دفع حمل جماهير ونجوم المنتخب الإيفواري للعلم المغربي وشكرهم للمملكة، في إطار الاحتفالات التي أعقبت حصد “ساحل العاج” للقب كأس إفريقيا للأمم الذي أقيم على أرضها، للتساؤل عن دلالات تلك الصور التي انتشرت على نطاق واسع على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الدولية، وعلاقة ذلك بالجهود التي تقوم به الرباط في الجانب المتعلق بالدبلوماسية الرياضية، من خلال مساعدة أشقائها من البلدان الإفريقية على تنظيم التظاهرات الرياضية وتأهيل مواردها البشرية وبنيتها التحتية وغير ذلك من الأمور.
وتقاطرت الإشادات بالمغرب من طرف الايفواريين بالنظر لما قدمته المملكة من جهود عبر أفراد وشركات قبل وأثناء “الكان” لإنجاح العرس القاري، حيث انخرطت طيلة المدة التي سبقت تنظيم المسابقة القارية شركات وكفاءات مغربية في تهيئة المرافق الرياضية؛ إذ سهر على صيانة العشب في عدد من الملاعب الرئيسية في البطولة مهندسون مغاربة سبقوا لهم الاشتغال في ملاعب عالمية، كما استعان المنظمون أيضا بالكفاءات النسوية، حيث تشرف مهندسة مغربية على إنارة الملاعب زد على ذلك عملية تثبيت اللوحات الإلكترونية التي يقوم بها مغاربة.
♦ فرحة إيفوارية بعلم مغربي
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلا كبيرا بخصوص حمل الجماهير ولاعبي المنتخب الإيفواري للعلم المغربي، سواءً في المدرجات أو عند صعود عدد من نجوم “الفيلة” لتسلم الميداليات الذهبية وكأس هذه المسابقة، حيث اعتبر العديد من النشطاء على هاته المنصات أن ذلك اعتراف صريح من الأشقاء الإيفواريين بالمجهودات التي قامت بها المملكة على كافة المستويات لمساعدة أبيدجان على إنجاح هذه البطولة.
في هذا الصدد، أبرز الصحافي الفرنسي فابيان كازينو في مقال نشر الرابط المتعلق به على حسابه بمنصة “إكس” (تويتر سابقا)؛ الأسباب الكامنة وراء التحية والتكريم للمغرب الذي قام به الإيفواريين، والتي تتجلى في العلاقات القوية بين البلدين، وكذا تأثير فوز “أسود الأطلس” على زامبيا بهدف دون رد في مرحلة المجموعات، الذي أعاد “الفيلة” إلى المنافسة.
وأضاف أن صعود المهاجم وعميد المنتخب الإيفواري ماكس آلان غراديل إلى منصة التتويج حاملاً العلم الأحمر المغربي بينما تلقى التهنئة من رئيس الجمهورية واتارا وهو يحمل العلم في يده والقيام بعدها بجولة شرفية وسط هتافات الجماهير لم يكن اعتباطيا أبدا، بل جاء امتنانا للمغرب على ما قدمته لهذ البلد فيما يتعلق بالبطولة ككل، لافتا إلى أن أبيدجان تدين بالكثير للرباط على المستوى الرياضي.
CAN. Pourquoi la Côte d’Ivoire a-t-elle rendu un tel hommage au Maroc en soulevant le trophée ? https://t.co/PtjvOdjRLv via @ouestfrance
— Fabien Cazenave (@FabienCazenave) February 12, 2024
بدوره، نشر الصحافي الإيفواري إيريك نجيرو فيديو للاعبي المنتخب الإيفواري وهم يغادرون ملعب لحسن واتارا بأبيدجان بعد تتويجهم باللقب القاري ويواصلون حمل العلم المغربي، قائلا: “أخيرًا غارد منتخب كوت ديفوار الميدان وهو يحمل معه علم المغرب”.
Walk of champions: African champions Côte d’Ivoire ???????? finally came out at 1am while carrying a Moroccan flag #AFCON2023 pic.twitter.com/HOHJKInif7
— Eric Njiru (@EricNjiiru) February 12, 2024
ولفت نجيرو في تغريدة أخرى على حسابه أن قصة الحب والعلاقة القوية بين المغرب وكوت ديفوار تعززت خلال هذه البطولة، وهو ما تمثل في رفع الإيفواريين لعلم المغرب بعد فوزهم بكأس الأمم الإفريقية 2023.
Remember the love story between Morocco and Côte d’Ivoire? ???? They’ve put up Morocco flag after they won #AFCON2023 @Izemanass pic.twitter.com/BnFNbxl3Ag
— Eric Njiru (@EricNjiiru) February 11, 2024
كما أشاد حساب “Actu Foot Afrique” بالجولة الشرفية التي قام بها غراديل وهو يحمل العلم المغربي، معبرا عن إعجابه بقيام لاعب متوج ببطولة قارية للمرة الثانية في تاريخه بعد نسخة عام 2015، برفع علم بلد آخر وتفاعل الجماهير الإيفوارية الكبير مع هذه الخطوة.
????????????Magnifique image de Max Gradel qui a fait le tour du stade avec le drapeau du Maroc ????????????#sna #AFCON2023 #CAN2023 pic.twitter.com/Cx0eedHyzp
— Sport News Africa (@snewsafrica) February 11, 2024
♦ المغرب ربح قلوب وعقول الأفارقة بـ”الكان”
يرى بوبكر أونغير، باحث في العلوم السياسية وتاريخ العلاقات الدولية؛ المتخصص في الشأن الإفريقي، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن الرياضة دائما ما شكلت جسرا للتواصل والتلاقي بين الشعوب، وفي إطار ذلك عمل المغرب بشكل مستمر على تطوير علاقاته الإفريقية عبر بوابة الدبلوماسية بمختلف مداخلها.
وأضاف أونغير أن الرياضة لا طالما اعتبرتها المملكة مدخلا من مداخل الدبلوماسية المغربية الموفقة في ظل القيادة السامية للملك محمد السادس، وبالتالي فرفع الأعلام المغربية من طرف اللاعبين والشعب الإيفواري بعد فوز منتخبهم بكأس إفريقيا للأمم دليل على أن المغرب ربح قلوب وعقول الأفارقة عموما والإيفواريين خصوصا.
وأبرز الباحث في العلوم السياسية وتاريخ العلاقات الدولية، أن المجهودات الكبرى التي بذلها المغرب من أجل نجاح كأس إفريقيا للأمم في الكوت ديفوار تقنيا وماديا لا يمكن للشعب الايفواري أن ينساه، مشيرا إلى أن الايفواريين ممتنين للفريق الوطني المغربي الذي بفضله تأهل منتخبهم إلى نهائي المسابقة، ووصولا لفوزه بهذا اللقب القاري.
“جون أفريك”: المغرب أفضل مثال إفريقي في الدبلوماسية الرياضية
♦ قوة الرياضة وتأثيرها الدبلوماسي
يبرز بوبكر أونغير أن الدبلوماسية الرياضية تدخل في إطار القوة الناعمة التي تستعملها الدول اليوم للتأثير وتطوير العلاقات بين الشعوب، لذلك فالعمل الإعلامي المغربي في التعريف بمؤهلات المغرب سياحيا واقتصاديا لا يضاهيه إلا إنجازات المنتخب الوطني في كأس العالم بقطر، إذ أن الإنجاز الرياضي المغربي الباهر استطاع أن يعرف بالمملكة في كل أصقاع العالم.
وأضاف أنه لما نرى مثلا طفلا من إندونيسيا أو في أمريكا اللاتينية أو كينيا يحمل صورة لاعب مغربي أكبر من أي عمل إعلاني إشهاري ممّول الذي لا يمكنه أن يؤدي نفس المهمة، لافتا إلى أن المغرب استثمر في الرياضة وأصبح معروفًا بلاعبيه ومدنه وإنجازاته وقوى ذلك بما حققه منتخب كرة القدم داخل القاعة؛ الذي عرفت العالم كذلك بالرباط ومؤهلاتها وأخلاق شعبها.
وواصل الباحث في العلوم السياسية وتاريخ العلاقات الدولية، أن الدبلوماسية الرياضية مدخل أساسي قوي من مداخل التعريف بالمغرب ومؤهلاته وسبيل من سبل تقوية الالتحام والتثاقف بين الشعوب وجسر للتعارف ونبذ كل الصور النمطية التي رسخها الاستعمار في سعيه لتقويض علاقات الشعوب مع بعضها.
وأردف أن المغرب كان في الماضي وسيظل في الحاضر والمستقبل بلدا وسيطا وملتقى للتلاقح الحضاري بين القارة الإفريقية ونظيراتها الأوروبية من خلال البحر الأبيض المتوسط، والقارة الأمريكية عبر المحيط الأطلسي، وهذا ما جعل المملكة بلدًا للحوار والتسامح واحترام ثقافات الشعوب رغم كل مساعي الاستعمار لقطع صلات الرباط مع إفريقيا بوسائل شتى.
♦ التوجه الدبلوماسي للرباط نحو الرياضة
يعتبر بوبكر أونغير أن التوجه الدبلوماسي المغربي تجاه الرياضة يعكس فهم المغرب لدور الرياضة في التقريب بين الشعوب وتسويق حضارة الشعوب في إطار ما يسمى بالتسويق الترابي الخارجي “الماركوتينغ الرياضي”؛ لذلك حرصت الرباط على إعداد بنية تحتية رياضية قوية وواعدة وأعطت للرياضة إمكانيات مهمة مكنت بلادنا من احتضان كبريات المسابقات الرياضية الدولية.
وتابع أن المغرب وقع عدة اتفاقيات تعاون وشراكة مع مجموعة من الاتحادات الرياضية الإفريقية، إلى جانب احتضان ملاعب المملكة لمباريات عدد من منتخبات إفريقيا خلال السنة الماضية، في إطار تصفيات كأس العالم 2026، مثلما هو الحال مع كل من إثيوبيا وبوركينا فاسو وغينيا والنيجر وتشاد والصومال وساوتومي.
وأوضح أن المدرسة المغربية أصبحت اليوم رائدة في التحكيم والتدريب وأصبح المغرب قبلة للحكام، لافتا إلى المدربين المغاربة أيضا أصبحوا مطلوبين دوليا، معتبرا أن المملكة باتت نموذجا يحتذى بها رياضيا على صعيد الاتحادات الدولية، مما أدى ببعض الاتحادات الإقليمية إلى الاستفادة من هذه التجربة في التنظيم وتأهيل المرافق الرياضية.
واستطرد الباحث في العلوم السياسية وتاريخ العلاقات الدولية، أن هذا النجاح خلق حالة من الحنق لدى الدولة الجارة التي لا يقف إعلامها في ترديد الأكاذيب والاتهامات للمغرب وللجامعة الملكية لكرة القدم؛ لكن المغرب واع كل الوعي أن العمل وحده هو الضامن للنجاح والتألق.
♦ المكاسب المغربية من الدبلوماسية الرياضية
يشير بوبكر أونغير إلى أن الدبلوماسية المغربية نجحت على جميع الأصعدة، مبرزا أن خير دليل على ذلك النجاحات المتتالية في قضية الصحراء المغربية، موضحا أنه في موضوع الرياضة كما السياسة فتنظيم المغرب لمجموعة من المنافسات الدولية والقارية ومنها اجتماعات البنك الدولي واجتماعات المناخ وغيرها من التظاهرات الكبرى التي تعتبر مواعيد دولية؛ لا يمكن أن يعطى شرف تنظيمها لأي دولة إلا إذا استحقت ذلك.
وأردف أن ما سبق يضاف لحصول المغرب على شرف رئاسة مجلس حقوق الإنسان الأممي نظير التحولات الحقوقية الايجابية التي تعرفها بلادنا واتساع مساحة الحريات العامة، مبرزا أن ذلك توج باستحقاق تنظيم المغرب لكأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030؛ بتنظيم ثلاثي مشترك مع إسبانيا والبرتغال.
وشدد على كل ما تحقق في هذا الجانب، يؤكد مكانة المغرب القوية على الصعيد الدولي والثقة العالية التي يحظى بها الملك محمد السادس لدى المنتظم الدولي، مشيرا إلى أن الرباط نجحت سياسيا ورياضيا وإعلاميا، واستطاعت أن تتبوأ مكانة محترمة لدى مختلف الأمم بالعالم، وذلك بدون أن يمتلك لا نفط ولا غاز ولا موارد كبيرة؛ لكن بالدبلوماسية استطاع أن يحقق ما لا تحققه الموارد المالية.
وأوضح أن المغرب استفاد إعلاميا من الانجازات الرياضية، كما انعكس ذلك سياسيا من حيث التعريف بالمملكة الموحدة المستقلة وبوحدتها الترابية، مبرزا أن الرباط نالت تعاطف بل إعجاب جميع الأفارقة؛ مما سيقوي من موقعها إفريقيا ودوليا، لافتا إلى أن عدد السياح الوافدين على البلاد ازداد باضطراد ليصل هذه السنة إلى حوالي 15 مليون سائح في عام واحد، كما أن الاستثمارات الاقتصادية المغربية في إفريقيا ارتفعت بقوة خصوصا في قطاع الخدمات.
مستكفي لـ “شفاف”: ما عجزت عنه القمة العربية بالجزائر حققه المغرب في مونديال قطر
وأشار إلى أن المغرب لعب كذلك دورا مهما في إحلال الأمن والسلم بإفريقيا وخصوصا في الغرب الافريقي، معتبرا أن هذا الإنجاز ما كان له ان يتحقق لولا صورة المملكة الناصعة لدى الأفارقة والدبلوماسية المغربية التي كان لها دور مهم في حل النزاعات في القارة “السمراء”، عبر الاستعانة بالدبلوماسية الرياضية والدينية، لاسيما أن روابط المغرب مع إفريقيا الغربية ترتبط بعلاقات تاريخية يلعب فيها التصوف المغربي قطب الرحى.
واعتبر الخبير السياسي المتخصص في الشأن الإفريقي، أن رفع الأعلام المغربية من طرف الايفواريين دليل على نجاح الدبلوماسية المغربية التي استطاعت أن تصل إلى قرارة افئدة الايفواريين شعبا وحكومة، لافتا إلى أن ذلك يعد بطبيعة الحال من المؤشرات والإشارات الايجابية المتبادلة بين البلدين.
وأكد على أن ما شهده “الكان” الأخير؛ ستكون له انعكاسات إيجابية على الصعيد السياسي لأنها ستقوي العلاقات بين البلدين وكذا موقف الكوت ديفوار من قضية مغربية الصحراء، وقد تمهد لان تلتحق أبيدجان بالاتحاد الأطلسي باعتبارها من دول غرب إفريقيا التي كانت ولا تزال مجال المغرب الاستراتيجي في إفريقيا.