أثارت ظاهرة هجرة الشباب والقاصرين الجماعية نحو مدينة سبتة خلال الأيام الماضية، تساؤلات عديدة حول الأسباب الكامنة وراء إقدام هذه الفئة على المغامرة بحياتها وعدم الاكتراث بالمخاطر المرتبطة بهذه الخطوة، وإن جاءت نتيجة لانعدام الثقة في الحكومة والأحزاب السياسية والنقابات ومسؤولي الشأن العام، وحول الحلول الممكنة أو المطروحة للتعامل مع هذا الأمر.
في محاولة جماعية للهجرة.. منع ما يقارب 400 شخص من العبور إلى سبتة
♦ الأسباب
يرى عبد اللطيف مستكفي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، ومنسق ماستر إدارة المؤسسات والعمل الاجتماعي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن محاولات الهجرة الجماعية غير الشرعية التي أقدمها عليها مجموعة من الشباب لها علاقة وطيدة بتراكم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، والتي جاءت عبر مراحل متعددة، بداية من تداعيات جائحة “كورونا” التي لا تزال تأثيراتها واضحة لحدود اليوم.
وأردف منسق ماستر إدارة المؤسسات والعمل الاجتماعي، أن ذلك يرتبط أيضا بإشكالية الجفاف وارتفاع نسبة البطالة؛ لاسيما في صفوف الشباب، وخصوصا حديثي التخرج منهم، حيث لا يجدون فرص للالتحاق بسوق الشغل، مشيرا إلى أن التدابير الترقيعية للحكومة فشلت للأسف في التعامل مع هذه الأمور.
ولفت مستكفي إلى أن اعتبار ما جاءت به الحكومة الحالية في خانة الحلول الترقيعية مرده لعدم فعالية ونجاعة عدد من برامجها بالشكل الكافي، موضحا أن الدعم الاجتماعي الذي تم إقراره مثلا جاء وفق شروط مقيدة وليس ثابتا؛ حيث يمكن أن يتغير في أي لحظة، ولا يستجيب لحاجيات المواطن في ظل أزمة غلاء المواد الأساسية.
وأبرز أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن الدعم الحالي لا يستجيب اليوم مع ما يفرضه ارتفاع تكلفة المعيشة ومسايرة الحياة، في ظل الزيادة المتصاعدة في أثمنة المواد الغذائية والمحروقات وغيرها من الأمور التي يحتاجها المواطن العادي، وذلك مقابل تضرر القدرة الشرائية لدى أغلب المغاربة،
وأوضح أن التفسير السوسيولوجي لوقوع مثل هذه الأحداث الآن بالرغم من كون الأسباب الكامنة وراءها تعود لما قبل 2021، يعيدنا للتذكير بأن المجتمع المغربي يتميز بقيم التضامن، حيث يمكن لفرد واحد يشتغل في مهنة أو قطاع ما أن يكون معيلا لباقي الأسرة، مشيرا إلى أن الأمر ذاته نشهده في الفواجع والمآسي التي نرى فيها تضامن مجتمعي وشعبي كبير بين المغاربة كما هو الحال مع ما حدث من مساعدة وتآزر بعد وقوع زلزال الحوز.
وزيرة الدفاع الإسباني: التعاون مع المغرب في إدارة الهجرة على الحدود “كامل ومطلق”
وأضاف منسق ماستر إدارة المؤسسات والعمل الاجتماعي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن هذا التضامن يعد كنوع من الحقنة المؤجلة لمثل هكذا رد فعل، وما قام به هؤلاء الشباب الذين أصبحوا يقدمون على خطوة الهجرة غير السرية بشكل علني يعتبر أحد ردود الأفعال التي تدخل في هذه الخانة.
♦ المسؤولية والحلول الممكنة
اعتبر عبد اللطيف مستكفي، أن المسؤولية فيما وقع تنقسم بين الأسرة والمدرسة والأطياف السياسية والنقابية، مشيرا إلى أن كل هذه الأطراف والمؤسسات والمنظمات لها دور في تربية توعية الشباب وتأهيلهم وبعث الأمل فيهم لغذ أفضل، وربط التعليم بفتح آفاق جيدة.
وشدد أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، على ضرورة أن يكون النظام التعليمي محفزا وأن يتم ربطه بالآفاق الاجتماعية والاقتصادية، وأن يضمن توفير تكوين رصين وجيد في هذا الجانب، مما يسمح بولوج الخريجين من المعاهد والجامعات وغيرها لسوق العمل بشكل سلس.
هيئة حقوقية تعبر عن رفضها للصمت الحكومي تجاه أزمة هجرة الشباب وتدعو النيابة العامة لعدم متابعتهم
وأشار إلى أنه من الأخطاء التي ارتكبت خلال المرحلة الأخيرة هو التقليص من أدوار الفعاليات المجتمعية والأطياف السياسية والنقابية، مبرزا أن الأحزاب السياسية مثلا كانت هي التي تقوم بدور الوسيط والتأطير، لكنها فقدت اليوم ذلك ولم تعد قادرة على القيام بهذه العملية، ما جعلها في كثير من الأحيان بعيدة عن هموم وانشغالات المواطن.
وأوضح أن الأحزاب السياسية ساهمت بهذا التراجع الحاصل في المهام التي كانت تقدم عليها فيما مضى، حيث يظهر خلال الحملات الانتخابية أن ما تعرضه لا يتجاوز كونه مجرد شعارات واهية، وذلك إضافة إلى استعانة هذه الأحزاب السياسية بالمجتمع المدني لتحسين العلاقة مع المواطن؛ وبخاصة خلال الاستحقاقات الانتخابية.
وأوضح أن أساليب وقنوات الاحتجاج والتعبير التي أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخير مركزا لها، حدّت من الآليات والأدوات الممكنة لرفض سياسة أو توجه ما، حيث أصبح الاكتفاء بالتدوين والتغريد ونشر منشورات لا يعرف أحيانا من خلفها قاعدة، وذلك بدل مراسلة المسؤولين وتوقيع عرائض أو تنظيم وقفات احتجاجية تعبر عن عدم القبول عن الأوضاع أو قرارات معينة، وبالتالي خلق إحراج للحكومة.
ودعا مستكفي لضرورة العمل على وضع سياسات رصينة، تكون لها استراتيجية محددة وواضحة للنهوض بأوضاع الفئات الهشة ببلادنا، وذلك من خلال الاعتماد على مقاربات علمية مبنية على الدراسات الأكاديمية الخاصة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب.
التامني تدعو أخنوش لاتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ الشباب من “الهجرة القسرية”
وأبرز أنه من الممكن للحكومة الاستفادة في هذا الجانب من دراسات الخبراء المغاربة في العلوم السياسية وعلم الاجتماع، أمثال محمد الطوزي وحسن رشيق ومصطفى أبو مالك، الذين قاموا بمجموعة من الدراسات التي بإمكانها مساعدة الفاعل السياسي إفراغ سياسات وتدابير تستجيب مع حاجيات المجتمع، وبالتالي معالجة الظواهر الاجتماعية التي ترتبط بالهجرة وغيرها.