من المرتقب يوم غد الأربعاء أن يصوت أعضاء مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الأمريكي حول قضية الصحراء المغربية، الذي يوصي بتمديد ولاية بعثة “المينورسو” بالمنطقة إلى غاية 30 أكتوبر من عام 2025، لكن هذه السنة خرجت الجزائر باعتبارها عضو غير دائم بهذا المجلس بمناورة جديدة على شكل مقترح تقدمت به إلى جانب الموزمبيق (عضو غير دائم) يطالب بتعديل مشروع القرار الذي تقدمت به واشنطن بخصوص نزاع الصحراء، والذي يقوم على توسيع صلاحيات بعثة “المينورسو” بالمنطقة، وإدراج آلية حقوق الإنسان ضمن مهمة هذه البعثة الأممية، إضافة إلى إشارة الجزائر بهذا المقترح إلى قرارات سابقة لمجلس الأمن تدعو إلى تنظيم “الاستفتاء”، الذي تم إقباره أمميا منذ مدة.
وجوبه هذا المقترح بالرفض من طرف كل من أمريكا وفرنسا اللتان تصدرتا الدول الرافضة للمقترح الجزائري، كما أكد ممثلا البلدين العضوين الدائمين بمجلس الأمن الدولي رفضهما المطلق لإدراج بنود إضافية، ضمن المشروع الذي أشرفت على صياغته واشنطن، مؤكدتين على ضرورة الالتزام بالقرارات الصادرة منذ 2007، والتي تدعو إلى انخراط كافة الأطراف وفي مقدمتها الجزائر في جهود البحث عن حل سياسي واقعي متوافق عليه بشأن هذا النزاع الإقليمي المفتعل، إضافة إلى أن المشروع الأمريكي لم يشر إلى تقسيم الصحراء، الذي اقترحه المبعوث الأممي في هذا الملف ستافان دي ميستورا في 16 من أكتوبر الجاري أمام مجلس الأمن.
♦ بعثة المينورسو
تأسست بعثة الأمم المتحدة في الصحراء المغربية تحت اسم “المينورسو”، بقرار مجلس الأمن رقم 690؛ في 29 أبريل 1991 تماشيا مع مقترحات التسوية المقبولة في 30 غشت 1988 بواسطة المملكة المغربية وجبهة “البوليساريو”.
ويوجد المقر الرسمي للبعثة في مدينة العيون المغربية، إضافة إلى مكتب لها بتندوف جنوب غربي الجزائر، لوجود مقر لجبهة “البوليساريو” هناك، كما توزع “المينورسو” عددا من عناصرها الأمنية والإدارية بكل من السمارة وأوسرد بالمملكة، وتفاريتي وميجك وبيير لحلو في المنطقة العازلة المعروفة وراء الحزام الأمني.
وتنص مهام بعثة “المينورسو” الأساسية على مراقبة وقف إطلاق النار في المنطقة، والحد من خطر الألغام والذخائر غير المنفجرة، ورصد مرابطة القوات المغربية ومليشيات “البوليساريو” في المواقع المحددة لها.
♦ المهام والعضوية بمجلس الأمن
يتحمل مجلس الأمن الدولي باعتباره هيئة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة، المسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين، ولديه 15 عضوا، وكل عضو لديه صوت واحد، وبموجب ميثاق الأمم المتحدة، تلتزم جميع الدول الأعضاء، -الذين بينهم 5 دائمو العضوية فيما 10 الباقون يمثلون بقية القارات-، بالامتثال لقرارات المجلس.
ويأخذ مجلس الأمن زمام المبادرة في تحديد وجود أي تهديد للسلام أو عمل عدواني، حيث يدعو أطراف النزاع إلى تسوية النزاع بالوسائل السلمية ويوصي بطرق التكيف أو شروط التسوية، وفي بعض الحالات يمكن لمجلس الأمن أن يلجأ إلى فرض جزاءات أو حتى السماح باستخدام القوة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو استعادتهما.
والأعضاء الحاليون الخمس عشرة، يتمثلون في الدول الخمس الدائمة العضوية، وهي الصين وفرنسا والاتحاد الروسي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وعشرة أعضاء غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة لمدة سنتين (مع نهاية السنة)، وهم الجزائر (2025)، والإكوادور (2024)، وغيانا (2025)، واليابان (2024)، ومالطا (2024)، والموزمبيق (2024)، وجمهورية كوريا الجنوبية (2025)، وسيراليون (2025)، وسلوفينيا (2025)، وسويسرا (2024).
ويذكر أنه لم تحصل أكثر من 50 دولة عضو في الأمم المتحدة أبدا على عضوية في مجلس الأمن، علما أنه يجوز لدولة عضو في الأمم المتحدة وليست من أعضاء مجلس الأمن أن تشارك دون تصويت في مناقشاتها عندما يرى المجلس أن مصالح ذلك البلد تتأثر، كما يجوز دعوة الأعضاء وغير الأعضاء في الأمم المتحدة، إذا كانوا أطرافا في نزاع ينظر فيه المجلس إلى المشاركة دون تصويت في مناقشات المجلس؛ علما أن الأخير يحدد شروط المشاركة من قبل دولة غير عضو.
وتجدر الإشارة إلى أن التصويت على قرارات مجلس الأمن تنص وفق المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة على أنه يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد، وعلى أنه تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه، وعلى أنه تصدر أيضا قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه؛ يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، وذلك بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقا لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفا في النزاع عن التصويت.
ويشار إلى أن تم الاتفاق بين واضعي الميثاق الأممي وهم الدول الخمس دائمي العضوية بمجلس الأمن الدولي على أنه لو صوت أي عضو من الأعضاء الخمسة الدائمين بالسلب، أي استعمال حق النقض أو “الفيتو” الممنوح لهم حصرًا في مجلس الأمن المكون من 15 عضوا، لا تتم الموافقة على القرار أو المقرر، وإذا كان أحد الأعضاء الدائمين لا يتفق تماما مع القرار المقترح ولكنه لا يرغب في استخدام حق النقض، يجوز له الامتناع عن التصويت، مما يسمح باعتماد القرار إذا ما حصل على العدد المطلوب المكون من تسعة أصوات مؤيدة.
♦ خلفيات المناورة الجزائرية
يرى بوبكر أنغير، الباحث في العلوم السياسية وتاريخ العلاقات الدولية، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن المناورة الجزائرية الجديدة هي في الحقيقة تعبير عن إفلاس سياسي ودبلوماسي جزائري؛ والذي بنى كل مواقفه على عداء المغرب وعلى حياكة المؤامرات الواحدة تلو الاخرى.
وأردف أنغير أن الجزائر تسعى جاهدة بكل الوسائل إلى الحد من الانتصارات الدبلوماسية التي حققها المغرب على صعيد كسب تأييد المجتمع الدولي وقواه الفاعلة، لكن كل الجهود الجزائرية لفرملة الحراك الدبلوماسي المغربي فشلت وانكسرت أمام الصمود المغربي وأمام قوة الحجة التي تملكها الرباط التي تسلحت بالتاريخ والوثائق الدامغة التي تؤكد على مغربية الصحراء.
تقرير غوتيريش حول قضية الصحراء المغربية.. إلى أين يتجه ملف النزاع المفتعل؟
وأبرز أن المقترح الجزائري يتناقض تماما مع أخلاقيات حسن الجوار أولا، ومع الشرعية الدولية ثانيا باعتبار أن مقترح توسيع صلاحيات آليات “المينورسو” سبق أن تم رفضه رفضا قاطعا، لأنه يختلف مع منطوق ومضمون قرار تأسيسها سنة 1991 (المينورسو).
وأضاف الباحث في العلوم السياسية وتاريخ العلاقات الدولية، أن المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي منذ سنة 2007 لم يعد يتحدث نهائيا سوى عن خيار سياسي متوافق عليه وفق التراكمات المحققة، ومنها إقرار مجموع دول مجلس الأمن الدولي دائمة العضوية بمقترح الحكم الذاتي كخطة قابلة للتطبيق والتنفيذ.
ولفت إلى أن المقترح الجزائري يعيد القضية إلى الوراء والى نقطة الصفر، معتبرا أنه دليل قاطع على أن الجزائر جامدة دبلوماسيا، وتتدخل في شؤون الدول الأخرى بكل فظاظة ووقاحة، متسائلا: متى حق للجزائر وغيرها أن تتدخل فيما لا يعنيها، وهي التي دائما تدعي أنها ليست طرفا ولا تريد أن تشارك في الموائد المستديرة على هذا الأساس؟
على ذات المنوال، أبرز محمد سالم عبد الفتاح، الباحث المهتم بقضية الصحراء والمحلل السياسي، ورئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن هذه المناورة تحيل على طبيعة الدور الجزائري في هذا النزاع الإقليمي، باعتبارها دولة معنية بشكل رئيسي ومباشر في هذه القضية ومتورطة إلى أبعد الحدود في وضع عراقيل وعدم إيجاد حل لهذا الملف.
واعتبر أن اقتراح الجزائر توسعة اختصاصات “المينورسو” هدفها التشويش على واقع السيادة المغربية، على اعتبار أن مجلس الأمن ظل يشيد منذ 2007 بالآليات الحقوقية المعتمدة من طرف المغرب فيما يتعلق بضمان والنهوض بحقوق الإنسان، لاسيما بدور اللجنتين الجهويتين بجهتي العيون الساقية الحمراء، والداخلة وادي الذهب؛ التابعتين للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، واللتان تطلعان بمراقبة وضعية حقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية للمملكة.
وتابع عبد الفتاح أن مجلس الأمن الدولي يعتبر الجزائري طرفا رئيسا في هذا النزاع، وتتم مناداتها بضرورة المشاركة الجادة والفعالة في الطاولات المستديرة للحوار بخصوص هذه القضية، لافتا إلى أن دور الجزائر يتسم دائما بمحاولة تقويض الوساطة الأممية وإفشال الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي من أجل إيجاد حل نهائي لملف الصحراء المغربية.
وذكر الباحث المهتم بقضية الصحراء والمحلل السياسي أن الجزائر تعمل بشكل متواصل على محاولة تعقيد هذا الملف؛ لاسيما فيما يرتبط بالجانب القانوني، وذلك من خلال تحوير المفاهيم القانونية المرتبطة بهذا النزاع المفتعل، إضافة لمحاولتها إحياء مقترحات متجاوزة مثلما هو الأمر مع تقسيم الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، الذي كانت قد تقدمت به كمقترح في 2002.
ولفت إلى أن أصحاب القرار في قصر “المُرادية” يحاولون بشكل يائس إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، عبر الإحالة في مقترحاتهم على قرارات مجلس الأمن الدولي قبل 2007؛ على اعتبار أنه بعد هذه السنة التي تقدم فيها المغرب بمبادرة الحكم الذاتي؛ ظل المجلس الأممي يشيد بهذه المبادرة ويعتبرها في قراراته المتعاقبة أنها ذات جدية ومصداقية.
♦ دلالات الرفض الأمريكي والفرنسي
يشير بوبكر أنغير إلى أن الرفض الفرنسي والأمريكي للمقترح الجزائري ليس بمستغرب، بل منتظر لأنه يدل على أن كل دول العالم باتت مقتنعة بأن أي مساس بوحدة المغرب وسيادته على أراضيه يعد مخاطرة حقيقية بالأمن والسلم الإقليميين، نظيرا للأدوار التي تقوم بها المملكة دوليا وقاريا في عدد من المستويات والواجهات.
وأكد على أن أمريكا وفرنسا حليفتين استراتيجيتين للمغرب وشركاء له في بناء الأمن والسلم الدوليين، موضحا أنه لا يمكن أن يتركا النظام الجزائري الحقود المارق يعرقل إصدار قرارات أممية تدفع المنطقة إلى الحلول الواقعية بدل الانجرار إلى متاهات قد تعصف بكل التراكمات الايجابية المحققة في سبيل إيجاد حل نهائي لقضية الصحراء على أساس الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية.
وشدد على أن رفض فرنسا وأمريكا لمقترح الجزائر سيعني الشيء الكثير بالنسبة للمنتظم الدولي، حيث سيكتشف أولا بما لا يدع مجالا للشك أن الجزائر أصبحت دولة بدون صوت مسموع، وأنها طرف معرقل في الملف ثانيا، إذ سينعكس هذا الرفض على القرار المرتقب من مجلس الأمن الدولي الذي من المنتظر أن يكون قرارًا لصالح المغرب وسيفيد في بلوغ حل سياسي توافقي مع استحضار أهمية مقترح الحكم الذاتي، وبطبيعة الحال توالي هذه القرارات الايجابية لصالح الملف المغربي يعني قرب إيجاد حل سريع ونهائي لقضية الصحراء المغربية.
في السياق نفسه، يوضح محمد سالم عبد الفتاح أن قرارات مجلس الأمن منذ 2007 تكرس لمشروعية ومرجعية مبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها الحل الوحيد لطي وإنهاء هذا الصراع الإقليمي المفتعل حول قضية الصحراء المغربية، والذي عمر لما يزيد عن نصف قرن، بسبب تلكؤ الجزائر وقيامها بشكل متواصل بعديد المناورات المكشوفة التي تسببت في عدم الوصول لحل نهائي بهذا الملف.
واعتبر رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن هذه المناورة الجزائرية كانت فرصة أو مناسبة لإبراز مواقف القوى الدولية الوازنة الداعمة للمملكة المغربية، والتي تقف سدًا منيعا أمام كافة المناورات التي يعكف عليها خصوم الوحدة الترابية للمغرب، وهو ما يؤكد تأييد ودعم هذه البلدان المؤثرة على الساحة الدولية لمبادرة المملكة المغربية للحكم الذاتي ويجدد بصيغة أخرى الاعتراف الرسمي من طرفها بسيادة الرباط على صحرائها.
وأوضح أن معارضة أمريكا وفرنسا للمقترح الجزائري، يظهر أن هذين البلدين دائمي العضوية بمجلس الأمن الدولي، إلى جانب دول أخرى تدعم المملكة ولو ضمنيا وتعترف عمليا من خلال شراكاتها المتنوعة بما فيها ما هو اقتصادي مع الرباط بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، مثلما هو الأمر مع روسيا (دولة دائمة العضوية بمجلس الأمن)، ويؤيدون المغرب في مبادراتها ومقترحاتها الجادة لإيجاد تسوية سياسية لهذا النزاع المفتعل.