتين لمخاطبتهم من قبل الدولة وجميع المرافق العمومية الأخرى، كما أنه تصرف لا يمكن تبريره بأي مسوغات واقعية أو قانونية جدية”.
وأكدت أن “استعمال اللغة الفرنسية من قبل الإدارات العمومية المغربية يعد عملا مخالفا للدستور، لأن اللغة المذكورة غير منصوص على استعمالها الرسمي بأي نص قانوني، فضلا على أنها لا تمثل أي مظهر من مظاهر الهوية المغربية ماضيا وحاضرا وليس لها أي امتداد تاريخي بالمغرب ذي بعد وطني ومشروع”.
♦ احترام السيادة اللغوية
اعتبر فؤاد أبو علي، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن أهم مظاهر السيادة الوطنية هي السيادة اللغوية والهوياتية، مبرزا أن الدولة التي تحترم لغتها لا تؤمن بسيادتها ولا تحترم حدودها القانونية وتلك الخاصة بالهوية والثقافة.
وتابع أن المسؤلين المغاربة مثل الرميلي يسعون إلى جعل اللغة مجرد وسيلة لتوصيل الآراء والأفكار، دون أن يكون لها أي بعد سيادي، مبرزا أن الوعي بهذا الأخير هو جزء أساسي من فهم دور اللغة، مشيرا إلى أن مجموعة من المغاربة في مواقع المسؤولية يتعاملون وفق هذا الأمر باستهانة مع المواطنين.
وتساءل عن كيفية تواصل هؤلاء المنتخبين والمسؤولين عن برامج التنمية لمواطن لا يتحدث بهذه اللغة الأجنبية، مبرزا أن الأدهى والأمر هو التواصل باللغة الاستعمارية أي الفرنسية، مشيرا إلى أن المغرب أمام مفارقة حقيقية، مبرزا أن المسؤول الذي لا يستطيع الحديث مع أبناء شعبه بلغتهم الأم لا يمكن تأمينه على تدبير أمور المجتمع وعلى المال العام وكذا مستقبل هذا الوطن.
وشدد رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، إلى أن اللغة جزء رئيسي وهام من سيادة أي بلد، وليست مجرد آلية للحديث والتواصل وتبادل الأفكار والرسائل، كما تظن شريحة كبيرة من المسؤولين اليوم ببلادنا.
♦ “تناقض بين القانون والواقع”
يرى فؤاد أبو علي أن هناك تناقض صريح بين ما هو مقرر في الدستور والمراسيم والقرارات الوزارية، وبين ما هو مطبق في الجانب العملي.
وأضاف أنه من الناحية القانونية، فاللغة الرسمية للدولة هي العربية، سواءً وفق ما نص عليه دستور المملكة أو ما جاء في عديد المراسيم الصادرة عن بعض رؤساء الحكومات السابقة، منذ مرحلة عبد الرحمن اليوسفي وإدريس جطو وعباس الفاسي ووصولا لسعد الدين العثماني.
وأوضح أن هذه المراسيم والمنشورات التي تؤكد على ضرورة أن تكون المراسلات والتواصل الإداري باللغة العربية، لم يستطع المغرب أن يفرض أو يتجاوز واقعا أهم ما يتسم به هو الانقلاب على كل من الدستور ومقتضيات التوافق الوطني التي تجعل العربية لغة التخاطب والتواصل الرسمي ببلادنا في كافة المجالات.
وشدد أبو علي على أن من بين أهم مضامين رسمية اللغة هي استعمالها في الخطابات الرسمية والتواصل الإداري، معتبرا أنه على عكس ذلك يظهر وزراء ومسؤولين في مؤسسات عمومية يتحدثون في أمور تهم المواطن المغربي بلغة فرنسية.
وتساءل رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، عن أسباب استعمال الفرنسية البعيدة عن المجال الثقافي للمغرب، مشيرا إلى أنها لغة غير قانونية فيما يخص التعامل الإداري، لافتا إلى ما يقع الآن سواءً من طرف “أونسا” أو غيره من المؤسسات والإدارات العمومية للدولة.
وأبرز المتحدث ذاته، أن من لا يؤمن بغير اللغة العربية ولا بالسيادة اللغوية للبلاد ولا بالهوية الوطنية، لا يمكن له أن يدبر قطاعا حكوميا معينا أو مؤسسة عمومية، مشيرا إلى أن ما يقع هو انقلاب صريح على الدستور، مبرزا أن اللغة العربية لم تعاني يوما مثلما يحدث مع الحكومة الحالية؛ من إجحاف وتهميش مقصودين.
♦ “على المسؤولين المغاربة الاقتداء بجاك شيراك”
يشير أبو علي إلى أن أبرز دليل على ما سبق هو أن البلدان الأوروبية والمتقدمة تعتبر اللغة جزءًا ومكونا رئيسيا لهويتها الوطنية والمجال الجيوستراتيجي لهاته الدول، ومن بين الأمثلة على ذلك الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك (كان رئيسا لفرنسا ما بين 1995 و2007)، الذي كان لا يتحدث إلا باللغة الفرنسية بالرغم أنه ترعرع في نيويورك الأمريكية.
وأضاف أن شيراك لما كان يلتقي مسؤولين أمريكيين أو بريطانيين أو غيرهم من الساسة الأنغلوساكسونيون، وكذا في المؤتمرات الصحافية التي تلي اجتماعاته مع هؤلاء يتحدث ويلقي خطاباته باللغة الفرنسية، مستغربا من قيام بعض المنتخبين ومن يتقلدون المسؤولية في المغرب بالتكلم بغير لغتهم الرسمية ألا وهي العربية.
وأوضح أن هذا المسؤول الفرنسي كان يؤكد من خلال حديثه بلغة “موليير” على أنه رجل دولة بمعناه الحقيقي، وكان مثالا ولا زال يحتدى به بالنسبة للمسؤولين وكذا المنتخبين الذين يتولون مهام ومناصب في إدارات ومؤسسات عمومية والمجالس المنتخبة وغيرها بفرنسا.
وتابع أن وزير الخارجية الألماني السابق زيغمار غابرييل يعد مثالا يقتدى به أيضا في احترام السيادة الهوياتية والثقافية لبلاده، حيث كان يرفض الحديث بغير لغة بلاده في مختلف التظاهرات والاجتماعات الدولية، وهو ما جعل الشعب الألماني في عديد المناسبات يشيد به.
وأوضح أن اللغة عند السياسيين الغربيين هي جزء أساسي من مكونات وثوابت الدولة، متأسفا إلى كون المسؤولين المغاربة يتعاملون بتهاون مع هذا الأمر؛ باعتبارهم لا ينظرون لها كأحد أبرز عناصر السيادة، ويخرجونها من إطارها الهوياتي ويحصرونها في جانبها التواصلي فقط.
وطالب رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بضرورة اقتداء المسؤولين والمنتخبين المغاربة بشيراك وغابرييل فيما يتعلق باحترام لغة بلديهما، وإعطائها مكانة خاصة في تعاملهما على أعلى المستويات السياسية.